22 نوفمبر، 2024 12:11 ص
Search
Close this search box.

ظاهرة اليَسار الإسلاموي والرهان على العمامة!

ظاهرة اليَسار الإسلاموي والرهان على العمامة!

مَن يُتابع أداء قوى اليَسار، في الوطن العَربي والعالم عُموماً، خلال العُقود الماضية، سَيُلاحِظ بأن أغلبها قد إنحَرَفت عَمّا كانت تَتبنّاه مِن قِيَم تقدّمية حَداثَوية، وإرتَمَت بأحضان الإسلام السياسي، وباتَت ذيولاً تتماهى مَعَه قولاً وفِعلاً. سَواء عِبر تأييدها لإنقلابه على مَفهوم الدولة المَدنية، أو عِبرالإشادة والذوبان برُموزه ومَشاريعه الظلامية، بَدَلاً مِن السَعي للنُهوض بوَعي الناس، وقيادة نِضالها ضِد رَجعيته. بل باتت تُنَظِّر لِما يَتبَنّاه مِن عُنف ويُشيعَه مِن تطَرّف، حَتى أخذ يَنطَبق عَليها لِصاحِبه الجَمهورية الإسلامية أو الإخوان. بَعضَها كما في العراق ولبنان واليَمَن تعامَلت مَع الأمر بإزدِواجية وطائفية، حينَ تحالفَت مع الإسلام السياسي الشيعي، وأدانَت السُنّي. بل وذهَب بَعضَها الى إعتبارها كقوى تقدّمية بمواجهة إمبرياليةالغرب الذي يَعيشون في دوله، ونَظّّروا لثورات دينية، كثورة الخميني،بوَصفِها فِعلاً تقدّمياً هَدفه الإنتصار للمُستضعفين.  

اليَسار العراقي:

اليَسار العراقي مَمَثلاً بالحِزب الشيوعي العراقي كان سَبّاقاً في الغَرَقبوَحل الإسلام السياسي الشيعي. إذ تحالف مَعه أيام مُعارضة صَدام، رَغمتأريخ الاحزاب الشيعية ومَراجِعها الأسود مَعه وفتواها بتكفيره! ورَغم أنهاكانت ترفُض الجُلوس مَعه في قاعة واحِدة بمؤتمرات المُعارضة! بَعد الإطاحةبصدام، وبَدَل التحالف مَع قوى مَدَنية، وتشكيل جَبهة تضُمّها، بَلعالإهانات، وتحالف مَع الإسلاميين، وكانت قياداته ترتدي أكفانهم، ودَخَلمَعهم الإنتخابات بقائَمة واحدة وفشِل كالعادة! بعد2003 حَرصَ الحزببأن يكون له دور في الطبخ وإقامة عَزاء وتنظيم مَواكب عاشوراء. وآخرالمَتَمّة تصريح سكرتيره بأن بَيع الخُمور في بغداد أكثر من أوروبا! وهوكلام مُخجِل، لأنه كذِب وتمَلّق بَخس للإسلاميين.

كذلك كان بَعض مُثقفي اليَسار العراقي سَبّاقين في الإشادة برُموزالإسلاميين والذوبان في مَشاريعهم الظلامية، حتى عِبر الحدود. كمَشروع الخميني الذي قال فيه أحَد شُعراء الحزب الشيوعي، الذي نَظم أعذَب قصائد الشِعر الغنائي العراقي، ما لم يَقُله مالك في الخمر: مُبايعٌ طيني وحُبٌ كُله.. مُبايعٌ أنَّك بين الدُّول الكُبرى الإمام“. وهو نفسه خاطب قبله بعامالمَعتوه جهيمان العتيبي الذي قام بإحتلال الحَرَم المَكّي:يا جهيمان حَدّق.. فما يملكون فرائِصَهُم، بل وتَهَجّم على اليسار لأنه لم يَدعَمه بقوله لم يُناصِرك هذا اليَسار الغبي“! ومثله فعل رفيق له مع أبو بكر البغدادي، حيث شَبّهَه بهوشي منه في كلام مُرسَل يُسَمّيه البَعض قصيدة! وتمنى سقوط بغداد بيَد دَواعِشه ليُخرجوا المُحتل البريطاني، الذي إستضافه ومَنَحه جنسيته وأكرَمه في سنواته الأخيرة! في حين كلاهما، الخميني والبغدادي يمثلان فكراً رَجعياً مُعادياً للتمَدّن الذي يَدّعيه الشاعِران وحِزبهما، وكاناسَيَكونان مِن أوائل ضَحاياهم لو تَحَقّقت أمنياتهما الغبيّة بأن يَحكموهم!

