ظاهرة ارتفاع أسعار بورصة بطاقة الناخب في الانتخابات البرلمانية العراقية؟

ظاهرة ارتفاع أسعار بورصة بطاقة الناخب في الانتخابات البرلمانية العراقية؟

على الجميع اليوم تحمل مسؤولية وطنية وأخلاقية في فضح ممارسات الأحزاب السياسية والتي تستغل الإسلام والطائفة والمذهب كغطاء لتحقيق مآربها الانتخابية. هذه الأحزاب وكما فعلت في السابق , تُعدّ الآن خططًا مدروسة لتوظيف المال السياسي وموارد الدولة للترويج لمرشحيها وقوائمها الانتخابية، في محاولة لتكريس الفساد وخداع الناخبين. لذا هناك واجب أخلاقي ووطني على الجميع ، بكل شفافية ونزاهة وكفاءة ، بكشف نقاط الفساد ووضعها أمام الرأي العام لفضح هذه الممارسات المخيبة للآمال. والأهم من ذلك، توعية الناخب بأهمية اختيار صوته الانتخابي بعناية لمن يستحق، ولدعم المرشحين الذين يمتلكون القدرة والنزاهة والكفاءة لتحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. وكذلك التنبيه بانه ينبغي على الناخب، حتى في ظل الحاجة الماسة والملحة للمال، أن يرفض بيع بطاقته الانتخابية، لأن هذا الفعل ليس فقط غير قانوني، بل هو انتهاك صارخ للأخلاق والمسؤولية الوطنية وحتى عقيدته الدينية.

وفي مشهد يثير الغثيان ويدمي القلب، تتكشف لنا في العراق ظاهرة بيع بطاقات الناخب، تلك الجريمة الأخلاقية التي تنسف أسس الديمقراطية وتحول إرادة الشعب إلى سلعة رخيصة تُباع وتُشترى في سوق سوداء للأصوات. مؤخرا ومن خلال البرامج الحوارية في مختلف الفضائيات العراقية الاخبارية التي تتناول في برامجها الحوارية الانتخابات البرلمانية القادمة يؤكد معظمهم بأن أسعار بطاقات الناخب وصلت إلى 150 دولارًا ومع توقعات بارتفاعها إلى 500 دولار خلال الأسابيع القادمة والتي قد تبلغ ذروة اسعارها وقبل أيام من موعد الانتخابات البرلمانية المقررة 11 نوفمبر 2025، الى مبالغ خيالية تفوق أسعار شرائها في الانتخابات السابقة وحتى قد تتجاوزها , أنها ليست مجرد أرقام ، بل هي وصمة فساد صارخة على جبين النظام الانتخابي والسياسي العراقي، ودليل ساطع لا لبس فيه على ما وصل إليه انحطاط القيم والمثل وتفشي الفساد المالي الانتخابي.

إن هذه الظاهرة المدانة ليست مجرد فعل غير قانوني، بل هي خيانة لكل مواطن عراقي يحلم بمستقبل أفضل. بيع بطاقة الناخب ليس سوى صفقة شيطانية يقايض فيها المواطن صوته، الذي هو أمانة ومسؤولية، ليُسلم مصيره ومصير بلده إلى تجار السياسة. هؤلاء الذين يشترون الأصوات ليسوا سوى مافيا احزاب منظمة تستغل عوز و فقر الناس وحاجتهم، لتضمن مقاعد برلمانية تمنحهم حصانة تحولهم إلى أباطرة الفساد، ينهبون ثروات العراق تحت غطاء القانون والحصانة البرلمانية التي تمنح لهم .

