ساسة بلا برامج ، قوائم بلا أفكار، مرشحون بلا خرائط ، أغلبهم يتلمّظ استعدادا لقضم فاكهة السلطة ، وناخبون حائرون، هؤلاء هم أبرز المشاركين في الماراثون الإنتخابي لمجالس المحافظات التي ستجري في نيسان القادم ، مع ملاحظة تصاعد مفاعيل الطائفية والعشيرة والمنطقة والمنفعة الشخصية التي أصبحت مُتسيدة وبجدارة المشهد الإنتخابي.
متاهتنا الإنتخابية لها وجوه عدة ، سياسية وإدارية واعلامية وتسويقية من المؤسف إننا لانبدأ من حيث انتهى الآخرون كشأن العقلاء المعاصرين ، بل نُصر على أن نُعيد اكتشاف العجلة ونحفر الأرض لاكتشاف بئر النفط من جديد دون الاستفادة من تراكمات التجارب البشرية الناجحة .
لذا تتكرر الإعادات المملة لمشاهد التنافس الإنتخابي عبر ذات الأداء الكلاسيكي للمرشحين مختزلا عبر صور بمختلف الأحجام وكلمات لا شأن لها بالواقع الخدمي، بينما حيرة الناخبين تتصاعد بعد أن قرفوا من اسم الإنتخابات التي لم تثمر سوى هياكل تتقن هدر الموارد واستمرار لمسلسل طويل يتخلله الصراخ المتواصل وتترفع فيه لغة الإتهام والتخوين والإستعداد للمعارك الفاصلة يتزعمها من لم يحز معدلا في المرونة الفكرية وإجادة الحوار وحيازة أساليب الإقناع وإدارة الإجتماعات واتقان فنون الخدمة المجتمعية.
من الغريب أن تتحدث القوائم المتنافسة ومرشحيها في السياسة الخارجية ، ويعلو صوت المزايدات الدينية والوطنية ، وتتكاتف العوائل من أجل الفوز بالموسم الإنتخابي ، بينما الهدف من الإنتخابات هو فرز كوادر(خدمية) تكون أكثر فاعلية حازت على أرصدة من الخبرة والثقة رشحتها لتتبوأ إدارة المجالس الخدمية في مراكز المحافظات .
بداية الخروج من المتاهة الإنتخابية تتم عبر تبني فكر سياسي يتعاطى بمرونة وواقعية مع الشأن الراهن ، من خلال متابعة ماتطرحه القوائم المتنافسة من أفكار وبرامج وشخصيات وتعقيبات بعض ذوي الخبرات الميدانية والحلول المبدعة من أجل تشكيل ذهنية انتخابية واعية ، يرتفع منسوب التفاؤل حين نقرأ أفكارا ناضجة تدور حول من أنتخب وكيف؟
ثم فجأة تعصف بوجهك رياح السذاجة الإنتخابية وتصدم بمن ظننت لوهلة أنه لأهل الفكر ينتسب حين تقرأ له وهو يسّوق لقائمته بموضوعات لاتمت بصلة لإدارة الإنتخابات .
لايزال الطريق طويلا في ضوء غياب الرؤى الفكرية والخرائط الخدمية والتشخيص المختبري للواقع الذي لا تعالج أزماته إلا عبر طرح حزمة من البدائل المناسبة ، من المؤسف أن تتجذر قناعتنا بما أسميناه المتاهة الإنتخابية بسبب غياب معايير الترشيح لدى القوائم والإختبار المفضي إلى فحص مُدخلات المرشحين لمعرفة قدراتهم العقلية وكفاءتهم الإدارية والمكانة المجتمعية التي اكتسبوها من خلال العمل الفعّال في الفضاء الإجتماعي التي تؤهلهم للدخول للمعترك الإنتخابي .
القوائم الذكية ترشح (الخبراء) من أهل الميدان المجتمعي وتنأى بالمتحازبين من أعضائها فلا تزج بهم فيما لايحسنونه ، استنادا إلى ذخيرة فكرية استراتيجية تدفعها لاختيار سفرائها الإداريين الذين سيمثلونها في مجالس المحافظات لأنهم سيكونون في تماس مباشر مع الجمهور .
إذا كنتَ في حاجة ٍ مرسلاً فأرْسِلْ حَكِيماً، ولا تُوصِهِ
وإنْ ناصحٌ منكَ يوماً دنَا فلا تنأَ عنه ولاتُقْصهِ
وإنْ بابُ أمرٍ عليكَ التَوَى فشاوِرْ لبيباً ولاتعصهِ (طرفة بن العبد).
ومن أجل خروج فاعل من المتاهة الإنتخابية أوصى الخبراء الإداريين بوصفة مجربة للفوز بالماراثون الإنتخابي تتلخص بضرورة الإعداد الجيد للرسالة الإنتخابية للمرشح يحاول من خلالها إقناع ناخبيه تتميز بأنها (قصيرة ، ثلاث كلمات، ، سهلة الحفظ ، يفهمها الجميع ، مؤثرة تجذب السامع وترسم للمرشح صورة متوهجة في ذهنية الناخب) .
ثم دراسة وتشخيص واقع محافظتك من خلال استشارة الخبراء من ذوي التخصصات المختلفة لمعرفة أزمات محافظتك ( الأمنية ، الإجتماعية ، الصحية ، التعليمية ) ومعاينة الخريطة المجتمعية للشرائح ( كالشباب ، النساء ، الأطفال ، و……) من أجل تجهيز حلول ومعالجات مناسبة.
حدّثهم بأولوياتهم ، وأنصت لهم ، حان الوقت لجمع رأسمالك الإجتماعي لوضعه في الصندوق الإنتخابي الذي عملت طويلا على غرسه وسقايته ورعايته من خلال تواصلك الإجتماعي ، إذ لطالما كان يرؤقك الهمّ الإجتماعي ، اطمئن حان الوقت لسداد الديون الإجتماعية ، فرأسمالك الإجتماعي هو رصيدك المضمون وطريقك للفوز بالماراثون الإنتخابي.
إضاءة : كى يصل أحدنا للسلطة فهو بحاجة لدعم مؤيديه ، ولكن كي ينجح فلا بد من دعم معارضيه.(الدكتور معتز بالله عبد الفتاح ، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة).