تكثر هذه الايام “الطلات” البهية للسادة المسؤولين لتفقد “الرعية” والاطلاع على مشاكل المواطنين، والتودد لهم بـ”المال” والكلمة المعسولة، والابتسامات المفتعلة، وسط كاميرات الفيديو والفوتوغراف ، حتى لا تفوت لقطة من دون ان توثق بالصورة والصوت، وعلى المواطن ان يقتنع ان هذا المسؤول الذي كان “خاتلا” وراء الكتل الكونكريتية والزجاج المظلل، لسنوات خلت، ظهر الآن ودودا كريما محبا للشعب والفقراء والمساكين.
ومن خلال متابعة الفضائيات والزيارات الميدانية البريئة من كل دعاية انتخابية، خرج احد المسؤولين وزعيم احدى الائتلافات والتحالفات المسؤولة ايضا، بزيارة تحت اضواء “الفلاشات” واصوات “اجقجق” الكاميرات لاحد مستشفيات بغداد الكبرى ، لتفقد الجنود الجرحى من دون الكشف عن الموقع والاماكن التي جرحوا فيها ، تاركين تحديد الجبهات التي لاهي “فوك التل” ولا “تحت التل” ولا على الحدود، لذكاء المشاهد.
وخلال الزيارة الميمونة للمستشفى ، وللراقدين فيها من ابناء الجيش والقوات الامنية ، وقف السيد المسؤول على حالات عديدة، وكان يستمع من الاطباء والمرضى عن نوع الاصابات والاجراءات الطبية المتخذة بشأنها، واستطعنا كمستمعين ان نتأكد بأن السيد المسؤول طبيب فعلا، من خلال استخدامه بعض المفردات الانكليزية ، والمصطلحات الطبية، فالحمد لله ان صاحبنا لا يزال يتذكر بعض المعلومات الطبية بعد ان ابعدته السياسة عن المهنة، ووجد ان خدمة الشعب تحتم عليه ان يتنازل عن عيادته وسماعته من أجله، أي من اجل المسؤول مو الشعب.
المهم، ان السيد المسؤول غلب عليه الخطاب الثوري السياسي ، على خطاب الأطباء، وهو يتحدث مع بعض الراقدين ، فعندما طلب منه احدهم ان يرسله الى احدى الدول المتقدمة في الطب للعلاج، رد عليه اننا طبيا لا نختلف عنهم ، فطبنا بخير، واطباؤنا مطلوبون حتى في تلك الدول.
وانا، اشهد واؤيد في الوقت نفسه، ان اطباءنا اكفاء وعلى مستوى عال من المهنية، وهناك بالتأكيد اطباء عراقيون في لندن، وباريس ، وواشنطن، ودبي، لكنه لم يحاول ان يسأل نفسه، لماذا هم هناك؟.. والجواب يعرفه القاصي والداني، اما انهم لم يجدوا فرصتهم في العراق، ففروا منه، واما انهم لوحقوا أواجتثوا ففروا ايضا، فيما تلقفتهم مستشفيات العالم المتقدمة بالأحضان.
لكن يا سيدي المسؤول لو اصبت بوعكة، لا سمح الله ، وشافاك من كل علة ومرض، فهل ستأتي هذا المستشفى الذي زرته او غيره، ام تركب طيارة خاصة وتذهب الى مستشفيات بره؟.
بالتأكيد صحتك عزيزة على المواطن، وانتم ثروة ينبغي الحفاظ عليها ، لكن مثلما تريدون من المواطن ان يقتنع ان الخدمات الصحية المقدمة له لا تختلف عن غيرها في العالم ، فعليكم ان تجربوا بانفسكم طبيعة هذه الخدمات ، والامكانات المتوفرة، و”طباخ السم يذوقه” كما يقول المثل.
ثم لماذا نسأل سؤالا افتراضيا ، وهناك امثلة واقعية، بالإمكان الاستشهاد بها، فالسيد رئيس الجمهورية، عافاه الله ورده الينا، يتعالج منذ اكثر من سنة في المانيا، بعد ان نقل الى المستشفى نفسه الذي زاره سيادتكم ، فلماذا لم تقتنع اعلى سلطة تنفيذية في البلد ، بطب العراق، ورضى بالعلاج الوطني، وشجع منتوجنا الطبي، الا اذا احس بأن الحالة التي يعانيها لا تعالج في العراق، طبعا القرار لم يكن قراره، حيث كان في غيبوبة، وربما كان القرار صادر عن الاطباء العراقيين انفسهم، قبل الاطباء الالمان.
وهاكم مثل آخر، محافظ البصرة، شافاه الله من كل مرض ، عندما زار العاصمة والتقى بالمسؤولين فيها، اصيب بجلطة قلبية، او نحو ذلك، وبدلا من ان يتلقى العلاج في مستشفى عراقي، نقل بناء على توصية طبية الى الكويت ، وجرت له عملية قسطرة، او قثطرة على قول اخواننا السوريين، وتماثل للشفاء وعاد الى الوطن، وقلبه ينبض بحب العراق والبصرة.
واخيراً، اميننا المحبوب ، عبعوب، الذي اجهدته الصخرة، وخدمة اهالي بغداد الكرام، فأصيب بأزمة قلبية ، نقل في اثرها الى احد مستشفيات “برة” وتلقى العلاج وعاد الى ارض الوطن ، واستقبل استقبالا مهيبا، من اعلى مسؤول في الامانة الى الكناسين وعمال القمامة.
وبعد ذلك ، نسمع النصيحة بضرورة ان يتعالج المواطن في المستشفى الحكومي، فيما يتعالج المسؤول في الخارج، وانا على يقين لو ان المسؤول تعالج في مستشفى حكومي، لحصل على خدمة” سوبر” وعلاج 24 حباية، لكن المشكلة ربما تكون ذات طابع سياسي ، فليس بالضرورة ان يشك المسؤول بقدرات الطبيب العراقي، وانما يخشى من وجود أياد متآمرة تسعى لتصفيته طبيا، وعندها السفر الى الخارج للعلاج فيه فوائد هو الآخر، من بينها التأمين على حياته من غدر الغادرين، وقطع الطريق امام منافسيه بالتشفي منه، والتآمرعلى حياته الغالية.
يا سيدي، الضيف الكريم، الزيارة الى المستشفى تحت اضواء الكاشفات والكاميرات لا تعطي صورة حقيقية لطبيعة الخدمات الصحية في البلاد، هذا اذا كانت النية الاطلاع، والتفقد، اما اذا كان الموضوع مجرد دعاية انتخابية ، فغرد على راحتك.