شيعية كانت أو سُنية، عَربية كانت أو إيرانية أو تركية، تبقى طيور حَركات الإسلام السياسي الظلامية هيَ نفسَها مَهما حاوَلت تجميل صورتها القبيحة. فالمالكي ومُرسي وهنيّة وأردوغان والغنوشي ونَجّاد هُم كلهُم أوجه مُتعدِّدة في الظاهِر لعُملة صَدأة واحِدة، وهُم على إختلاف مَنابتِهم القومية وطوائفهم الدينية يُمَثلون نَموذجاً لكاريزما الزَعيم في الحَركات الدينية والإسلامية بالعَصر الحَديث. أشخاص بوجوه مَلامِحُها قاسِية قلِقة تتكلف الظُهور بمَظهر الوَداعة، تُخفي خلفها نفوساً مُعقدة مُرَكبة مَليئة بأمراض أجتماعية وطائفية، يُدينون بالوَلاء لأحزاب إنتشَلتهُم مِن ماضي مَجهول ودَفعَت بهِم لواجِهة الأحداث، وباتوا مُستعدين لفِعل أي شيء في سَبيل تحقيق أهدافها وأهدافِهم الخاصّة، ومالكي العِراق خَير مِثال على ذلك.
أنّهُا طيور ظلام تُخيّم أشباحُها اليَوم على رُؤوس شُعوب الشرق الأوسط، وتَحجُب ظِلالها أي بَصيص مِن النور لشَمس حُرّية أو كرامة أو سَلام. وبما أن الطيور على أشكالِها تقع، نَراها حَريصة على إبقاء عِلاقات ودّية سِتراتيجية فيما بَينها، وهيَ سِريّة أحياناً، لتضمَن إستِمرارهِا بالسُلطة التي جائتها على طَبَق مِن ذهَب في غفلة مِن زمَن إمتزجت فيه إرادة أجهزة المُخابرات الغربية بسَذاجَة الشُعوب العَربية لتُفرز لنا هذه الانظِمة البائِسة. فالمالكي ومُرسي وهَنيّة وأردوغان والغنّوشي ونَجّاد وإن إختلفوا ظاهِراً، فهُم مِن طينة واحِدة ونِتاج بيئات إجتماعية مُتشابهة وخِرّيجي مَدارس إسلام سياسي مَوبوءة بأفكار دينية طائفية رادكالية مُتطرفة، وإن حاوَلت الإدِعاء بالأنفتاح والتمَدّن، كما في تركيا وتونِس ومَصر.
لو رَكزنا على هؤلاء الظلاميين وأمعّنا النظر قليلا، لوَجدنا أوجُه شبَه كثيرة وكبيرة فيما بَينهم، سَواء في سَحنات وجوهِهم وهِندامِهم أو في تصَرّفاتهم ومُمارَساتهم. فقد تَخلّوا جَميعا عَن لِحاهُم الطويلة الكثة الغَير مُشَذبة، وزَي المَشايخ الذي تقنعّوا به في سَنوات التبشير وتوظيف الأموال السابقة، والتي كوّنَت لهُم قاعِدة شَعبية ومادية تُعينهم على تنفيذ مُخطّطاتِهم. فأغلبُهم اليوم بلِحى خفيفة وبَدلات حَديثة وأربطة عُنق، كانوا حَتى الأمس القريب يَتجَنبون إرتدائها لأنها تشبه الصَليب! وجَميعُهم تمَسكنوا ليَتمَكنوا مِن سَرقة السُلطة، مُستغلين فقرَ الشعوب وانحِدار وَعيها الجَمعي، بالترويج لأفكار الخَلاص الغيبيّة الدينيّة مِن جهة، وضَخ أموال السُحت الحَرام الدنيَويّة مِن جهة أخرى، ما مَكنهم في العَقدَين الاخيرَين مِن غَسل عُقولها وتوجيهَها لإنتخابهم في زمَن الديمقراطية الذي تنبأوا بقدومِه وأعَدّوا له العُدّة بتَحالفات سِرّية مَشبوهة مَع دول الغرب وأجهزة مُخابَراتها التي كانَت عِلاقتهم مَعَها حَتى الأمس القريب كعِلاقة القِط والفأر، فهُم كانوا يُناصِبونَها العَداء وصَفتها أدَبيّاتهم بالكافِرة، وهي بدَورها كانَت تلاحِقهُم مِن جُحر لآخَر وتصفهم بالإرهابيين، فإذا بها قبل أشهُر قليلة تدعَم تحَرّكاتهم المَشبوهة التي سُمِّيَت بالرَبيع العَربي، وتصِف قواعِدَهُم المُغيّبة والمُسَيّرة مُغناطيسياً بالثوار،وتُسَمّي مُرتزقة مِليشياتِهم مِن ألإنتِحاريين وقاطعي الرؤوس في ليبيا وسوريا بالمُقاتلين الأحرار! وبَين يَوم وليلة باتَ أردوغان والمالكي ومُرسي والغَنّوشي إسلامِيّون مُعتدِلون، والكلام لهيلاري كلنتون! ويَصلحون أن يَكونوا حُلفائاً للغرب، وهؤلاء بدَورهم يُحاولون أن يَتصَرّفوا بطريقة تُظهِر للغرب حِرصَهم على الديمُقراطيّة وحُقوق الأنسان، بدَليل تحَرّكات أردوغان في المَلف السوري، وجهود التَهدِئة التي قام بها مُرسي بأحداث غزة، إضافة لمُحاوَلات الظهور كرَجُل دَولة والمَساعي التي يَقوم بها المالكي بَين الحين والآخَر للتَخفيف مِن حِدّة التوَتّر المُفتعل بَين أمريكا وإيران.
