27 ديسمبر، 2024 12:16 ص

طوفان الأقصى حلم تربص به الكابوس

طوفان الأقصى حلم تربص به الكابوس

ان الشهيد يحيى السنوار (1962-2024م)، هو من مؤسسي جهاز الأمن والدعوة لحركة حماس عام 1985، المهتم بملاحقة الجواسيس، ادانته إسرائيل عام 1989م بقتل متعاونين معها، وحكمت عليه بعدة احكام مؤبدة، فقضى في السجن 22 عامًا وأفرَج عنه في عملية تبادل أطلق فيها اكثر من الف أسير فلسطيني مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وفي عام 2015م أدرجت الولايات المتحدة السنوار ومحمد الضيف على قائمة الإرهابيين الدوليين، وقد اختير لرئاسة المكتب السياسي لحماس بعد اغتيال إسماعيل هنية، وكان رئيسًا له في قطاع غزة منذ 2017م، واعتبر ذلك خطوة ستضع حدًا للمنافسة الداخلية بين جناحي حماس السياسي والعسكري، وتعيد تعريف حماس، بما يوسع الهوة بينها وبين السلطة الفلسطينية،

ان هدف طوفان الأقصى الذي كان قد وضعه السنوار نصب عينيىه طيلة سني اعتقاله، هو اطلاق سراح الاسرى والسجناء الفلسطينيين، فاسر ما يزيد على 220، بينهم عسكريون برتب رفيعة، لمبادلتهم بأكثر من 5 آلاف اسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.

كان السنوار ذا حضور في مواجهة سجانيه الذين درسوه كما درسهم هو أيضا، فوجدوا فيه مقاوما صلبا، قد وضع نصب عينيه هدفا سوف يسعى لتحقيقه بكل جد وإخلاص وشجاعة، ومن ثم فأنه ليس من المستبعد ان تضع إسرائيل هذه القضية في بنك معلوماتها الاستراتيجية والاستخبارية، وتعمل في الوقت المناسب على تهيأت الظروف لاستدراج السنوار الى هدفه، كما فعلت مع حزب الله، عندما هيأت له صفقة أجهزة اتصالات مفخخة، البيجر، استعملها مقاتلوه تسع سنين، ولم تلجأ لتفجيرها الا بعد ان اثارت شكوك اشخاص من الحزب، فلم تفوت فرصة قتل واعاقة ما يزيد على الف شخص، في جريمة حرب موصوفة، أدخلت ابليس تلميذا في حلقة شياطين الصهيونية، والمؤكد ان ثمة علاقة بين البيجر والاغتيالات التي طالت كوادر الحزب العسكرية، وحتى السياسية.

أما على مستوى حماس فليس مستبعدا ان تكون مخترقة من قبل إسرائيل التي كانت على قدر من العلم بتحضيرات عملية طوفان الأقصى، فقد كان من المتعاملين معها ساعي البريد الذي يوصل الرسائل الخطية بين قيادات حماس العسكرية، زيادة في الحذر من وصول إسرائيل الى المكالمات الهاتفية، وقد القي القبض على ذلك العميل القذر بعد محاولة اغتيال محمد الضيف، وقد كان هو من وشى بالضيف، وربما كان هناك اخرون، فالاخبار تفيد ان حماس كانت بين مدة وأخرى تلقي القبض على متعاونين مع الصهاينة.

