ـ قال الصولي:
وكنت أذم إليك الزمان فأصبحت منك أذم الزمانا
وكنت أعدك للنائبات فها أنا أطلب منك الأمانا
ما أن بدأ الحراك الجماهيري في المحافظات ذات الأغلبية السنية والتي تأخرت عن موعدها كثيرا لأسباب بعضها مشروع والآخر غير مشروع لأن دماء المتظاهرين السلميين فوق كل الإعتبارات ولا يمكن قبول أي تبرير مهما كان مصدره وقوته، الحقيقة إن نداء السيدة المجاهدة أم حيدر الطائي من الناصرية التي خاطبت شيوخ محافظة الأنبار جعلت العُكل المتقاعسة عن تلبية نداء الثورة تهتز قليلا، وهذه الماجدة هي التي أشعلت فتيل التظاهرات في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك والموصل، وقد هاجمت بيتها قوة من الحشد الشعبي على خلفية مناشدتها. ولكن الظاهرة الملفتة للإنتباه والتي تحججت بها المناطق ذات الأغلبية السنية، بانت في الأفق من خلال الطروحات الطائفية الجديدة في ساحات الإعتصام، ومن خلال تصريحات زعماء عشائر أهل الجنوب الذين وقفوا مع حكومة عادل الجزار ضد المتظاهرين السلميين، حيث رفعت صور علي بن أبي طالب والحسين، ورفعت اعلام بألوان مختلفة، وأخذ البعض يردد الشعار الطائفي (علي وياك علي)، وهم يقصدون المرجع الشيعي علي السيستاني، وأخذ زعماء العشائر ـ ممن كانت مواقفهم مخزية الى ما قبل مجزرتي الناصرية والنجف ـ الظهور في وسائل الإعلام تشيد بالمرجعية بشكل ملفت للنظر، وأخيرا قيام فصائل من الحشد الشعبي بدخول ساحة التحرير في بغداد وهم يرفعون صور زعماء الميليشيات الولائية والإعتداء على المتظاهرين بالسكاكين، كأن هناك توجيه من جهة ما الى البعض لإعادة طلاء الحشد الشعبي من جهة، وطلاء مرجعية النجف من جهة أخرى الذي تساقط في عيون شيعة العراق النشامى، تلك المرجعية التي عزٌ عليها أن تصدر فتوى تحرم سفك دماء المتظاهرين السلميين، أما من يزعم إنه ورد في خطب المرجعية منع استخدام العنف ضد المتظاهرين، نرد عليه بأن المنع لا يعني التحريم، والخطب لا ترقي الى مستوى الفتاوي من حيث قوة تأثيرها، ووكيل المرجع ليس كالأصيل، قد آن الأوان ان تظهر حقيقة حياة المرجع من عدمه من خلال ظهوره العلني أمام أتباعه، فهذه السرية والأختباء لا مبرر لها، والمغلاة فيها لا معنى له في هذه الظروف الحرجة، أنصاره أحق من الكهف بوجوده بينهم.
نود أن نبين ما يلي عن حقيقة المرجعية، وباديء ذي بدء نؤكد بأنه لا قدسية ولا خطوط حمراء إلا لله تعالى وحده وكتبه:
1. العملاء والفاسدون في العملية السياسية جميعهم خرجوا من تحت عباءة المرجع السيستاني، واليوم يحاول بعض الكتاب المأجورين أن يجلوا صورته بعد أن صدأت، وهل ينجح المأجورين في إخفاء مفاسد هذا المرجع بعد أن كشفت للعيان؟ بالطبه هيهات صارت الأمور واضحة للشيعة ولكل الشعب، ونقول للكتاب المأجورين وبعض شيوخ العشائر لن ينفعكم هذا الطلاء لأنه مغشوش. وعلينا أن نستذكر دائما ما جاء في بيان للسيستاني” قائمة الإئتلاف العراقي الموحد التي تحمل الرقم (169) والتي رمزها شمعة، تحظى بقبول ومباركة المرجعية العليا، لتكون هذه القائمة يراهن عليها لتثبيت أساسيات الدين الإسلامي في الدستور. ان المرجعية هي أب للجميع، وترى الجميع ومباركتها للقائمة (169) لأنها ترى المصلحة في التصويت لهذه القائمة، وهذه المباركة لا تعارض أبوتها، بل تؤكد رعايتها لحقوق جميع العراقيين وفق رؤيتها الصحيحة بإذنه تعالى. تؤكد المرجعية العليا على ان قائمة الإئتلاف العراقي الموجد تضم شخصيات وطنية شريفة لا تتبع أي دهة خارجية، على الرغم مما يشاع حولها. فهم شخصيات ملتزمة بمصلحة العراق وشعبه أولا وآخرا، وملتزمون بأن يكون العراق سيد نفسه”، ونفس الكلام يصدق على القائمة الشيعية (555). لذا على العراقيين ان يستذكروا كلام المرجعية السابق دائما، لأنه هو الذي جر البلاد الى الوضع المأساوي الحالي.
