يوما بعد يوم تتكشف لنا حقيقة من تربع على كرسي الحكم طيلة ثماني سنوات ، لم يكن يتصورها أي انسان حتى في خياله او أحلامه ، فما بالكم برجل كان جل امنياته ان يصبح ” مديرا في وزارة التربية” ليس الا ، ولعل القدر المشؤوم منحه اكثر من هذه الأمنية ليتسيد على مقدرات بلد ثري تطفو تحت اقدام ابنائه انهارٌ من الثروات النفطية ، حتى كدنا نخشى على هذه الأرض التي نقف عليها ان تبصق يوماً على ملابسنا ونحن نقف لنؤدي تحية العلم يوم الخميس في باحات المدرسة لشدة ضربنا عليها في حالة الاستعداد .
الحجي أبو اسراء الذي احب هذه التسمية المتواضعة من السِنةِ اصدقائه ومريديه لم يكن يرغب ان يمد يده على بيت مال العراقيين لطهارته وعفته ، فقبل هدية الجارة ايران التي تتباكى كل يوم على حال العراقيين وفقرهم وبؤسهم فأغدقت بكرمها المعهود على رئيس وزرائنا بطائرة كانت محتفظة بها مع عدد اخر من الطائرات المدنية والعسكرية عندما كان العدوان الأطلسي البربري يلقي بحمم نيرانه على رؤوس العراقيين ، فتمسك العجم بها عنوة وخيانة ، لقد اهدوه بما لا يجودون به ، فتوهم بهم لأنه لا يفرق بين الخائن ومن يخون الأمانة ومن يقبل هدية الخائن .
انتفش ريش رئيس وزرائنا السابق وهو يتبختر امام حاشيته وزبانيته وطاقم طائرته وهو يطبطب بدن الطائرة خشية ان يجد نفسه مغشوشا بهدية اسياده ، ربما تكون الطائرة قد تعرضت قبل الاهداء لحادثة اصطدام نتيجة تعمد قائدها عدم احترام إشارة المرور في الجو ، او ربما يكون مخمورا ذات يوم او غلب عليه النعاس في اثناء إيصال الهدية فصعد بها احد الأرصفة او نزل بها في احد منهولات امانة بغداد التي ملأتها مياه الامطار نتيجة صخرة ” حجي عبعوب ” أو ان حمودي أراد ان يشاطر والده في التبختر فانسل في غفلة واخذ ” سويج الطائرة ” فقاد الطائرة بسرعة جنونية في شوارع بغداد الحبيبة عله يجد اصدقاءه فيستقلهم في طائرة الوالد قبل ان يدشنها في أولى رحلاته .
يبدو ان مختار العصر حرم الحلال وحلل الحرام ، فلم يعد يفرق بين المال العام والمال الخاص لان خراجه واحد ويعود بالفائدة له فقط ، لو كان صاحبنا يملك طائرة ورقية في صغره لفرق بين ما هو له او لغيره ، والدليل اننا في صغرنا كنا نستمتع برؤية طائراتنا الورقية التي نصنعها بأيدينا وهي تحلق في السماء بواسطة ” البكرة والخيط ” وكانت متعتنا تزداد عندما تهب الرياح فيصعب على الخيط تحمل الرياح فينقطع الخيط وتهوي الطائرة وتذهب في احياء أخرى داخل مدينتا فنجري مسرعين نراقب هبوطها رغم بعد المسافة ، لكننا في نهاية المطاف نجد أولاد الحلال قد التقطوها وينتظرون صاحبها يأتي فيسلمونها له بفرح وسرور لعلمهم ان جاءت من احياء أخرى وليس من حقهم الاحتفاظ بها لأمانتهم ومروءتهم وشهامتهم .
مشكلة رئيس وزرائنا السابق هي في طريقة تفكيره وجهله برتوكولات العمل الدبلوماسي ، لان حاشيته وبطانته لم يخبروه ان قبول الهدية لمن في منصبه تعني الكثير ، وان عليه ان برفض قبولها لاعتبارات جوهرية تتعلق بالخيانة او العمالة ، ولو كانوا حريصين عليه لمنعوه ان يقبلها ، ولكن هذا هو واقع الحال له ولمستشاريه ، فأشاروا عليه ان يسجلها باسمه عن طريق ابنه حمودي في احد معارض البياع او النهضة ، متناسيا ان هذه المعارض لا تتعامل ببيع الطائرات وانما بالسيارات فقط ، فانكشف المستور .