22 نوفمبر، 2024 6:45 م
Search
Close this search box.

طبر الله

عندما كنت في العاشرة من عمري, راودني حلم لم يستطع الزمن ان يمحوه من ذاكرتي حتى هذه اللحظة ،فقد حلمت حينها بان يوم القيامة قد جاء وحان موعد الحساب وإذا  بالكثير من الناس ومنهم ابناء قريتي الصغيرة ومعلمي مدرستي يقفون في طابور مرتدين ملابس بيضاء ،الطابور الطويل لا اعرف اين ينتهي لكني كنت ارى بوضوح بدايته فقد كانت عند الله الذي وقف متوسطاً منطقه مربعه الشكل نصفها مضاء والأخر مظلم والحد الفاصل بين الجزئين كانت تمثل بداية الطابور ونهايته اما الله فهو لا يختلف عن البشر العاديين كان رجل ضخم البنية ملامح وجهه غير واضحة يحمل في يده طبر  وكلما اقترب منه شخص قطع رأسه فورا بلا سؤال ولا جواب ودون أي استثناء والغريب في ذلك الحلم ان الناس  كانوا يسيرون بكل انتظام وهدوء  للوصول الى طبر الله !!
لم اكن اعلم حينها لِمَ رأيت الله بهذه الصورة المرعبه في حلمي ،ولماذا  لمَ اره بصورة اخرى كشيخ ودود جميل المحيا او على شكل ملاك او أي صورة اخرى جميله ، لكني عندما كبرت ونضجت فكريا ادركت تماما بان تلك الصورة كانت نتاج الثقافة الاجتماعية السائدة التي تجعلنا نخاف الله بدلا من ان نحبه ،ونعبده تجنبا للعقاب وليس ايمانا بحسن وجمالية ما دعانا اليه ، ففي البيت و المدرسة وحتى في التلفاز كنا  وما نزال نتلقى التحذير تلو الاخر من غضب الله ومن حسابه ومن نار جهنم التي لا تشبع في حين اننا قليلا ما كنا نسمع من ابائنا وأمهاتنا او معلمينا او رجال ديننا حديثا عن الجنه وعن حب الله لنا ،وما ان نخطئ بقصد او بدون قصد حتى تنهال علينا صور العذاب و العقاب الذي سوف يأتينا من ذلك الفعل دون ان يدركوا انهم يساهمون في تشكيل صورة مرعبة عن الله في أذهاننا
مرة ,وفي المدرسة الابتدائية ،سألت معلم الدين عن كلمة الله هل هي مؤنث ام مذكر؟؟ فلم اشعر به ألا وهو يصفعني بقوة ثم اخذ يوبخني بعنف ويقول لي  بان الله سيرميني في جهنم على سؤالي هذا وأتذكر انه امضى الدرس كله وهو يحدثنا عن الجحيم وعن غضب الله !! وقتها قضيت ذلك اليوم وانا أتسائل أذا كان الله سيعاقبني كل هذا العذاب المرعب لمجرد انني سألت سؤالا بسيطا فما الذي سيفعله بي لو انني اقترفت ذنبا اكبر ؟.
ويبدوا أن هذه الطريقة في التخويف من الله  قد زرعت الخوف  والرعب من الاله في قلوب ونفوس  غالبية الناس  كباراً وصغاراً، وخاصة البسطاء منهم . لازلت اتذكر كيف ان جارتنا ضربت ابنها بشكل مبرح وعندما سالتها امي عن السبب أجابت بأنه كان يسب ويشتم الحائط !! وقتها شعرت بالاستغراب,ولم افهم لماذا تقوم هذه المرأة بضرب ابنها بهذه الطريقة لانه شتم حائطاً طينياً متداعياً..ولكن امي اوضحت لي الامر فقالت ان جارتنا  تقصد بالحائط الله فابنها كفر بالله ولكنها خافت خوفاً شديداً من أن تصرح علانية باسم الله الذي تطاول عليه ابنها وكنته بالحائط خوفاً من ان يسمعها الله فيعاقبها هي وابنها عقاباً شديداً.    
قبل فترة قصيرة استعدت حلم طفولتي بكل تفاصيله حين رأيت  مقطع الفيديو الذي بثه تنظيم داعش الارهابي
 حيث  يظهر شهداء قاعدة سبايكر وهم يسيرون في طابور ثم يقتلون وهم صامتين بشكل مشابه لما رأيته في الحلم الا ان اداة القتل كانت احدث وأسرع من تلك التي رايتها في حلمي  فقد كانت مسدسا وليست طبرا  , وعندها تسائلت في نفسي اذا كانت صفعة المعلم قد جعلتني اتخيل الله بتلك الصورة المرعبه فكيف  سيتخيل الاطفال اليوم الذين بلا شك قد شاهد الكثير منهم هذا المقطع  الله في احلامهم ,او كيف سينظرون الى الدين لا سيما ان كل عمليات القتل والنهب واغتصاب الاطفال وبيع النساء تحدث باسم الدين ؟؟!
 أننا اليوم كمسلمين بحاجة الى ايجاد طرق جديدة للتعاطي مع ديننا.ولعل اول واهم هذه الطرق تكمن في ا ظهار جانب الرحمة والعطف والمودة  وان لا نركز على اوجه العقاب  والعذاب فهذه الطريقة هي الوحيدة التي تؤسس لصورة جديدة عن الله..الهُ نحبه وليس الهاً نرتعب من ذكر اسمه..والى دين متسامح لا دين متطرف .  ان ما يحدث اليوم من قتل وإجرام باسم الدين  جعل الكثير منا ينفر ويخاف من الدين وليس من الله فقط  ,وجعل كل دول العالم تنظر الى الهنا وديننا ولنا بشك ورعب و للأسف نحن المسؤولين عن تشكيل هذه الصورة المخيفة في اذهانهم عن ديننا لاهم.

أحدث المقالات