2. إن صمام الأمان قد صم إذنيه عن سماع القول الحق منذ اليوم الأول للحرب الأهلية التي أشعل فتيلها رئيس الوزراء الخبل إبراهيم الجعفري عام 2016 ـ2017 بعد تفجير العتبات الشيعية في سامراء، والتي اعترف قائد القوات الامريكية في العراق بأنها كانت من فعل الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع جيش المهدي ووزير الداخلية حينها باقر صولاغي. لقد إلتزمت المرجعية الصمت، ولم تفتي بوقف مسيرة الدم، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من أهل السنة والشيعة، في حين كان بكلمة واحدة للسيستاني أن يوقف الحرب الأهلية من أول يوم.
3. كانت المرجعية متعاونة مع الإحتلال منذ بدأ الغزو، وهذا ما يمكن الرجوع اليه في مذكرات بريمر ورامسفيلد وفيها إشارات الى الرشوة التي قدمتها الإدارة الامريكية الى المرجع السيستاني، وجميع النشاطات السياسية إبتداءا من تشكيل مجلس الحكم سيء الصيت، والتصويت على الدستور المسخ، وتزكية القوائم الطائفية، وإنتهاءا الى إختيار (المجرب لا يجرب) عادل عبد المهدي العادل الحازم الشجاع الأمين حسب مواصفات المرجعية. علما ان المرجعية لم تنفي ما ورد في مذكرات بريمر ورامسفيد وما يتعلق بالرشوة التي تسلمتها، لذا طالما ان المتهم لم يدافع على نفسه، فمن العيب ان ينفي تلك التهم ممن لا علاقة له بالأمر، انه مسعى فاشل، ومن يقوم به أما جاهل أو مستحمر.
4. لم يكن المرجع صمام أمان للعراقيين كما يزعم البعض من النواب والسياسيين والإعلاميين، بل كان عامل تفريق، وليس توفيق كما يحاول اتباعه ان يروجوا مقولته الشائعة ” لا تقولوا اخواننا عن أهل السنة بل قولوا أنفسنا”، وإلا كيف نفسر هذه الفتاوي:
أ ـ يقول صمام الأمان في رد على سؤال حول طريقة الصلاة ” إن التكفير يعني التكتيف في الصلاة، يبطل الصلاة”, يعني إنه كفر أهل السنة بسبب صلاتهم مكتوفي اليدين. (موقع السيستاني، الإستفتاءات/ التكفير في الصلاة).
