لم يكن العراق ذلك البلد المستقر على مدى السنين او يحق القول منذ الاف السنين فهو البلد الذي تعرض لعشرات الغزوات والانتكاسات والحصارات والحروب ويمر شعبه بأزمات نفسية وإقتصادية على مر السنين بسبب مايمر به من أنتكاسات.
ولعل من أهم الأزمات التي مر بها الشعب العراقي في العصر الحديث او في القرن الماضي هي الثورات المتتالية وتغيير الحكومات والحرب العراقية الايرانية الطاحنة التي حصدت جيل بأكمله وذهب ضحيتها خيرة شباب العراق أبان الثمانينيات من القرن الماضي ثم جائت سنين الحصار والعوز المادي بداية التسعينيات والتي استمرت لمدة 13 عاما وهي أكثر تأثيرا نفسيا في المجتمع حينما لايستطيع الأب توفير قوت أولاده أو يكون الشباب من الاباء والابناء والاخوة والازواج أما ضحايا وأداة لأستمرار الحروب أو العمل الطويل من أجل توفير ماتحتاجه العائلة والذي لايأتي بيسر.. ومرت على هذا البلد سنين عجاف لايمكن تحملها سوى الشعب العراقي الذي تعود التجلد دائما ولم يكن شعب يشبهه بالتحمل وطول الصبر أي شعب بشهادة الجميع.
ولكن لم تنقل لنا الأخبار ان هناك رجلا او امرأة أقدمت على الأنتحار وهي الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا الذي تمتع بشيء يسير من الحرية والانفتاح والاكتفاء المادي والاستقرار لتتناقل لنا الاخبار ومواقع التواصل الأجتماعي يوميا أخبار حالات إنتحار من قبل شباب مراهقين أكثرهم لايتحملون مسؤولية أو معيل لعائلة وآخرين غير متزوجين والبعض منهم لم يكمل سنته العشرين من العمر لم تكن هذه الظاهرة موجودة على طيلة سنين القهر والعوز والجوع والحصار ولكننا نجدها تنتشر في سنين التنعم والخلاص من الجوع والحصار والعوز المادي وفي عصر الحرية والانترنت ليتفنن شبابنا بحالات الإنتحار بعضهم بإطلاق النار على نفسه أو رمي نفسه من الجسور الى الأنهر العميقة وغيرها من المبتكرات الانتحارية التي تساعد الشباب على الخلاص من النفس والروح بدم بارد ومع سبق الإصرار والترصد هذه الروح التي كرمها الله وجعلها بأسمى ماتكون.
ففي محافظة بابل مثلا أقدم ستة شباب على الانتحار خلال شهر واحد فيما أنقذت الشرطة أكثر من شخص حاول الانتحار بأساليب مختلفة وكان إقدامهم على الانتحار لأسباب مختلفة منها المشاكل العائلية والضغط النفسي والعوز المادي وعدم الحصول على فرصة عمل والحرمان من عدد من الحقوق.. ووصل الحال ان عدد من الشباب قاموا بتصوير أنفسهم قبل الأنتحار ولم يذكر الكثير منهم أي سبب دفعه الى إرتكاب هذه الجريمة بقتل نفسه فقد ققال تعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم “مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” (المائدة، الآية: 32).). ولربما الحالة النفسية والتعقيد في حياة الشاب المنتحر هي اولى الاسباب التي تؤدي بالشاب الى الانتحار وعلى المعنيين والقائمين على مسألة كهذه أن يقيموا حملات توعية عن هذه الآفة التي تزهق الارواح وتفتك بشبابنا الذي ينتمي الى البلد المسلم الأكثر تحملا وصبرا في العالم وعلى المعنيين بالأمر أن يقفوا طويلا عند هذه الظاهرة وإستهداف طلبة الجامعات العراقية والخريجين بأن يكونوا أكثر وعيا وحبا للحياة وان تضع الحكومة الحلول الناجعة لمثل هذه المشاكل المعقدة من خلال توفير فرص عمل للشباب والعناية بهم وتوفير العيش الكريم لهم وعدم تعرضهم للازمات النفسية كما يجب ان تدعوا الآباء الإهتمام بشريحة الشباب وعدم الضغط عليهم خاصة من الآباء الذين يعاملون أبناءهم معاملة سيئة من خلال تربيتهم على نمط التربية التي تربوا عليها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
ظاهرة تستحق أن نقف عندها طويلا وهي ظاهرة الأنتحار في بلد تنعم بالحرية في بلد يعد من أغني البلدان نفطا وثقافة وتاريخا في بلدا مسلما تعود على الازمات والحروب والحصارات دون ان يذكر لنا التاريخ حالات انتحار سابقة.