أتسق مفهوم النخبة مع الافكار والآراء التي طرحها الفلاسفة اليونانيون امثال ارسطوا وأفلاطون وغيرهم ، والذين اعتبروا أن مفهوم النخبة هي المجموعة التي تمتلك مصادر القوة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتكون قادرة على قيادة الجمهور من خلال رسائلها ووسائلها وإمكانياتها في تسخير الجماهير لصالحها ووفق معايير ومبادئ مؤمنة وتلتزم بها .
التجربة الديمقراطية في العراق والتي ولدت بعد احداث 2003 وسقوط النظام الشمولي ولدت وهي متعكزة على تركة ثقيلة من المفاهيم السياسية والتي ارتكزت الدولة العراقية عليها منذ نشاتها ، بحكم طائفي ، وموروث ، يمارس فيه الحكم وينتقم من أي جهة معارضة ان وجدت تحاول ان تشارك او تعترض على حكمه ، الامر الذي جعل من سياق الحكومات المتعاقبة على حكم العراق أن تسير وفق هذه المنهجية ، مع تغيير في سياسة البطش ضد الشعوب .
بعد احداث 2003 برز مفهوم الديمقراطية ، والحكم البرلماني التعددي ، والذي يرتكز على أساس توزيع السلطات والأدوار بما يحقق مفهوم التوافق السياسي للمكونات جميعها ، دون أقصاء أو تهميش ، وبغض النظر عن الاحداث السياسية والأمنية إلا ان هذا المفهوم نظرياً مطبق عبر الادوات السياسية كالدستور والقوانين المرعية في هذا الجانب ، الا ان الواقع السياسي عكس هذا التنظير تماماً ، فبرزت نخبة سياسية حملت في اجنداتها ثلاث عناوين :
الاولى : الاجندة الكردية والتي كانت ومنذ زمن الطاغية تسعى الى الحكم والاستقلال وبناء منظومتها السياسية الداخلية ، من برلمان وحكومة داخلية ، اي بمثابة الدولة داخل الدولة ، وفعلا نجحت هذه القوى الى حد ما في تحقيق اهدافها ، وتسعى اليوم الى الانفصال تماماً من الوطن العراق ، وتكوين دويلة صغيرة اسمها الدولة الكردية ، وتكون جارة للعراق .
الاجندة الثانية : هي الاجندة السنية التي تعتقد انها صاحبة الحكم في العراق ، وهي غبر مقتنعة بحكم الشيعة عليها ، ورفضت المشاركة في الانتخابات لانها تكشف الحجم الحقيقي لهم ، لذلك لتفعيل الدور الخارجي المؤثر على استقرار البلاد وأمنه ، ووفق اجندات متعددة كان آخرها دخول تنظيم داعش الارهابي وسقوط المدن السنية بقبضتهم ، وهم اليوم يعيشون أسوء حالاتهم ، فارض مستحلة ومستباحة ، وشعب بين التهجير والهجرة ، ونخبة سياسية تبحث عن المغانم وتسير وفق الاجندات لعلها تجد موطأ قدم لها في اللعبة السياسية .
الاجندة الثالثة : وهي الاجندة الحاكمة المتمثلة بالمكون الشيعي ، وفيه المرجعية الدينية العليا ، والتحالف الوطني بقواه الشيعية ، وهو الآخر يعمل وفق اهداف حزبية ، وابتعد كثيراً عن الالتزام بالرؤية الواضحة للمرجعية الدينية ، والتزم جانب المصلحة الحزبية التي اصبحت هي الحاكمة في اغلب رؤاه .
من بين هذه القوى والشخصيات السياسية برزت شخصية الحكيم ، والتي كانت نتاج موروث معروف لا نحتاج كثيراً الوقوف امامه ، فجده الامام الحكيم (قدس) وعمه السيد محمد باقر الحكيم ووالده السيد عبد العزيز الحكيم ، ورغم الفترة القصيره قياساً بعمره ، التي تعايش فيها مع الوضع السياسي الشائك في البلاد ، بالرغم من ذلك الا انه قرأ الواقع السياسي قراءة واضحة وبدون رتوش ، ورغم ان بعض مواقفه السياسية اخسرته الكثير من مواقف الجمهور على المدى القريب ، ورغم السيل الكبير من التسقيط الاعلامي والسياسي ومحاولة انهاء وجوده سياسياً ، الا انه الرجل تحرك ويتحرك بمنطلق واعي ، وقارى للمواقف جميعها ، بل الكثير من الشخصيات العلمانية تعتقد ان عمار الحكيم سيكون ذات تأثير على السياسة المستقبلية للعراق ، لأنه أستطاع من خلق جو داخلي بين النخب السياسية ، وإحداث ثورة فكرية بين هذه الاوساط ، والإعداد لبروز نخبة جديدة قادرة على تغيير الواقع السياسي الذي عكس جهل وسخافة العقول السياسية ، وجهلها بمقومات العمل السياسي في البلاد .
أعتقد ان خطابه بدأ يتسق ويناغم حاجة الشارع العراقي ، واخذ يقنع الكثير في ضرورة تكاتف الجهود من اجل بناء دولة مدنية عادلة ، وان على الجميع التجرد والانسلاخ من الانتماء القومي والمذهبي والحزبي والركون الى الانتماء الوطني ، وبناء الدولة على أسس المهنية والكفاءة ، كما يجب على الشركاء في التحالف الوطني النظر الى خطاب الحكيم بعين المسؤولية والابتعاد عن الخصومة والتخاصم ، واخذ المبادرة والإعداد والاستعداد لبناء نخبة سياسية جديدة تكون قادرة على قيادة المرحلة المقبلة وبيد واحدة ورؤية نابعة من الانتماء والولاء للوطن .