إن أبرز ما يُمَيّز هذه الطيور الظلامية السَوداءهو ميكافيليتها البَشِعة، فهي تُمارس مَبدأ الغاية تبَرّرالوَسيلة كما لم يُمارسه ميكافيلي نفسه، فما أن تستولي عَلى السُلطة حَتى تبدأ بتنفيذ مُخطّطاتها مَرة بالترغيب ومَرة بالترهيب،مَرة بالخَديعة والنِفاق ومَرة بالتهديد والقوة. مِثالنا الصارخ عَلى ذلك مالكي العراق ورَقصِه عَلى الحِبال بَين وَليّة نِعمَته السابقة ايران ووَليّة نِعمَته الحالية أمريكا، وإنقلابه على العَمَلية السياسية بَعد خَسارة الأنتخابات السابقة، وأساليبه المُلتوية للإحتفاظ بالسُلطة وخِداعه للقائمة العراقية، وتهديده لأقليم كردِستان، ومُحاولاتِه للسَيطرة على مُؤسّسات الدولة المُهمّة والحَسّاسة، وأمثِلة أخرى كثيرة. مِنها الخُميني وإنقلابه على حُلفائِه، وتصفيَتهم بأبشَع الأساليب بَعد إسقاط الشاه. ونَجّاد وقلبه ظَهر المَجَن لحُلفائِه الإسلاميين الذين تمتليء بهم سجون إيران حالياً. كذلك الغنوشي الذي تمَسكن أثناء كتابة الدستور والأنتخابات، ليُكشِّر اليوم عَن أنيابه. أخيراً مُرسي الذي كان وَجهَه يَنضَح بعُقدِه مُنذ ترَشّحَه للإنتِخابات، ورَغم ذلك تمَكن مِن خِداع أغلب اليَساريين والليبراليين الذين أعطوه أصواتهُم بأسم الثورة وشِعاراتِها، فإذا به يُفاجأ سَذاجَتهُم بفرَمانه الذي نصّبَه حاكِماً بأمر الله بصَلاحِيات واسِعة على حِساب مُؤسّسات الدولة القضائِية والتشريعية، والذي نجَح بتمريره مَعَ الدستور مَدعوماً بالأخوان وقواعِدِهم رَغم التظاهُرات التي تعُم مَصر مُطالبة بإلغاءِه، والتي تقودُها حَرَكات يَسارية وليبرالية ونقابات مِهنية تحضى بتأييد ودَعِم السُلطة القضائِيّة.
هكذا هيَ طيور الإسلام السِياسي الظَلامِيّة، وهذا هو غَيض مِن فَيضِ حَقيقتُها البَشِعة التي يُحاول البَعض إنكارَها وعَدَم رُؤيَتها لأسباب مُختلفة، وهاهيَ تحكم اليوم العالم العَربي والإسلامي في سابقة تأريخيّة غَيرُ مَنطقيّة وغَيرُ عَقلانيّة، لأنّها تمَثل عَودة الى الخَلف والى عُصور مُظلِمة غادَرَتها البَشَرية مُنذ قرون، فيما إختارَت الشُعوب العَربية والإسلاميّة العَودة اليها والعَيشَ فيها، لتثبتَ للعالم وبما لا يَقبَل الشَك أنّها شُعوب تَعيش خارج التأريخ وتتحَرّك بالعَكس مِنه.