اليَسار المصري:

أما اليَسار المَصري، فقد تَوّج خَسارته لقواعده الجَماهيرية وحَواضِنُه المَدنيةلصالح تيّار الإسلام السياسي، بالتحالف مَع الأخوان في إنتخابات2012،وترجيح كَفّة مُرسي على أحمد شفيق فيها، فساهَم بإيصالهم للحُكم. فيأيام مبارك، وبَدلاً مِن التحالف مَع الدَولة التي تلتقي مَعه بما يَدّعيه مِنعَلمانية ومَدَنية، تحالف مَع الإسلاميين تحت شِعارمَع الإسلاميين أحياناً.وضِد الدَولة دائما في صِراعَها مَع الأخوان، مُتجاهِلاً التَضاد الفكريالذي بَينَهُما. ولم يَقِف تقارب اليَسار مَع الإسلاميين عند كِذبة الدِفاع عَنالديمقراطية والحُريات، بل إنحَدَرت بَعض قواه الشَبابية للتنظير بإنتهازيةللعَمَل مَع الإسلام السياسي كتكتيك مَرحَلي، تعويضاً عن الوَهَنالجماهيري الذي يُعاني منه اليَسار مُنذ عُقود، لرَغبَتها في الانتِشار، وهوما أضعَف الحَركة اليَسارية ونَخَرها بَدلاً من أن يُقوّيها، لأنه رَفَدَها بدِماءفاسِدة، بَدَل الدِماء الشابة التي كانت يَبتغيها.

ما دَفع جيل اليَسار الناشيء لإتخاذ هذه الخطوة الغبية هو قِلّة خِبرَته،وإعتماده طروحات جيل سَبَقه مَأزوم بعُقدة السُلطة، الى حَد تغيير جلدهللوصول إليها. مثل حسن حنفي الذي باتَ يُقدم نفسَه كمُنَظِّراً للإسلاماليَساري! وعادل حسين الذي قفز مِن قارب الماركسية الى قارب الإسلاموية! ومحمد عمارة الذي إنتقل مِن الماركسية مارّاً بالإعتزال فالسَلفية، والذي مِن المَهازل التي جَرَت أثناء فترة تحَوّله، أنه حين سُجن في الستينيات، كان يَجمَع رفاقه الماركسيين في مكان للصَلاة، سُمّي بـ(مَسجد الشيوعيين)! ومحمد كشك، الذي كان يَفخَر أنه إنتقل مِن طليعة العَملالشيوعي الى صَدارة الفكر الإسلامي! كل هؤلاء، إضافة لِعَبد الوهابالمَسيري الذي بدأ شيوعياً وخَتَم إسلامياً، كانوا يَساريين، لكن بَعد هُبوطأسهُم اليَسار بالشارع المَصري قفزوا في وَحل الإسلام السياسي، ويَبدو هذا جَلِياً في رؤاهم الهَجينة التي كانوا يَطرَحوها بكتاباتهم. فتارة يَدعونللديمقراطية، وتارة يُرَوّجون للخِلافة! تارة يُنادون بالنَهضة، وتارة يُنَظِّرونللسَلفية ويؤيدون الإرهاب! إما لرَغبة بَعضهم في الحِفاظ على تواجُدِه علىالساحة كمُفكر ذائِع الصيت مَع صُعود أسهُم التيار الديني، وتحقيقأحلامَه التي فَشِل بتحقيقها كماركسي! أو سَعياً لمَكاسب سياسية، عِبرتمَلّق الجَماهير الدينية، بنَزع ثوبه الإشتراكي وإرتِدائه لثوب المُسلم المُتدَيّن.

اليَسار اليمني:

