18 ديسمبر، 2024 11:08 م

طريقتان في فهم الخالقية وعلاقتها بالحكمة والعدل 1/4

طريقتان في فهم الخالقية وعلاقتها بالحكمة والعدل 1/4

هناك على النحو العام طريقتان في تعقل الخالقية، من حيث علاقتها بكل من الحكمة والعدل، وما يترتب على العلاقة المكتشفة، أو المظنون اكتشافها، فيما بينها من جهة، وبينهما من جهة ثانية.

الطريقة الأولى:

كأن أصحاب هذه الطريقة يضعون لأنفسهم كأساس في التفكير في هذه القضية مقدمتين على نحو الجملة الشرطية، فيقولون:

1. إن وُجد خالق للكون، فيجب أن يكون عادلا وحكيما.

2. إن وُجد العدل والحكمة في الوجود، فهذا دليل على وجود الخالق العادل الحكيم.

ثم يبدؤون البحث عن الحكمة الكامنة وراء هذه الحياة، وعن العدل القائمة هذه الحياة طبقا لموازينه، ومن خلال هذا البحث يصلون إلى إحدى نتيجتين، يستخلصون من كل منهما موقفا من المسألة موضع البحث.

النتيجة الأولى: نفترض ولو نظريا إنهم يصلون إلى إدراك الحكمة من وراء هذه الحياة، وإلى توافق الحياة مع موازين العدل، ويقتنعون بالتالي أن كل شيء في الوجود قائم على أساس الحكمة والعدل، وبالتالي يؤمنون بوجود خالق عادل حكيم وراء هذا الكون. وهذا افتراض نظري محض، لا تحقق له في الواقع، لاسيما فيما يتعلق بالعدل الذي لم يتحقق يوما على كوكب الأرض.

النتيجة الثانية: إنهم لا يكتشفون الحكمة من وراء هذه الحياة، ولا يكتشفون توافقها مع موازين العدل، وهذا هو الغالب، والأكثر واقعية، فيخرجون بنتيجة مفادها عدم وجود خالق للكون، باعتبارهم اشترطوا للخالق وجوب اتصافه بالعدل والحكمة، أو قد يسقطون شرطهم، هذا فيقولون بوجود خالق غير عادل وغير حكيم، وهذا يعني عدم اتصاف الخالق بالكمال، لكن هذا النوع من التفكير يضع فرضية، مفادها أن المخلوق أكمل من الخالق، وهذا محال، ففاقد الكمال لا يعطيه، وذلك لأن الذي يفكر بهذه الطريقة يفترض أن يكون أكمل من خالقه، لأنه قد تحسس فقدان الحياة للحكمة والعدل، بينما لم يتحسس الخالق هذا الخلل. أو إنهم يدركون أن الحكمة والعدل متحققان في بعض مفردات الوجود، ولا يستطيعون أن يكتشفوهما في بقية المفردات، فيُضطَرّون إلى القول بالثنائية (أو الثنوية)، فيجعلون للكون خالقَين، أحدهما أراد أن يكون كل شيء خيّرا، وموافقا للحكمة والعدل، والثاني أراد أن يكون كل شيء شرّيرا، وموافقا للعبث والظلم. وبهذا افترضنا خالقين ناقصين من خلال محدودية كل منهما بوجود ند له، ومن خلال عجز كل منهما عن إلغاء الآخر، مضافا إلى ذلك النقص المتحقق بالظلم والعبث في أحدهما؛ فتكون كل صراعات الكون والحياة ناتجة عن صراع محتدم أبدي بين الإلهين المتنادَّين المتنافسَين الناقصَين؛ العبثي الظالم المحب للشر، إذ يكمن نقصه في هذه الصفات السلبية، والحكيم العادل المحب للخير، إذ يكمن نقصه في عجزه عن تعطيل دور وتأثير الإله العبثي الظالم الشرير، وكلاهما يكمن نقصهما في أن أيا منهما لم يحقق الواحدية التي هي من لوازم الكمال المطلق، لأن الكامل كمالا مطلقا يستغني عن كامل ثان، لعدم وجود ثغرة في كماله يجبرها كامل ثان أو إله ثان. ولكن على الأغلب يؤدي افتقاد العدل والحكمة إلى الإيمان بعدم وجود الخالق: اللاإلهية أي الإلحاد atheism، أو اللاأدرية agnotic. وهناك قول آخر ذكره أحد الأصدقاء في مناقشته لي، ألا هو إن العدل والحكمة هي معايير بشرية، فمن أين لنا أن نعلم أنها يجب أن تنطبق على الخالق، ولكني أقول إن معايير الكمال ثابتة حسب ضرورات الفلسفة الأخلاقية.