23 ديسمبر، 2024 12:10 ص

طالما تساءلت عن أجابة هذا السؤال، كيف يتوضأ ويصلي شخصٌ مصاب بمرض يمنع جسده ولسانه عن الحركة؟

طالما تساءلت عن أجابة هذا السؤال، كيف يتوضأ ويصلي شخصٌ مصاب بمرض يمنع جسده ولسانه عن الحركة؟

كوني طالباً في كلية التمريض، أرى كثير من الحالات المستعصية في المستشفيات والمراكز الصحية، وأقرأ المزيد عن الأمراض الفتاكة في كتب طبية المنهجية، أشخاصٌ مبتوري أقدام بسبب السكري، جرحى مشلولين نصفياً، أفرادٌ محترقين لدرجة لا يمكن حتى تعرف على ملامح البشرية في وجوههم، ومرضى مصابين بسكتات دماغية فقدوا فيها سيطرة على جانبٍ من جسدهم. كل هذه الأدواء يجعلك تنظر على حياة البشرية من زاوية مظلمة لم تقر بوجودها منذ طفولتك، على أقل ليس إلى هذا الحد.
قبل سنين، في لحظة التي كنت أمشي بها في أروقة أحد مستشفيات العراقية، رأيت رجلاً مبتور اليد يصلي صلاة الظهر بالقرب من فراشه. تمعنته وهو يضع يده السليمة فوق المبتورة، ثم يحاول مده إلى ركبتيه عند الركع، وتساؤلت في ذهني “ماذا لو كان ساقه مبتوراً بدل يده”، كيف كانت صلاته حينها، هل كان بإمكانه الوقوف ليؤدي صلاة تامة؟ أم كان يصلي قاعداً؟(كما ترون فأن لم أكن مضطلعاً بالدين آنذاك)، وماذا عن مرضى المصابين بسكتات دماغية الذين فقدوا فيه السيطرة على النطق؟ كيف يكون صلاتهم؟ من دون تلاواة؟ أم يصلون خلف قارئ؟
كثيراً ما يسألني الأقرباء والأصدقاء غير المختصين، ما هو أكثر حالة مرضية تراه في المستشفى؟ بينما لا أملك في يدي أحصاءيات المستشفى حول مرض المرضى الداخلين إليه، يمكنني القول بالتأكيد من التجربة أن أكثر حالات التي رأيتها في المستشفيات هم مرضى سكتة الدماغية. رأيتها في الرجال والنساء، رأيتها في الكبار والصغار، ورأيتها في جميع الطوائف والمكونات. ونسبة مشاهدتي العالية لأعداد مرضى سكتة دماغية ليس غريباً. تشير الأحصاءيات أن مرض السكتة دماغية هو ثاني مسبب للموت عالمياً بعد جلطة القلبية، وثالث مسبب للعجز بعد أمراض العقلية والسرطان.
هذه الأحصاءيات جعلني أكثر فضولاً للبحث عن الأجابة. ولكني لم أقم فعلاً بأي أستقصاء إلا بعد سنوات من الدراسة، حين سمعت بمرض نادر يصيب الفرد ويتركهُ مع وعيه فقط.
المسمى بمتلازمة المنحبس لقدرته على حبس المريض بداخله من دون القدرة على التواصل مع العالم الخارجي، حيث يفقد مريض قدرته على تحريك أي من عضلاته أرادية ويشمل ذلك تحريك اللسان ومخارج الهواء مما يفقد فيه المريض التكلم والمشي والتواصل مع الآخرين، وأحياناً يكرم المرض بأعفاء الجفنين للمريض تحت إرادته، فيستغله المبتلي للتواصل مع حوله من خلال لغة غمض العينين، والآخرون لا يترك لهم هذا حتى.
بعد سماعي بهذا المرض، طرح دماغي نفس السؤال لي، كيف يصلي هؤلاء؟ فقمت بالأتصال مع بعض الشيوخ وأصحاب العارفين بمسائل الإسلامية، وبعدها حاولت البحث وجمع ما بوسعي من الأجابات في الانترنت لأصل إلى جواب جامع وشامل عن هذه المسألة.
أختلف أهل العلم بهذا الأمر، أي هل يسقط عن هؤلاء المرضى الصلاة أم لا. فقد قيل أن ابن التيمية أفتى بسقوط الصلاة عنهم، وتبعه في ذلك أبي حنيفة، وأستدللوا بقول الله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، وأرجحوا على أن الصلاة لا تبقى صورتها أن لم تكن فيه شيء من القول والفعل، فآخر ما يقدر عليه المريض هو صلاة بإيماءة الرأس، فإن عجز عن ذلك، تسقط عنه الصلاة بالكلية.
أما غالبية العلماء فيتفقون على أن الصلاة تنتهي بغياب العقل وليس العضلات، لإن الأقوال والأفعال تبدأ بالنية، إذاً لا بد أن تنتهي بغيابها. فإن عجز المريض عن الأفعال، يكتفي بالأقوال وينوي الركوع والسجود، وإذا أستعصب عليه التكلم والحركة، يجوز عليه الصلاة بالنية ما دام عقله حاضراً. وهذا ما سلكه الحنبلي والشافعي، وابن القدامة، والغزالي، وأتفق عليه ابن العثيمين والمعاصرين الآخرين.
والأخيرة تعد أكثر منطقياً بالنسبة لي. لإن الأعصاب هو الذي يسيطر على عضلات الجسم والحنجرة، ومنه تبدأ النية أو إشارة المحفزة لباقي أجزاء الجسد.
هذه الإجابة أراح فضولي وجعلني أكثر إضطلاعاً بعلوم الأسلامية عندما يأتي الأمر لكيفية الصلاة هؤلاء مرضى؛ كوني ممرض جامعي، فإن أحد واجباتي هو تعليم وإرشاد المريض حول كيفية تأقلم مع المرض وشرح التغييرات الذي سيجري على أساليب حياته اليومية. مدعماً بهذه المعلومة، سوف أسعى بكل ما بوسعي لإرشاد هؤلاء المرضى المساكين كيفية صلاة الجائزة، فعسى أن أكون سبباً في ذكر المريض لله عز وجل.