ربما يتذكر البعض، او لا يتذكر لا بأس ان نعيد شريط الصور كيف كانت القنوات الفضائية تنقل لقطات لجماعات إسلامية متطرفة تسكن الكهوف الأفغانية، وهم اقرب لشكل الانسان القديم ابرز تلك الشخصيات كان اسامة ابن لادن، وهو فزاعة وشخصية سريالية تم توظيفها لشرعنة الدخول الى افغانسان فيما بعد، وكان عند كل مقابلة للرجل أمام الكاميرا و يتوعد لأمريكا بالموت، وبعيد عن لغة التهديد والوعيد الأ انه منطقيا لم يكن للرجل اثر يذكر، الا بعد احداث ١١سبتمبر بعدما تبنت طالبان والقاعدة هذا الهجوم،في مشهد سينمائي تم تنفيذه بدقة عالية،على طريقة هوليوود وتصويره من عدة زوايا، ومناورة وتمثيلية اشترك بها عدة أطراف ومنها امريكا نفسها،لخلق موجة رأي عام دولي ينادي بضرورة لدخول المنطقة والقضاء على الجماعات(الإرهابية) .
كان هذا الحدث هو صافرة البدء التي اطلقتها امريكا للتحرك بأتجاه الشرق، والتأسيس لسياسة جديدة اتبعتها امريكا وهي (الاستباقية)، أي مباغتة الأهداف قبل ان تتحرك، وكأنها تتنبأ بسيناريو المنطقة مسبقاً، ان لم تكن هي من تكتب السيناريو أصلا، واستخدمت هذه السياسية في العراق، عندما عبئت الرأي العام الدولي بخطورة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وهذه كانت الحجة التي تعكزت عليها امريكا لشرعنة دخول قواتها، وهكذا كان دخول القوات الامريكية لافغانستان لأغراض بسط الأمن كما تدعي ومحاربة الإرهاب ومكافحة أي بوادر لنشوء مثل هكذا حواضن مستقبلاً، الا انها لم تقضي عليها بشكل كامل، رغم القواعد العسكرية الضخمة التي أنشأتها امريكا في المنطقة !
هذا الاستعراض السريع لأبرز الأحداث التي عاشتها المنطقة، هو من اجل ان نعيد للأذهان ان ما يجري اليوم، في افغانستان ما هو الا تكملة لسيناريو تم إعداده بشكل مسبق، ولا مجال للصدفة فيه، لان انسحاب القوات الامريكية بهذه الطريقة، وسيطرة طالبان على شوارع أفغانستان، و خروج الجماعات المتطرفة للسيطرة مرة أخرى على دولة بمؤسساتها بشكل كامل، ومشاهد الآلاف الناس وهي تسارع بالفرار من مطار كابول، هي رسالة واضحة وصريحة لشعوب المنطقة، ان انسحاب احد أطراف المعادلة، سيكون على حساب التوازن، ولن يكون هناك استقرار .
كذلك هناك شق اخر للموضوع بعيداً، عن المنظور السياسي وتوازن القوى، تعمل طالبان جاهدة، في عكس صورة مشوهة للإسلام، ومنفرة حيث بدأت بطمس معالم الحضارة في شوارع العاصمة الأفغانية كابول، من محال تجارية وتمزيق الصور، وكأن الإسلام لا يتماشى مع مظاهر الحياة، ورغم رسائل التطمين التي تطلقها طالبان، مثل ضرورة ان يكون هناك قناة للتواصل والحوار مع المجتمع الدولي، في إشارة انها تخشى الانعزال والمنبوذية، كذلك صرحت انها ستحترم حقوق المرأة والطفل، الا انها تبقى حركة يُنظر لها انها خرجت من الكهف، ولا يمكن ان يعم الأمان الا برجوعها اليه!