22 نوفمبر، 2024 11:58 م
Search
Close this search box.

طبخة شيطانية

في إحدى نوبات شرودي الطويلة خطرت لي فكرة جهنمية، عبارة عن برنامج طبخ غير تقليدي ليس كتلك التي يشاهدها فقط ذوو كروش لا تمتلئ ونساء لا يحسنّ إعداد بيضة مسلوقة حتى. البرنامج يضيء على أكلات شعبية تميزت بها نينوى خلال القرن المنصرم، كما تصلح الفكرة أن تكون خطوة أولى على طريق الترويج “للمطعم الموصلي”.
أول ما تبادر إلى معدتي، طبخة سمعت عنها كثيرا واكلتها مضطرا مرة واحدة اسمها (جشج بالجيم الأعجمية)، باختصار، هي وان تنوعت طرق أعداها إلا أنها مزيج من حنطة منعّـمة ولبن حامض، ينتج عنه وجبة دسمة مكثفة طاردة للجوع.
اشتهر الـ(الجشج) في القرى القريبة من الموصل عندما كان أهلها يعيشون على الخبر واللبن وفي أحس الأحوال على الرطب، ثم استعادت بريقها في التسعينات حتى ان جيل الحصار ما زلوا يتلمظون حموضتها على شفاههم، ولأكون صادقا معكم يجب القول إنها عسيرة الهضم ثقيلة على المعدة والعقل…
احد أصحابي المجربين أضاف للأعراض التي تنجم عن الافراط من أكلها: “تعطيل نشاط الدماغ والشرود المزمن”، هذا بالضبط ما قاله لامه عندما ألحت عليه يوما ما بأن لا يتورع في لجم معدته بصحن (جشج) بين الفينة والفينة، وإلا هلك!
ولأنها كانت وجبة وطنية لكثيرين تصبح وتمسي في أمعائهم، كفروا بها كما نكفر اليوم بكل ما هو وطني بدء بالأمن والمصالحة والوحدة…وللتخفيف من عذاب النفس والجسد، وظفت كعادة العراقيين في نكات مازال بعضها متداولا، تقول أحداها:
إن رجلا مبتلى بالفقر والشراهة، كان ينسى في كل مرة أن يستهل وجبته الصباحية من الـ(جشج) بالبسملة، ولان ذلك يعني نزع البركة عنها لمشاركة الشيطان إياه في طعام غير مبسمل- هذا ما لا يتهاون فيه المتدينون عاشقو الهيئات- ولان الشيطان نفسه ضاق ذرعا بهذه الشراكة غير اللذيذة قال لصاحبه:
 إما أن تقول بسم الله ، أو أن تترك أكل هذا القز قرت…
 مثل هذه العلاقة المحتومة ابتلي بها العراق الجديد، فالوطن جائع والشياطين لا تأكل إلا ما لذ وطاب مع السراق والفاسدين، لكنها سرعان ما تتنصل عن صحبتهم بمجرد أن يفتضح أمرهم ويحين موعد حسابهم، ليقول متبرئا: “إني أخاف الله رب العالمين”!
آه … على ذكر الفضائح يبدو أن نينوى ينتظرها فصل طويل للتنصل من الأصحاب استهل بفضيحة فساد مجلجلة بلغت عنان السماء، ولا ندري من  التالي في هذا المسلسل الذي ستتصاعد أحداثه مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، ربما الدور في النهاية على الشياطين نفسها.

أحدث المقالات