قوى اليَسار في اليَمَن، التي يُفترض أنها إمتَلكَت خِبرة حُكم لعُقود في ما كان يُسَمّى باليمن الجنوبي، بدَورها لم تكن أفضَل حالاً مِن نظيراتها في باقي الدول العَرَبية، فقد تواطأت مَع الحوثيين، وتحَوّلت إلى داعِم ومُبَرّر لجَرائِمِهم تجاه دَولة اليَمن وشَعبها، وأكّدَت عِبر الكثير مِن المَواقِف السلبية، تخليها عَن قضاياها الأساسية ومَشروعها التحديثي، وإرتِمائها بأحضان مَشاريع رادِكالية، وبشَكل مُخزي. فقد إنخَرَطوا في تحالفات سياسية مَشبوهة، لمُجَرّد الرَغبة في الإنتقام مِن خُصومِهم، أو للبَحث عَن مَوطيء قَدَم في دَولة الحوثيين المُستقبلية، وبأدَواتهم. يَساريّوا اليمن، عِبر سَعيهم لإضعاف الدَولة، ساهَموا في تهيئة الظروف لقيام دولة مليشياوية مَناطقية طائفية يَقودها الحوثيون، بل وكانوا كتفاً بكتف الى جانبهم في مَعاركِهم.كما تحَوّل رُموز اليَسار إلى مُنظّرين لمَشروع الحوثي، حَتى وَجَدوا أنفسَهُم أمام ملشياته الإجرامية المُندفعة نحو مَناطق وسَط وجنوب البلاد الذي كان يُمَثّل عُمق يَسار اليمن، وعِندها إنعَقدَت ألسِنَتهُم، وعَقُمَت فلسَفتهم ونظَريّاتهم.

اليَسار اللبناني:

أما في لبنان، فقد تحالف اليَسار مَع حِزب الله، وجَعل صَحيفته (الأخبار) بوقاً له، بحُجّة أنّهما يَسعَيان لهَدف واحد، وهو نُصرة المُستضعَفين، ومُواجَهة الإستِكبار العالمي الذي يُمَثله لهُم الغرب، لأنّهُما قياداتاً وقواعد يَنظُران الى العالم مِن ثُقب عُقدِهِم المَناطقية والطائفية. فرَغم أنّ اليَساروحِزب الله يَبدُوان على طَرَفي نقيض، إلا أنّهُم يَلتقيان فِكرياً وهيكلياً أكثرمما يتوقّع البعض. فأدبيات الحِزب معتقدات دينية بصِبغة يَسارية،وهَيكليته تبدأ بأمين عام يُشبه سكرتير الحِزب الشيوعي، ثم مَكتبسياسي يُشبه اللجنة المَركزية للحزب الشيوعي. لكل مُسَمّياته، لكنالهَيكليّة واحِدة، وهي هَيكلية الفِكر الشُمولي. لذا رَغم أن الحِزب لفظَاليَسار، حين لم يَعُد رَقماً مُهِمّاً في المُعادلة، وذَهَب لحَليفه الجَديد عون، إلا أنه بَقيَ بالنسبة لأغلب اليَساريين كتنظيم يَساري يُدافِعون عَنه بوَجه مَن يُوَجِّه له النَقد، ويَتَرافََعون عَنه كالمُحامين في الإعلام والمَحافلالدولية. أغلب المُثقفين اليَساريين في لبنان يؤيدون الحِزب، ويَرفضون تحميلَه مَسؤولية تدمير البلاد. فهو بالنسبة لهُم يُقاتل عَدوّهم الكلاسيكي، لذا يَتغاضون عَن جَرائِمه وفساده، وفق رؤية شيزوفرينية مازوخية بإمتياز.

اليَسار الإيراني:

حِزب تودة، الذي كان يُمَثِّل اليَسار الإيراني إصطَف مَع الخميني ضِدالشاه، وعَبّد له الطَريق الى السُلطة، وكانت لأمينه العام رادمَنش صِلةبالخميني، فقد كانا يَلتقيان خلال وجودِهُما في العراق. بَعدَها بعُقودشاهَدتُ لِقائاً تلفزيونياً لإمبراطورة إيران السابقة، أجرَته مَعَها صَحَفيةإيرانية، كان أبواها يَساريان في حزب تودة، ساهَما في الثورة التي قامَتضِد الشاه وأوصَلت الخميني للسُلطة، ففَعَل بهم ومَعَهُم ما لم يَفعَل الشاهعُشرَه، ولا زِلت أذكر ما يُشبه إعتذار إحداهُما للأخرى عَمّا حَصَل لكِلتاهما، وبالتالي لإيران، والذي كان يُمكن تَجَنّبه لو كان الطرفان حينها أكثر حِكمة.