ب ـ يقول صمام الأمان في موضوع اسباب تحريم النكاح/ المسألة999″ لا يجوز للمؤمن أو المؤمنة ان يتزوج دواما او متعة بعض المنتحلين لدين الاسلام ممن يحكم بنجاستهم كالنواصب، ويجوز زواج المؤمن من المخالفة غير الناصبية، كما يجوز زواج المءمنة من المخالف غير الناصبي على كراهة”. ماذا نسمي هذه الفتاوي توفيق أم تفريق؟
5. في خطاب المرجعية قبل إستقالة جزار العراق عادل عبد المهدي امور مثيرة للشبهة، فهي دعت البرلمان لتصحيح خياراته وهذا اعتراف منها بفشل البرلمان في أختيار الشخص المناسب لمنصب رئيس الوزراء، ولا أحد يجهل ان المرجعية كان لها دور في هذا الخيار، وهي لم تعارض ترشيحه على أقل تقدير، والأمر الآخر انها طلبت ان يكون الإختيار الجديد تحت سقف الدستور، وهنا لا بد من إثارة الأسئلة التالية:
السؤال الأول: اذا كان الدستور من أحد أهم أسباب الفشل في إدارة الدولة فكيف سيتم تحت سقفه الآيل للسقوط عملية التغيير الذي تطالب بها المرجعية؟
السؤال الثاني: كيف يمكن للفاشلين والفاسدين النواب ان يصححوا مسار العملية السياسية يا مرجعية؟ واين صار شعاركم (المجرب لا يجرب)؟
السؤال الثالث: لماذا تتعارض إرادة المرجعية مع إرادة المتظاهرين الذين طالبوا بتجميد الدستور والغاء العملية السياسية والمحاصصة الطائفية والغاء مجلس النواب؟ ولمصلحة من هذا التعارض؟
السؤال الرابع: الم يكن اختيار عادل عبد المهدي من خيارات المرجعية؟ إذن لماذا لم تعترض على ترشيحه وهو لا يمتلك أي من صفات القيادة السياسية من خلال المناصب السابقة التي تولاها، بمعنى انه مجرب لخمس مرات، ويفترض أن لا يجرب للمرة السادسة! ان كان المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، فهذا يعني ان غير المؤمن (الكافر)هو من يلدغ من جحر واحد ست مرات.
السؤال الخامس: اليس قادة جميع الكتل والأحزاب الحاكمة والمؤثرة في البرلمان هم من أبناء المرجعية؟ منهم نوري المالكي، مقتدى الصدر، عمار الحكيم، همام حمودي، حيدر العبادي، قيس الخزعلي، فالح الفياض وغيرهم، وهم رؤساء كتل في البرلمان الذي تطالب المرجعية بإعادة النظر في خياراته. اليس من الأجدى للمرجعية أن تتبرأ من الولد العاق؟ فكيف تطالب الفاسدين بالإصلاح والتغيير القادم؟ حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
السؤال السادس: زعمت المرجعية بأنها لا تسمح لأي طرف خارجي ان يتدخل في الشأن العراقي، حسنا، ما هو رأي المرجعية بوجود الجنرال سليماني في العراق واجتماعه من الزعماء الشيعة لإختيار رئيس مجلس الوزراء القادم؟ هل الجنرال سليماني غير مشمول بتوجيهات المرجعية، أم ان من يلتقي بهم سليماني من المسؤولين العراقيين لا يحترمون رأي المرجعية؟
السؤال الأخير: هل شعار المرجعية (المجرب لا يجرم) سيشمل رئيس الوزراء القادم؟ على إعتبار ان العراق يدار من قبل الوليه الفقيه السيستاني.
كلمة أخيرة
أعلن نيافة بابا الفاتيكان (فرنسيس) خلال صلاة التبشير الملائكي في 1/12/2019 أنه يصلي من أجل القتلى والجرحى الذين سقطو في العراق، ولإحلال السلام والوفاق في هذا البلد، معرباً عن قلقه من الوضع فيه. وقال: اني أتابع بقلق الوضع في العراق، لقد تلقيت بألم خبر تعرض التظاهرات في الأيام الأخيرة لردّ قاس أسفر عن عشرات الضحايا، وأنا أصلي من أجل القتلى والجرحى، وأتعاطف مع عائلاتهم والشعب العراقي كله، أدعوا من الله من أجل السلام والوفاق في العراق”.
نقول: بارك الله ببابا الفاتيكان على هذه المبادرة التأريخية الخالدة، وخسة وعار لكل من تجاهل أرواح شهداء الإنتفاضة، والدماء الزكية لآلاف من الجرحى الأبرياء، لكن اليست هذه الصلاة الرائعة والدعاء الجميل رسالة تحقير لكافة مراجع أهل السنة والشيعة والمنظمات الإسلامية التي تجاهلت شهداء الإنتفاضة السلمية؟
الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار، والشفاء العاجل لأسودنا الجريحة، والصبر والرحمة للمعوقين الغيارى.. الثورة مستمرة حتى النصر، وما ضاع حق ورائه مطالب.