طبول استراتيجية!!

طبول استراتيجية!!

اتأمل كثيراً في لعبة كرة القدم، خصوصاً الأوربية، فمع أنى لست من المتابعين والمهتمين في الوقت الحاضر للرياضة ضمن مجموعة المتغيرات التي تطرأ على شخصية المرء، ولكن يلفت انتباهي كيف يمكن للفريق أن يلعب حتى آخر ثانية، بل وان مجريات الأحداث تتغير في آخر أنفاس المباراة بشكل مثير للدهشة.

هذا يشير إلى ان كرة القدم تحولت من هواية ورياضة إلى فن وعلم يوظف القدرات البدنية لإنجاز الخطط الموضوعة، وليس تسيّد هذا المنتخب والنادي أو ذاك، إلا نتاج لهذا التخطيط والتنفيذ المتقن، عكسنا بالضبط ممن لا زلنا ننتظر على دكة الحظ ونتعامل بعاطفة مبالغ فيها.

والحالة تمتد لتشمل الكثير من جوانب الحياة..!

تذكرت هذا الأمر وأنا اقرأ مذكرات سياسي عراقي بارز، تناول موضوع احتلال العراق عام 2003 والظروف المحيطة به، وكيف ان القرار لم يكن عشوائياً او ردة فعل أو شعور القوي بقوته، أبداً، بل انه كان نتاج فكرة أساسية واهداف موضوعية وخطط محكمة أوصلت الوضع إلى ما آل اليه، وهذا بطبيعة الحال مختلف عما جرى بعد 9 نيسان 2003 من اضطراب شكل الإدارة والرؤية الموضوعة لإدارة بلد معقد مثل العراق.

لقد كان خروج العراق من حرب السنوات الثمانية وهو يملك جيشاً قوياً، وتقاطع التوجهات مع الفكرة الامريكية، وتصاعد النبرة الايمانية لدى النظام حتى لو كانت دعاية وتجارة، وبروز شكل القائد الأسطورة، كل ذلك وغيره نبّه الولايات المتحدة إلى الخطر القادم، وأثار القلق مما قد يكون عليه العالم وقتها ولا سيما مع وجود حاكم مغامر إلى حد الطيش ويحمل خيالاً بطولياً يسير به نحو تحقيق فكرة الخلود في التاريخ.

لذا وضع القرار باكراً، وكل ما جرى خلال السنوات اللاحقة لغزو الكويت كان مخطط له، ويعدّ على نيران هادئة لكي تؤتي الطبخة أكلها، والخاسر من لم يدرك كل تلك المؤشرات رغم تراكمها، واولهم النظام الذي ظل يحلم بالصمود الأسطوري، وبعض قوى المعارضة التي عانت من الجفلة والخوف من الإقدام فثبتت موقعها المتأخر ومنحت الآخر الفرصة للتوسع والامساك بزمام الأمور.

وتذكرت هذا النموذج اليوم كذلك وطبول الحرب تقرع في المنطقة، والكل بين قلق ورعب وتحفز او لا مبالاة مبنية على ثقة مفرطة بالقوة متوهمة والقدرة غير الواقعية على الصمود.

والذي يبدو لي وسط سيل المواقف بين حرارة التحذير وبرودة وسكون التلقي، ان قرار تغيير خارطة الشرق الأوسط قد اتخذ، والخطة ماضية ولا تراجع فيها، ولكن وفق مراحلها المرسومة لها، وكل ما يقال من هذا الطرف أو ذاك هو لتهيئة الأجواء وترتيب الشكل الجديد للمنطقة، ولا يعتقد أحد أن ذلك مرتبط بمدى زمني محدد أو قريب بالضرورة، بل هو النضوج على نار هادئة تحول البلدان مهما كانت كبيرة وقوية إلى لقمة سائغة، ومرة أخرى، الخاسر سيكون من لم يلتقط تلك الإشارات وعمل بمقتضاها!

طبول الحرب تقرع، لا شك في ذلك، ونغمتها استراتيجية محكمة الأطراف والأركان، ومداها الزمني مرهون بوصول الطرف المستهدف إلى حالة الجاهزية للخضوع ورفع راية الاستسلام!