23 ديسمبر، 2024 7:26 ص

طغيان فرعون وأمر الله بالقول اللين.

طغيان فرعون وأمر الله بالقول اللين.

جاء في قصة نبي الله موسى مع فرعون قوله تعالى:
(… اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ).
في هاتين الآيتين يرسم اللهُ سبحانه وتعالى لنا الخطوطَ العامة التي يجب السير عليها في كل تحرك إصلاحي ، ففي هذا المقطع القرآني ثلاثة أمور مهمة . الأول : سبب التحرك (الذهاب) . الثاني : نوعية الخطاب (الوسيلة) . الثالثة : البلاغ عن الأمل وإمكان يقظة الضمير .
ولنحاول بيان هذه الأمور الثلاثة …
إن اللهَ تبارك وتعالى قد حدد سبب التحرك وهو الطغيان قال ” اذهبا إلى فرعون انه طغى” والطغيان هو تجاوز الحدَّ في الظلم ، وقد وردت هذه الكلمة أكثر من مرة في القران الكريم وإذا عرفنا علة التحرك والسبب وراء الأمر الإلهي لموسى (عليه السلام) وهو الظلم ، اذا عرفنا ذلك ، فهل نحن مأمورون بالتحرك إذا وِجد المماثلَ بظلمه ؟ أظن أن الإجابة واضحة وبديهية وقبل أن تكون نقليةٌ بسندٍ قراني ، فإنها عقليةُ ، فالظلم قبيحٌ ويقبحهُ العقل والوقوف بوجهه وإعانة من وقع عليهم الظلم حَسِنٌ عقلًا ، وإذا أردنا التحدث عن النقل فكل ما ورد في الكتاب العزيز فإنه ساريَ المفعول ، وكما يعبرون “فإن المورد لا يخصص الوارد” عليه فنحن مأمورون بالتحرك . والآن نأتي إلى وسيلة التحرك (نوعية الخطاب) والتي حددها الحكيم الخبير سبحانه ، قال جلَ ذكرهُ ( فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ..) قولا لينًا لا غير، مهما كان ذنب وفعل وموقف الطرف الذي تتحرك تجاهه ، فمهما عظم ذنبه فإنه حتمًا ليس كفرعون فإن الأمر جاء واضحًا “قولا لينا” وهذا يدركه كل عاقل فان الشدة والقسوة لا تنتج شيء بل تزيد الطرف الآخر تطرفًا وعنادًا، فلغة السبِ والشتمِ والشدةِ تضرُ ولا تنفعُ فلو كانت نافعة لما استقبحها الله جل وعلا وأمَرَ بنقيضها وهو(اللين ) ، ولو راجعت سيرة العقلاء والصلحاء لوجدتها حافلةً بلغة اللين والهدوء مع أشد الأعداء وأكثرهم قسوة . روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه لسلام) قوله “كونوا لنا زينا لا تكونوا علينا شينا ، قولوا للناس حُسنا واحفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبيح القول .. ” لاحظ الأمر بقول الحُسن والكف عن الفضول وقبيح القول . الأمر الثالث الذي أضاءت به الآيات هو عدم إطلاق الحكم المسبق وتوقع الهداية وعيش الأمل ، فمهما طغى الإنسان ، فإن جانب العودة والتوبة ويقظة الضمير ممكنه وواردة وهذا ما أشار اليه قوله تعالى “لعله يذكر أو يخشى” هذا وغيره الكثير من أدبيات الحوارِ والمعاملة قد جاء بها الإسلام ونحن مدعوون لتطبيق المنهج القرآني في التعامل مع الآخر القريب أو البعيد وعلينا الابتعاد عن لغة القسوة والبغضاء .