23 ديسمبر، 2024 11:03 ص

طريقة الجزاء إذا ما وجدت الحياة بعد الحياة

طريقة الجزاء إذا ما وجدت الحياة بعد الحياة

إذا كان أصل الثواب والعقاب واجبا عقلا بضرورة العدل، وهذا بضرورة الكمال، فإن طريقة الثواب والعقاب؛ روحيا وحسب، أو روحيا وجسديا، فذلك من الممكنات العقلية، فالمعاد، مع إني وأفضل استخدام مصطلح الحياة الأخرى، بدلا من المصطلح الديني (المعاد)، ناهيك عن إمكانية قبول صور الجزاء بالجنة ثوابا وبالنار عقابا، حسب التصور الديني. وفي الوقت الذي بينت أن الجزاء ثوابا وعقابا يمكن أن يكون روحيا فقط، ويمكن أن يكون روحيا وجسديا. لكن يمكن القول أن تصوير العذاب في نار جهنم، من حيث شدته، ومن حيث أبديته، يخالف ضرورات العقل، لتعارضه مع عدل ورحمة الله الواجبتين عليه وجوبا عقليا، بحكم وجوب كماله المطلق، وهذا ما انتبه إليه علي بن أبي طالب في دعائه الذي علمه كميل بن زياد، فعرف بـ«دعاء كميل»، إذا صحت نسبته إليه، إذ جاء فيه: «لولا ما حكمتَ بهِ من تعذيبِ جاحديك، وقضيتَ بهِ من إخلادِ معانديك، لجعلتَ النارَ كلَّها برداً وسلاماً، وما كانت لأحدٍ مقراً ولا مقاماً*، لكنك تقدست أسماؤُك أقسمتَ أن تملأَها من الكافرينَ من الجِنّةِ والناسِ أجمعين، وأن تخلّدَ فيها المعاندين، وأنتَ جلَّ ثناؤُك قلتَ مبتدئاً، وتطوّلتَ بالإنعامِ متكرّماً، أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون»، فهو يفهم – إذا صحت نسبة الدعاء إليه – إن رحمة الله توجب أن تكون «النار بردا وسلاما، ولا تكون لأحد مقراً ولا مقاماً»، لكنه مضطر للتسليم بما جاء به قرآن ابن عمه ومربيه بأن الله (القرآني) «حكم بتعذيبِ جاحديه، وقضى بإخلادِ معانديه» وأنه «أقسم أن يملأها من الكافرينَ من الجِنّةِ والناسِ أجمعين، وأن يخلّدَ فيها المعاندين»، لكونه قال في قرآن محمد «أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون»، وذكر هنا الفاسق ولم يذكر الكافر، والفاسق هو المسلم غير الملتزم بأحكام الدين، أو غير المتدين، فهو أيضا يستحق أن يشوى بنار جهنم.

*: حسبما جاء في كتب أدعية الشيعة «لجعلتَ النارَ كلَّها برداً وسلاماً، وما كان فيها لأحدٍ مقرّاً ولا مُقاماً»، ولم ينتبهوا عبر مئات السنين على أن هذا يشتمل على خطأ نحوي فظيع، حيث الصحيح: «وما كان فيها لأحدٍ مقرٌّ ولا مقامٌ» لأن «مقرٌّ» مرفوع كونه اسم (كان)، إذ إن اسم الإشارة «هناك» هو خبرها وهو خبر مقدم، و«مقرٌّ» اسم مؤخر لها، و«مقامٌ» مرفوعة أيضا لأنها معطوفة بواو العطف على «مقرٌّ». ولكن هذا لا يستقيم مع السجع المستخدم في هذا المقطع من الدعاء، لذا كنت أصحح ذلك، بقول «وما كانت لأحدٍ مقراً ولا مقاماً» بدلا من «وما كان فيها …»، فتصح العبارة معنىً ونحواً.