ان المشكلة فيما يؤسس لها وصول طالبان لحكم أفغانستان الذي يمثل تراث بلاد الافغان الذي لم تزعزعه موجات التحديث الغربي ،بشقيها الليبرالي والماركسي، والمشهد الإنسانى الصعب والقاس على النفس فيه، أن ترى الناس يفرّون بحياتهم، تاركين بيوتهم وكل ما يملكون خوفا من سلطة تحكمهم، لدرجة أنهم يطلبون الحياة تعلقا ولو بالموت، هذا ما شاهدناه قبل أيام عندما خرج الأفغان يطاردون الطائرات الحربية الأمريكية ويتعلقون فى أجنحتها وعجلاتها، طلبا فى الغوث والهروب إلى مكان آخر بعيدا عن جحيم طالبان التى عادت للحكم بعد 20 عاما فى ظل تهاوى سريع للسلطة الأفغانية وهروب رئيسها ودهشة العالم لما حدث ووصول الحركة حاليا وانتعاش حركات العودة الى نموذج الخلافة وولادة جيل من المتطرفين المستعدين لمحاربة العالم المعاصر ونظامه الدولي ودخولها كابول والسيطرة على حكم البلاد دون أن تكرر نفس الأخطاء التي ارتكبتها في السابق عندما استولت لأول مرة على حكم أفغانستان عام 1996 لعلها امور صعبة التصديق و امريكا عند دخولها لافغانستان كانت تدعي لبسط الامن فيها ، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة أي بوادر لنشوء مثل هكذا حواضن مستقبلا، إلا أنها لم تقض عليها بشكل كامل لا بل ترك الامور بيدها في السيطرة على زمام الامور وبكل بساطة، على الرغم من القواعد العسكرية الضخمة التي أنشأتها أمريكا في المنطقة والتي اثبتت انها تعمل وفق نظرية الفوضى الخلاقة التي تتدخل بموجبها في شؤون الأمم وتترك الأمم مهيأة للقتال الداخلي فمتى يفهم زعماء الذلة في العالم ومتى تعي الشعوب هذا الدور القذر للويلايات المتحدة ، ومتى يفهم السياسيون انها لا تعرف الصديق الحقيقي انما مصالحها فوق الجميع امريكا نضع مصالحها فوق كل اعتبار. وبالتالي فإن قيمة أكبر عميل من عملائها لا يساوي عنده قيمة بعوضة. وحين تحكم تلك المصالح، فإنها ترمي بعملائها، جميعا، كبارا وصغارا، رجالا ونساءً، في سلال المهملات، بأسرع من المتوقع..!. هذا الاستعراض السريع لأبرز الأحداث التي عاشتها افغانستان هو من أجل أن نعيد للأذهان أن ما يجري اليوم في أفغانستان ما هو إلا تكملة لسيناريو، تم إعداده بشكل مسبق، ولا مجال للصدفة فيه، لأن انسحاب القوات الأمريكية بهذه الطريقة، وسيطرة «طالبان» على شوارع أفغانستان، وخروج الجماعات المتطرفة، للسيطرة مرة أخرى على دولة بمؤسساتها بشكل كامل، ومشاهد الآلاف الناس وهي تسارع بالفرار من مطار كابول، هي رسالة واضحة وصريحة لشعوب المنطقة أن انسحاب أحد أطراف المعادلة سيكون على حساب التوازن، ولن يكون هناك استقرار.
بعد فشل الإدارة الأمريكية في تمكين المجموعات الارهابية مثل داعش الارهابي وقبلها القاعدة في السيطرة وحكم العراق ، وتنظيم النصرة الارهابي ومتفرعاتها في حكم سوريا ، امريكا الان فكرت في خلق البدائل الاخرى واستطاعت من ان تنجح في تمكين حركة طالبان لاعتبارات كثيرة ومنها تغيير الخطط الاستراتيجية لمواجهة الصين وروسيا وجمهورية ايران الاسلامية وستعيد تموضعها قرب أفغانستان بحجة مراقبة ومحاربة المنظمات الارهابية لكنها وفي الواقع ستعقد اتفاقية مع طالبان مستقبلا وسوف ينجم عنها زيادة تأثير الإرهاب على الممر الجنوبي والأوسط لطريق الحرير الحديدي الممتد من الصين لأوروبا، يعنى أيضا سعيا أمريكيا إلى خلق منطقة فوضى على قريبة من روسيا والصين و لقد بدأت بالفعل عملية الاصطفاف الدولى والإقليمى داخل أفغانستان ، بالتنسيق والتعاون مع باكستان، لفتح قنوات اتصال وبناء توافقات مع طالبان، فى مواجهة إعلان أمريكا عن استمرار الدعم للحكومة الأفغانية أولها في تواجد أعداد كبيرة من الجيش الأمريكي ( خمسة آلاف جندي)، هذا التفكر والتخطيط الأمريكي وهذا الدعم لن يكون كافيا بالتأكيد لتحقيق الاهداف المرسومة وتعزز حكم طالبان، لكنه قد يكون أيضا شرطا لاستمرار مرحلة طويلة مطلوبة -أمريكيا- من الحرب الأهلية وعدم الاستقرار فى أفغانستان ،. في ظل منطقة مازالت ملتهبة ومستهدفة في نفس الوقت من خلال الحروب ودعم التنظيمات الارهابية والتدخل في شؤونها وتهديدها ومحاولة جرها الى الحروب لاضعافها ومحاولة جعلها تحت وصاية وحماية الدول الطامحة التي تحاول ان تضع يدها في كل مكان. فضلا عن أن التدريبات العسكرية التي بدأتها روسيا مع الصين من الآن لمواجهة خطر إرهاب طالبان على حدود جمهوريات وسط آسيا وفرضت نظرية الحسابات العسكرية رغم الأعباء الجديدة على ميزانيات الدفاع في روسيا وفي تلك الدول ولكن للضرورة احكام.
طالبان في افغانستان يعني هي تجسيد للفكر المتشدد والسلوك العنيف وقراءة شبكة علاقات مؤسسي الحركة وخريطة انتماءاتهم الجغرافية وجذور نشأتهم الفكرية ويكتشف المتفهم بسهولة أننا أمام النسخة الأكثر بداوة في صفوف الجماعات المتشددة، وهذه النسخة وإن كانت بحكم التكوين لا تسعى لحكم العالم تحت راية الخلافة كما يزعم أمراء التنظيمات الإرهابية الأخرى كداعش والقاعدة إلا أنها تمثل لهؤلاء ظهيرا وسندا ميدانيا سيفتح حدود أفغانستان أمام لاعبي مجموعات الإرهاب الدولي، لتعيد تشكيل ذاكرة سياسية متخمة بالصراعات والعداوات ينبغي الحذر وغير مستبعد أن يبدأ قادة الإرهاب في العالم في التواصل مع قادة الحركة فور استتباب الأمور في أفغانستان للتنسيق معهم وإرسال عناصرهم إلى كابل للتعاون مع حركة طالبان.