كما في زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى العراق مارس الماضي؛ أنقسم العراقيون حول أكبر وفد سعودي برئاسة وزير التجارة ماجد القصبي في بغداد؛ بين مؤيدٍ ومُرحب، وآخر رافض مستهجن، إنقسام طائفي وشرخ مجتمعي يعكس طبيعة علاقة مكونات بلاد الرافدين وتوجساتهم؛ وبعيداً عن مفهوم السياسة الدولية وتعريفاتها؛ يستحضر العراقيون دائماً حروب الصحراء وصراع المذاهب في علاقات بلادهم الدولية، إيران والسعودية؛ دولتان كبيرتان يمتد صراعهما وتبادل الإتهامات بينهما للإستحواذ والنفوذ من بغداد حتى صنعاء؛ مروراً بدمشق وبيروت؛ والإنقسام العراقي حول دورهما أكبر؛ كتلٌ سياسية وشرائح إجتماعية وبعيداً عن مصالح عراقية تدفع بإتجاه قطيعة إحداهما، في خطاب الطوائف؛ كلاهما متهم؛ السعودية بعمقها العربي تأخرت كثيراً وإن تعللت طويلاً بسياسات بغداد الطائفية وإرتمائها في حضن طهران عن عراق جديد؛ لم تُلجم خطاب منبر كراهية وتكفير تزف بالجهاديين للقتال في العراق، كما لإعداء طهران براهينهم وأدلتهم الدامغة؛ بدءاً بأذرعها المسلحة المعيقة لبناء سليم للدولة، وليس نهاية بتدخلها الواضح في أدق تفصيلات العمل السياسي والذي بات يستفز الكثيرين في حواضن الأحزاب الموالية لها؛ ناهيك عن مناطق أخرى تشعر منذ البدء بالخلل الكبير الذي يشوب علاقة بلادهم مع طهران.
العراق اليوم بحاجة لخطاب عقلاء؛ خطابُ مصالح يُسهم بإنتشال البلاد من مستنقع الخراب التي هيّ فيه؛ بعد أن أسهم ساسته غير مكترثين بجرهِ نحو الهاوية؛ وأنخرطوا جميعاُ في مغانم السلطة ومفاسدها؛ يمكن للعراق أن يكون نقطة إلتقاء لا إحتراب تتقاذف أهواء الناس فيه رغبات قوى دولية وإقليمية، فرصة تبدو ذهبية إذا ما أحسن قادة البلاد قراءتها وإستثمارها؛ طهران الضعيفة بعد وطأة العقوبات الأميركية بعد إنسحاب إدارة الرئيس ترامب من الإتفاق النووي؛ يمكن إملاء رغبة عراقية عليها بكف اليد؛ وحق لأنصارها في بغداد أن يقولوا إذا ما أرادوا فعلاً تجنيب بلادهم ويلات صراعها مع واشنطن: شكراً؛ كنتم عوناً لنا في الكثير من المحن؛ لن نحتاج رعاية أحد؛ بلغنا سن الرشد، ونسعى بجدٍ لعلاقات صداقة حقيقية متوازنة أساسها الإحترام المتبادل مع الجميع، وللسعودية؛ مهما كانت أهداف تهافتها الأخير على العراق؛ رغبة في سحب البساط من عدوٍ في المنطقة، أم العودة بالعراق لحضن عربي تشعر شرائح واسعة فيه بخذلاته؛ أهلاً بكم؛ العراق أرضٌ خصبة آمنة لإستثماراتكم؛ العراق الجديد؛ لن يكون ساحة لتصفية حسابات، لكن؛ قبل هذا وذاك؛ أن يتصالح العراقيون مع أنفسهم، أن يؤمنوا بقدرة بلادهم على النهوض.