بداية يجب التأكيد على أن السنوار مقاوم شريف صلب، صرح أكثر من مرة أنه لا يخشى الشهادة، بل قال انها احب اليه من ان يموت باي سبب آخر، والسنوار بهذه المواصفات معروف جدا لدى سجانية الذي وضعوه نصب اعينهم، يقرأون بين سطور شخصيته ما يمكن ان يفيدهم، فهو قائد سياسي فلسطيني محتمل في غزة، يمكن ان يتصدر المشهد الفلسطيني، ومن هناك بدأت إسرائيل تراهن على توظيف طموح السنوار المقاوم الصلب في تحرير الاسرى الفلسطينيين، فوظفت كل الإمكانيات لاستدراجه الى ما حدث يوم السابع من أكتوبر عام 2023م، لان ما حدث في ذلك اليوم، كان غريبا، انني اشبهه بيوم بيوم 11 أيلول في أمريكا، وما تلاه من احداث دراماتيكية، فان إسرائيل، عشية عملية طوفان الأقصى، كانت عبارة عن دولة تغط مؤسساتها العسكرية والاستخبارية في نوم عميق، اربع ساعات كاملة، كانت كافية لكي ينجو المهاجمين بصيدهم من الاسرى وتبدا بعدها مباشرة عملية تدمير غزة تدميرا لا مثيل له الا في احداث برلين في الحرب العالمية الثانية، غزة المدينة الجميلة التي اضاعها البطل القومي عبد الناصر، وقد كان هتاف الناصريين أيام هزيمته “مكتوب على سلاحنا عبد الناصر كفاحنا” والغريب ان من هيأ الأمور لاستعادها هو أنور السادات المتهم بقوميته ووطنيته، حتى كتب الشاعر العراقي المرحوم احمد مطر في هجائه قصيدته التي مطلعها “الثور فر من حظيرة البقر”، فاي سريالية هذه، عبد الناصر بطل التحرير القومي يسبب احتلال مدينة عربية، ويرسم الطريق لاستعادتها السادات المتهم بعروبته، ليس هذا فحسب انما تسجل باسم عبد الناصر أسوأ الهزايم العربية، يتحايلون مطلقين عليها اسم النكسة، نكسة حزيران، وهي هزيمة مدوية، في حين تسجل باسم أنور السادات معارك أكتوبر عام 1973م التي تضمنت مفخرة عبور ابطال الجيش المصري لخط بارليف، الذي صوره الصهاينة اسطورة، والحديث عن هذه السريالية، التي تشكل الواقع في الذهن العربي الماخوذ باصوات المطبلين، تشكيلا لا واقعيا، يطول ويطول.

إسرائيل اضافت الى حوالي 5200 سجين واسير عندها قبل 7 اكتوبر2023م، اكثر من 8000 أسير جديد، لترد على مشروع تبييض السجون الذي يطمح اليه السنوار بمشروع معاكس تماما، بل انها أقدمت على اعدام الاسرى ومعاملتهم أسوأ معاملة تفتقر الى ابسط متطلبات حقوق الانسان التي يطبل لها الغرب، وفوق هذا كله ليس هناك ما يفيد ان إسرائيل ستنسحب من غزة، أو ان غزة بقيت صالحة للسكن.

ان غزة التي تحررت بدما الفلسطينين، بدم محمد فرحات نجل مريم فرحات رحمها الله، النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، التي حضرته للمواجهة الاستشهادية، كانت تجلس معه قبل يومين من العملية، التي نفذها صائما، تستمع له وهو يقرأ وصيته، فتجهش بالبكاء، من دون ان يرى، وقد سار على اثره الاستشهادي صهيب تمراز، وغيره من كوكبة التحرير الاستشهادية، التي حولت حلم مستوطني غوش قطيف، والمستوطنات الأخرى الى كابوس لم ينقذهم منه سوى الانسحاب، فالى مريم ونجلها محمد فرحات وكل الذين كتبوا بدمائهم الطاهرة عهد الحرية لغزة، نعتذر عن ضياع غزة، فالصهاينة ما زالوا يحتفظون بصور مستوطنة غوش قطيف، وهي على ما اظن مواصي غزة، الساحل الغزي الفلسطيني، اخصب بقاع الأرض واجملها، ولا احد ينسى ماسي الفلسطينيين في هذا المكان الغارق بدمائهم.

لم نضع غزة لأننا خونة لا سمح الله، فالذين خططوا ونفذوا عملية طوفان الأقصى كانوا من انبل واشجع رجال الدنيا، ولكنهم ليس لهم صبر الصهاينة الذي انتظروا تسع سنين، ليفجروا بنذالة، ولكن أيضا بدهاء المحارب، أجهزة البيجر بايدي مقاومي حزب الله الشرفاء، وينتظرون عشر او عشرين سنة، من اجل الوصول الى ما يريدون.

ان الانتصار على الصهيونية لا يحتاج الى مقاوم فحسب، وانما يحتاج أيضا الى دهاة، أصحاب رأي يقرأون ما بين سطور الرصاص والقذائف، يقول الشاعر:

الـــرأي قبـــل شـــجاعة الشــجعان هــــو أول وهــــي المحــــل الثـــاني

فـــإذا همـــا اجتمعـــا لنفس مــرة بلغـــت مـــن العليـــاء كــل مكــان

فالحرب كما جاء في الحديث الشريف خدعة، تعني ان تستدرج عدوك الى موقع مقتله، طبعا بشروطك العقدية والفكرية، فالصهاينة لاشروط عقدية او فكرية لدهائهم.