السياسي في جميع دول العالم هو ذلك الشخص رجلاً كان أم إمرأة الذي يؤمن بايديولوجية معينة
ويعمل من أجل تحقيق أهدافها ويدخل معترك العمل السياسي ويخوض غماره الشائكة ويتحمل الصعوبات والمخاطر ويناضل ويضحي بالغالي والنفيس من اجل تحقيق المباديء التي آمن بها, وعندما يفكر بخوض الانتخابات يعمل كل جهده أن يبني الأواصر القوية بينه وبين القاعدة الجماهيرية التي تمثل الأساس والقاعدة المتينة لوجوده ووجود أي حركة سياسية, وبعد أن ينجح السياسي في بناء هذه الأواصر بشكل صحيح وينال على ثقة جمهوره ويصل الى هدفه المنشود بالفوز في الانتخابات فعليه أن يعمل بجهد أكبر وبإخلاصٍ عالٍ لترجمة مبادئه وحب وثقة جمهوره الى أفعال وخدمات وتفانٍ في العمل لتحقيق أكبر قدر ممكن من الخدمات والمصالح العامة لجمهوره. هذه القاعدة العامة تنطبق في جميع الأنظمة السياسية في العالم إلا في بلدي الذي نجد فيه أغلب السياسيين يعملون بالسياسة دون الإيمان بأية ايديولوجية ولا أهداف يعملون لتحقيقها سوى الأهداف والمصالح الشخصية, فالسياسي العراقي نجده في المرحلة التي تسبق الانتخابات إنساناً ورعاً صادقاً وطنياً للنخاع مؤمناً بحقوق المواطن المستضعف, برنامجه الانتخابي مليئاً بالوعود المعسولة والتضحيات بالغالِ والنفيس من أجل تحقيق أهداف جمهوره ومصالحهم الشخصية وآخر مايفكر به هو مصلحته الشخصية أو المكاسب المادية, وبعد انتهاء الانتخابات وتحقيق النجاح المرتقب نجده ينقلب الى وحشٍ كاسرٍ لا همّ له إلا كسب الأموال والمناصب والمزايا له وللمقربين منه ضارباً عرض الحائط جميع الوعود التي قطعها لناخبيه ومتناسياً الأهداف والمباديء التي كان ينادي ويطبّل لها.
ان هذا السلوك غير السوي لمعظم السياسيين العراقيين جعل جسور الثقة بينهم وبين الشعب معدومة وجعل الشرخ في العلاقة بينهم كبيراً جداً وانقلبت العلاقة بينهم الى حالة عداء وكراهية فالمواطن أصبح لايصدق أي خطاب أو أي كلمة من السياسي بسبب ما رآه طوال هذه السنوات العجاف وأصبح يشمئز من الطبقة السياسية بأكملها لأنه وصل الى مرحلة من اليقين بأن أجندة السياسي العراقي خالية تماماً من شيء إسمه المواطن والوطن وإن صفحات أجندته قد امتلئت بالمصالح الشخصية والحزبية والفئوية وخدمة الأطراف الإقليمية التي يعمل لصالحها, وخير دليل على هذه القناعة هو مايحصل الآن على الساحة السياسية من التناحرات المخزية بين السياسيين لتحقيق المصالح الخاصة وعدم التفكير بمصلحة الوطن والمواطن والتي أوصلت البلد الى وضع بائس من جميع النواحي الأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والخدمية وهذا كله أوصل الشارع العراقي الى مرحلة الغليان حيث بدأ الغضب الجماهيري العارم بالتزايد تدريجياً لفقدانه الأمل بأي إصلاح يجنيه من طبقة سياسية فاسدة وهذا الغضب لم يأتِ من فراغ لأن المواطن العراقي تحمل مالم يتحمله أي مواطن في العالم فقد عانى عبر هذه السنوات المريرة من تأريخه ويلات كبيرة مثل تردي الوضع الأمني وانتشار البطالة وتفشي الفساد وسوء الخدمات وتراجع مستوى التربية والتعليم وامتهان الكرامة والتهجير والمحسوبيات والقائمة تطول وهي معروفة للجميع، ماجعل المواطن العراقي لايثق بالسياسي مهما كان في السلطة التشريعية او في التنفيذية أو في الكتل والاحزاب المختلفة .
الوضع وصل الى مفترق طرق بين المواطن والسياسي والحل لمعالجة هذا الخلل خرج من يد المواطن لأنه استنفذ جميع حلوله المتاحة وهي التصديق بالوعود والصبر والإنتظار والمعاناة وأصبح الحل النهائي بيد السياسي فمازال يمتلك الحلول بيده ويحتاج أن يعود الى رشده ويترك مصالحه الشخصية ويعود الى جمهوره ويفكر بعقلانية ويدرك بأن الوضع أصبح خطيراً جداً لأن صبر المواطن العراقي قد انتهى ووصل الى نهاية المطاف وأنه إن لم يتدارك الأمر فإن طوفان الغضب الجماهيري سيسحقه ويسحق جميع الفاسدين.