مرة أخرى اكتب عن ظاهرة التسول لأنها مشكلة اجتماعية آخذة بالازدياد مع انتشار حالات البطالة والفقر والتشرد والنزوح , وما يلفت الانتباه في هذه الظاهرة دخول العديد من الأطفال والنساء المبرقعات أثناء ممارسة المهنة,تحول التسول إلى مهنة تدر على أصحابها أموالا طائلة. هناك مناطق مكتظة بالسيارات (ترفك لايت) أصبحت محميات تابعة لذلك وتلك المتسولة , ولا يحق لغيره التواجد فيها .ولم تبقى منطقة في البصرة إلا وغزاها المتسولون , ووصلت الحالة إلى دخولهم المستشفيات العامة وعيادات الاطباء الخاصة ,إضافة إلى صناعية حمدان والجمهورية وخمسة ميل والجنابي ..وجميع كراجات نقل الركاب وخاصة الكراج العام في ساحة سعد .
من الناحية الشرعية:- تحرم هذه الممارسة المذلة التي تحط من قيمة الإنسان , فبينهم وبين المتعفف بونا شاسعا يستشعره كل إنسان , فهم لا كرامة لهم , يقبلون الاهانة , مما يؤهلهم لحالة نفسية متدنية تقبل بأي الأعمال مقابل ثمن بخس, يتملقون بأقوال لها قدسية في قلوب الناس لاستدرار مبلغا معينا يحصل عليه دون عمل ولا عناء … هذه الطبقة خطيرة جدا لو استفحلت, وهي مستفحلة بلا شك بسبب الصمت الحكومي , وخطورتها إنها مستعدة لنشر الفحشاء وكل ما يؤذي الناس .. يقول أمير المؤمنين علي(ع) :” أكرم نفسك كل دنية , وان ساقتك إلى رغبة فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا, ولا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا”..
وللائمة أقوال كثيرة تذم هؤلاء الأغنياء المتسولين يقول الإمام الهادي(ع) :”من هانت عليه نفسه فلا تامن شره” . فكثيرا ما نسمع أخبارا في الصحف والمجلات العربية عن متسول يمتلك الملايين جراء التسول والتظاهر أمام الناس بأنه صاحب عاهة مستديمة وكثيرا ما يستوقفنا منظر طفل يبكي يستدر عطفنا في تقديم ما يسد به جوعه ورمقه. والآن تحولت الطرق وتعددت الأساليب , فهم في مقدمات أعمالهم ينتزعون الخجل من نفوسهم ويتطبعون من خلال المهنة على الذل والاهانة ..
واستحدثت مهن تسول جديدة عند الااطفال وهي مقدمة للانحراف , طفل يمسك قنية رش وماسحة زجاج يمسح زجاج السيارات دون استئذان صاحبها مقابل مبلغ معين , هذه شلة خطيرة لو تطورت بعد اشتداد عودهم وقوة عضلاتهم مستقبلا …
وهناك ظاهرة أخرى أن ترى في وسط الشارع في الثلاثين من عمرها امراة تحمل طفلا رضيعا تستخدمه كأدوات عمل , لطلب مساعدة المارة وقد عرفنا إنها تستأجر الطفل من جارة لها تعمل في وقت آخر بنفس الطفل .( يعني الطفل يبقى في الشارع وجبتي العمل) وبعد أن ترددنا عليها أكثر من مرة تحدثت إلينا قائلة: أنا قادمة من محافظة بعيدة وأقيم هنا مع عمي الذي يأخذ مني 3 ثلاثة آلاف دينار يوميا لقاء إقامتي وطعامي في بيته, وأنا لا أخاف من تحرش الآخرين لان زوجة أخي تقف على مقربة مني وتتدخل عند الضرورة، وعن المبلغ الذي تدفعه لآهل الطفل رفضت الإفصاح عن ذلك وطلبت منا الابتعاد عنها لتتمكن من التقاط رزقها . ولما سألناها عن سبب وجود زوجة أخيها إلى جانب الشارع وعدم المشاركة في العمل , قالت هذه لا تتسول ( لها شغل أخر) .
الآن ظاهرة تسول النساء والرجال في العراق مهنة احترافية , انتشرت وتوسعت بسبب نزوح المحافظات الغربية والموصل والجنوبية إلى محافظة البصرة , الآن البصرة متصدرة المدن العراقية بعدد المتسولين بلا منازع , لعل سكوت الشرطة والسلطة المحلية والمحافظة عن الظاهرة هي السبب الذي دعا المتسولات الاتصال بأقربائهن من المحافظات الأخرى القدوم والعمل في البصرة لأنها مدينة غنية قياسا بغيرها , فهي تنتج نفطا بكميات تجارية تزود ميزانية الدولة بحدود 85 % , وأهلها طيبون يقدمون أموالا مغرية جدا للتسول التجاري , وأخيرا لا يوجد مسؤول يكلف نفسه بمحاربة ظاهرة التسول التجاري ..