رَغم كل ذلك إحتاج حزب تودة 33 سنة لِيُسَجّل خيبة أمَله مِن نِظام المُلالي في بَيانه بمُناسبة الإنتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2013! وكأنه إكتشف هذا الأمر تَوّاً! مُتناسياً أنه ذات النِظام الذي قَبّل سِكرتيره الأول نور الدين كيانوري يَد مُؤسِّسه الخميني، فكانت قبلة موته هو وكوادر حزبه إعداماً وإغتيالاً وسِجناً على يَد ذات النظام! كما أشار الحِزب الى فوز قوى الظلام في الإنتخابات قاصِداً روحاني، وكأن مُنافِسه رفسنجاني بات تنويرياً! مُتناسياً أيضاً بأنه كان مِن أبرَز قادة ذلك النِظام في ذَروة بَطشِه بكوادِر حِزبه في الثمانينات. فهَل تَعَلم شيوعيو تودة أن الرِهان على العَمامة كان السَبَب في نهاية حِزبهم، التي لم يَستطِع الشاه والسافاك تحقيقها، فحَقّقتها العَمامة التي شارَكتهم زاد ومِلح سُجون الشاه ومُعتقلاته.

مِحنة اليَسار عُموماً:

قد لا نُبالغ إذا قلنا أن ما أشَرنا إليه في هذا المَقال، هو غَيض مِن فَيضإشكالية تعيشها أغلب قوى اليَسار حَول العالم. فَقِلة مِنها نَضجَت بَعد أنتعَلّمَت مِن تجاربها، وباتت تُمَيّز عَدُوّها مِن صَديقها. فهذه المَواقف المُخزيةلليَسار ليسَت حَكراً على دُوَلها الأم، بل تجاوَزَتها لجالياتها في الخارج،التي يُشاركها يَسار الغَرب إنبطاحَها أمام قوى الإسلام السياسي التيبَدَأت تنخُر مُجتمَعاتها، مُستغِلة الهامِش المُبالغ فيه للحُرّيات الأساسيةوإحترام حقوق الإنسان، ومُشاركتها لفعالياتها وتظاهُراتها التي تهدُفلزَعزعة وتقويض ديمقراطياتها، التي سَمَحَت لها بالعَمل السياسي، مِن بابعَفى الله عَمّا سَلَف، ولم تُحاسِبها على عُقود العَمالة والتآمر مَع المُعسكرالإشتراكي. فكثير مِن قياداتها التي كانت تأخذ التوجيه مِن الإتحادالسوفيتي لتُسقِط أنظِمتها الليبرالية، وجَعلها تابعة للإتحاد السوفيتي، باتَتزَعامات سياسية في دول الغَرب بَعد تغيير أسماء أحزابها الى أسماءتُماشي مَرحَلة ما بَعد الحَرب الباردة.

عَدوى هذا العَوَق الفِكري إمتدّت لتشمل مُفكري اليَسار الغربي. فالمُفكراليَساري الفرنسي فرانسوا بورغا، مُؤلف كتاب الإسلام السياسي صَوتالجَنوبمَفتون بقوى الإسلام السياسي، ويَعتبرها مُمَثِّلة للشُعوب العَربية الإسلامية، وتُعَبّر عَن تَطَلّعاتها! أما عضو حِزب العمّال البريطاني المُفكرالماركسي كرِس هَرمان مؤلف كتابالنبي والبروليتاريا، فقد نفى صِفة الرَجعية عَن الإسلام السياسي، داعِياً اليَساريين للتحالف مَرحَلياً مَعالإسلاميين، وذَهَب بهَلوَساته  الى حَد وَصف الإرهابيين الذين أشاعوا الإرهاب ورَفَعوا السِلاح بوَجه الدَولة، في التسعينات، في مصر،بالمُناضلين،داعِياً لِعَدَم الوقوف مَع الدَولة لِدَرء خَطَر الإسلاميين، وعَدَم إستِنزاف طاقةاليَسار وقواه التقدمية في مُهاجَمتِهِم وتشويهَهُم بحُجة نَشر القِيَمالتنويرية! كونه يَرى بأن الحَركة الإسلامية هي نِتاج لأزمة إجتماعية، لذا يُمكن إستِقطاب الشباب الإسلامي نحو الأفكار التقدّمية لإعتِناق رُؤيةإشتِراكية ثورية! لكن عَماه الآديولوجي مَنَعَه عَن رؤية أن ما يَحدُث في الواقع هو العَكس تماماً.

الخلاصة:

ما الذي جَعَل اليَساريين أداةً للإسلاميين ومِطية لمَشاريعَهم الظلامية التي تتعارَض مَع تقدميّتهم وحَداثويّتهم التي يَدّعون؟

رُبما أولاً لأنهما مُتشابِهان، وشَبيه الشَيء مُنجَذِب إليه. لذا تغيير اليَسارلجِلده ليُماشي التيار ليسَ صَعباً. فهُما يَمتلِكان ذات المُؤهلات في السَعيلإشاعة الفوضى، ويَتبَعان ذات الأساليب في النِفاق وخِداع الناسوإستغفالهم للإتجار بمُعاناتهم، ويَحمِلان ذات العَقلية الشُمولية التيتدفَعَهُم لتنصيب أنفُسِهم كأوصياء على البَشَر أو مُحامين عَن الله.

ثانياً الخَيبات المُتتالية التي مُنيَ بها اليَسار العَربي عُموماً والعِراقي تَحديداً، على مَدى عُقود، والتي دَفعَته لقَبول أي شَيء، وإن كان مُهيناً، والتَحالف مَع أي كان، وإن كان الشيطان نفسه، للحُصول على مَوطيء قدَم في سُلطة، بَقِيَت غَصّة في حَلقه، وَصَلت إليها أحزاب ظَهَرَت بَعده، لم تكن لديها رُبع جَماهيريّته. فقد عَجِز عَن فرض نفسِه كقوة مُؤثرة في المُجتمَع العَربي، ليَجد نَفسَه مُهَمّشاً في الساحة التي حاوَل مَلأها لعُقود دون جَدوى بسَبب تبعيّته للإتحاد السوفيتي. لذا قرّر التَزَلّف للإسلام السياسي، مُتنازلاً عَن هَويته ومَبادئه.

ثالثاً مَفاهيم اليَسار الغريبة على مُجتمَعِنا، وطَرحِه شعارات قد تُبهِروتَجذُب أفراداً يُعانون مِن عُقد طبقية، أو شَباب مُندفع يَميل للفوضىوالعَبَث يَرفَعها في تظاهُراته، لكنها لا تقنِع مُجتمَعاً له خصوصِية،بالتالي لا تُعَمِّر دُوَل. لذا بَقِيَت شِعارات يَلوكَها اليَساريون ظاهرياً في نِقاشاتِهم، دون أن تُغَيّر أسُس المُجتمَع المُتكَلس على ما نَشَأ عليه مِن إرث مُتخَم بتقاليد بالية، وتشريعات دينية مَبنِيّة على تفاسير، إما أكَل عليها الدَهر وشَرِب مُنذ قرون، أو رَوِّج لها مِن قِبل طبقة رجال دين طفَيليّون يَعتاشون على ما تُشيعه مِن جَهل بَين الناس ليَستمِروا بإستِغلالهم.

رابعاً الإنتقام والتشَفّي الذي يُغذيه عَدائَهم الآديولوجي لقوى السُلطة، لأنها نجَحَت بما فشِلوا فيه، لذا يَدعَمون الإسلاميين لإسقاطها، مِن مَنظور عَدو عَدوّي صَديقي!

بالنتيجة هُم يُكرّرون جَرائِم الأمس بحَق أوطانِهِم، بغَباء آديولوجي مُنقطعالنظير، ويُساهِمون في تقويض أسُسِها بفتاوى وإرهاب الأخوان وإيران،كما فَعَلوا في السابق ولكن بمِعوَل ومِنجَل الإتحاد السوفيتي، لِبَدأ عَهد ظلامي جَديد على أسُس إسلامية طائفية، سَيكونون هُم أول ضَحاياه. عَهد مُشوّه يُلغي كلّ ما سَبَقه مِن تأريخ، ليَبدأ تأريخاً جَديداً، يُرَسِّخ ثقافة عُقد النَقص التي زُرِعَت في عُقول الإسلاميين وكثير مِن اليَساريين ويُريدون تَسويقها لأجيال قادِمة، مَفادها أن قبل هذا التأريخ كان في العراق ولبنان واليَمَن مَظلومية وإستِغلال وتمييز لمُكوّناتهم المَناطقية والطائفية، وكانوا مُستَضعَفين ومَحرومين مِن أبسَط حقوقهم، وغيرها من الأكاذيب. وإذاإستَمَر اليَسار على هذا المِنوال، أي بوَضع بَيضَه كله، أو حَتى بَعضه، في شَدّة العَمامة، فإنّ القوى الدينية التي إستَعذَب التحالف مَعَها سَتبتلِعه،ليُصبح مُجَرّد هامِش تابع، سَيَذكره التأريخ بإحتِقار في أسوَء صَفحاتهبإسم اليَسار الإسلاموي المُرتهِن للعمامة!

[email protected]

أحدث المقالات