23 ديسمبر، 2024 4:57 ص

طريقتان في فهم الخالقية وعلاقتها بالحكمة والعدل 3/4

طريقتان في فهم الخالقية وعلاقتها بالحكمة والعدل 3/4

عندئذ يمكن أن نطرح على أنفسنا مجموعة أسئلة:

1. هل أن ما لا نكتشف فيه موافقته لشروط الحكمة وموازين العدل، هو مما نستطيع أن نقطع بمنافاته فعلا وبالضرورة للحكمة والعدل؟

2. بناءً على ذلك هل يمكن أن يكون إلى جانب الخالق العادل الحكيم، خالق آخر يخلق الشرور، أو يخلق لا بما هو على طبق الحكمة والعدل؟

3. وإلم يكن وجود خالق ثان ممكنا، فهل يجوز افتراض أن الخالق غير عادل وغير حكيم، أو أنه باعتباره يفعل ما يشاء، فقد شاء أن يخلق بعض الأشياء على خلاف الحكمة أو خلاف العدل؟

الإجابات العقلية الفلسفية البحتة والمجردة، بعيدا عن المناهج الدينية التبريرية والهروبية، على هذه التساؤلات، أو الافتراضات، تكون عندها واضحة، لاسيما إذا كنا قد فرغنا من المسلمات العقلية بوحدانية الخالق وكماله وتنزهه من خلال الوجوبات العقلية التالية:

1. الخالق يجب أن يكون موجودا، هذا بالنسبة لمن اقتنع بأدلة واجب الوجود، على ضوء قانون العلية وامتناع تسلسل العلل إلى ما لا بداية، وتقسيم الوجود إلى ممكن حادث، وواجب قديم (أزلي)، مع تعدد الأول وتفرد الثاني.

2. الخالق يجب أن يكون واحدا متفردا، أحدا متوحدا، أي لا ثاني ولا جزء له.

3. الخالق يجب أن يكون كاملا كمالا مطلقا.

4. الخالق يجب أن يكون – تفرعا عن ذلك – عادلا.

5. ويجب أن يكون حكيما.

إذن كيف نوفق بين تعقلنا لكل ذلك على نحو الوجوب، وعدم اكتشافنا لمطابقة بعض ما في الخلق مع موازين الحكمة والعدل؟ كيف نستطيع أن نفسر وجود بعض مفردات الخلق مما لم نكتشف انسجاما فيه مع شرائط الحكمة وموافقته لموازين العدل؟

الحل سهل وواضح، وذلك لأن عدم قدرتنا على التوفيق بين الأمرين، يلزم أن نفهم هاذين الأمرين على أي نحو، وبأية طريقة يدركهما عقلنا. عندها نجد أن العقل يقف أمام قضيتين:

1. قضية يدركها العقل على نحو الوجوب واليقين والقطع والتسليم.

2. قضية لا يدرك العقل سرها، فيقف حائرا أمام ظنون واحتمالات وتحليلات غير يقينية، بل تتراوح بين أن تكون وهمية، أو احتمالية بدرجة ما، قد لا تقوى حتى على أن تكون بقوة الظنية. وواضح عندها عقلا أن الشك – بل وحتى الظن – لا يقوى على زحزحة اليقين، وإلى هذا المعنى يذهب النص القرآني «إنَّ الظنَّ لا يُغني مِنَ الحقِّ شَيئاً»، وإن كنت لا أعتمد النصوص القرآنية في الاستدلال بسبب يقيني ببشريته، ولتحفظي على الكثير مما ورد فيه، ولكن مما لا يمنع من الأخذ بما نرى صوابه، لصوابه، لا لقرآنيته، أو لدعوى أو توهم إلهيته. بل حتى مع التسليم بإلهية القرآن، يوجب البحث اللاهوتي العقلي أن يكون متجردا وحياديا، وهذا الذي كان يدعوني كمدرس للعقائد بالألمانية لسنوات في هامبورڠ ألا أقبل من طالباتي وطلابي الاستشهاد بنصوص قرآنية في مبحث التوحيد، لأني كنت أريد أن أعلمهم أن يعتمدوا الأدلة العقلية، بالرغم من أني كنت آنذاك مؤمنا بإلهية القرآن، ولم وقتها قد أدركت ما أدركته إلا بعد سنوات، ذلك أن العقل والدين ضدان لا يجتمعان ويرتفعان، كما يعبر المناطقة.