 نواب البرلمان الذين يفترض أن يكونوا ممثلي الشعب وصوت المظلومين، يتحولون إلى تجار أصوات يدفعون مئات الدولارات لشراء كراسيهم. هؤلاء ليس هدفهم خدمة المواطن، بل الإثراء غير المشروع، مستغلين الحصانة البرلمانية كدرع يحميهم من المساءلة. أي ديمقراطية هذه التي تبنى على صفقات مشبوهة؟ وأي شرعية لبرلمان يتشكل من نواب اشتروا مقاعدهم بدماء آمال الشعب وفقره؟

إن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد لوثت انتخابات سابقة كما في 2014 و 2018، حيث تراوحت أسعار بطاقات الناخب بين 150 ووصلت في ذروتها الى 1500 دولار . حتى المرجعية الدينية، ممثلة بالسيد علي السيستاني، اضطرت في حينها لإصدار فتوى دينية ملزمة تحرم هذه الممارسة عام 2014 ، لكن يبدو أن ضمائر البعض قد ماتت، وأن جشعهم للسلطة والمال قد تجاوز كل الحدود الأخلاقية والدينية ونرى تصعيدًا في هذا العبث السياسي، حيث يتحول المواطن الناخب إلى سلعة في مزاد علني، والبرلمان إلى سوق لتجارة الحصانات من المسائلة القانونية لهم .

إن هذا الفساد الانتخابي يهدد أسس الديمقراطية ويرسخ انعدام الثقة بالنظام السياسي. فكيف يمكن لمواطن أن يثق ببرلمان يتشكل من نواب اشتروا مقاعدهم؟ وكيف يمكن لنائب دفع مئات من الدولارات لكل صوت أن يخدم الشعب بصدق، بينما هو مدين لجيوبه الخاصة ولمن سانده في هذا المزاد ؟ إن هؤلاء النواب لن يكونوا سوى أدوات لتكريس نفوذ الفساد، يستغلون مناصبهم لتعويض ما أنفقوا ولجمع المزيد من الثروات غير المشروعة، بينما يعاني المواطن العراقي من الفقر وانعدام الخدمات.

والأشد إيلامًا هو صمت الجهات المسؤولة وتخاذلها عن مواجهة هذه الظاهرة. أين المفوضية العليا المستقلة للانتخابات؟ أين القضاء؟ أين الإجراءات الحازمة لمحاسبة من يشترون الأصوات ومن يبيعونها؟ إن غياب المحاسبة يشجع على استمرار هذا العبث، ويجعل من الانتخابات مسرحية هزلية لا تعبر عن إرادة الشعب، بل عن جشع قلة من المتنفذين.

إن هذه الظاهرة ليست مجرد انتهاك قانوني، بل هي طعنة في قلب الديمقراطية العراقية. إنها خيانة لتضحيات ملايين العراقيين الذين يحلمون بوطن يحترم إرادتهم. إن بيع بطاقة الناخب هو بيع للضمير، وبيع لمستقبل الأجيال، وبيع للأمل في عراق أفضل. وعلى المواطن العراقي أن يدرك أن صوته ليس سلعة، بل سلاح للتغيير. وعلى الأحزاب والمسؤولين أن يتحملوا مسؤوليتهم الأخلاقية والقانونية لوقف هذا العبث، وإلا فإن البرلمان القادم لن يكون سوى نادٍ لتجار الحصانة، يعبثون بمصير العراق وثرواته.

هذه الممارسة تشكل تهديدًا حقيقيا لنزاهة العملية الانتخابية، حيث تعكس بصورة واضحة طرق احتيالية وعمليات نصب واسعة النطاق باستخدام المال السياسي للتأثير على النتائج، مما يعزز انعدام الثقة بالنظام السياسي، خاصة مع نسبة المشاركة المنخفضة (41% في انتخابات 2021) والتي كانت بمشاركة فعالة ومؤثرة من قبل التيار الصدري في حينها والذي حصل على 73 مقعدآ , ولكن اليوم ومع الانسحاب التيار الوطني الشيعي الصدري من هذه الانتخابات القادمة فما هو المتوقع من نسبة المشاركة الحقيقية والتي يتوقع ألا تصل بأحسن الأحوال الى 30 % او حتى اقل.

لذا فإن ظاهرة بيع بطاقات الناخب هي وصمة فساد واضح وصريح ستبقى و تطبع على جبين العملية السياسية في العراق. إنها ليست مجرد جريمة، بل هي انتحار للديمقراطية وخيانة للشعب. فلنقل لا لهذا الفساد، ولنحافظ على صوتنا كأمانة ومسؤولية، لا كسلعة تُباع في سوق النخاسة السياسية. إن العراق يستحق برلمانًا يمثل إرادة شعبه، لا جشع احزاب الاسلام السياسي وتجارة مرشحيهم .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات