غضبة الناس في بلاد ما بين النهرين ، غضبة حق مشروعة ، وعلى الحكومة أن تخشى على كراسيها ، من ثورة المظلوم والجائع والمحروم والحليم . ألمتظاهرون أحرار وواضحون . إلغاء قانون المساءلة والعدالة ، أو تعديله وتنظيفه من العرج ، أو تطبيقه على جميع أحزاب العراق وتياراته السياسية ، العتيقة منها ، والجديدة التي تقوم على حكم البلاد الآن ، والتي أنتجت أسوأ نظام حكم ، وواحدة من أفسد الدول على الأرض . على الدولة أن تتعامل بوضوح وعدل وضمير ، مع حزب البعث العربي الإشتراكي . بمعنى أن هذا بعثي سيىء ، وذاك بعثي جيد ، مثلما هو الحال مع دعوجي سيىء ، ودعوجي جيد ، شيوعي سيىء ، وشيوعي جيد ، صدري جيد ، وصدري سيىء ، مع احترام فكر المفكرين كلهم ، ومنه فكر البعث ، والناس أحرار فيما يختارون ويميزون ، وهنا سنجد أن فكر وتنظير ودستور هذا الحزب أو ذاك ، هو كلام وتدوين ممتاز وجذاب ومفيد ، وهو مكتوب ومطبوع ومقروء ، لكنه قد يحيد ويفسد وينحطّ ، عند ركوبه كرسي الحكم وسلطانه ، وامتلاكه مفتاح خزنة بيت مال الرعية . في هذه المعادلة البسيطة ، سنرى أنّ الفكر جميل ، والعلة في التطبيق ، وبها لا ينبغي أن يؤخذ البشر بجريرة سوء التطبيق . في سنوات الحرب مع ايران ، أدخل الخميني ، فكرة تكفير الآخر المضاد وهدر دمه ، وأطلق على البعث العراقي مسمى ” حزب البعث الكافر ” ولأنّ الفكرة كانت سخيفة وكريهة ومتخلفة وغير عادلة ، فلقد استثنى الخميني من تكفيره هذا ، حزب البعث الحاكم سوريا ، لأن الشام وقتها ووقته ، كانت تزود ايران بالعتاد وبالبارود الذي يقتل العراقيين ، وبالدعاية ، وبخنق العراق من رقبة الماء والنفط ، حتى انتهت حرب الخميني المخبولة ، بهزيمة مرة ، وجلاجل مجلجلة ، وواقعة كأس السم المشهورة ، التي ردّها علينا ورثته والتابعون ، بأكثر منها ، ولكن بطريقة دونية جبانة ، تشبه ذاك الذي يأتي أخير تراب المعركة ، فيتعثّر بجثث ، فيستل حربته ، ويزرعها في ظهور الجثامين ، ناطراً من يصفّق لهذه المخزاة . أعيدوا كتابة دستور البلد ، أو نظفوه من الملغمات المفخخات المفرقات ، فالدستور ليس نصّاً مقدساً ، بدليل أن الناس تنام اليوم على سرقة ، وتصحو غداً على مقتل ، والدستور شمّاعة قائمة مثل تمثال مخلوق من تمر رديء . إنهوا كل عمليات التثقيف على الكراهية ، والتجهيل ، وخداع الناس ، وغسل أدمغتها ، بطقطوقة ، أنّ القائم في بغداد الآن ، هو دولة شيعية مستعادة ومستردة . علّموهم أن النبش الطائفي الإنتقائي في مدافن التأريخ ، هو أقصر الطرق لقتل البلاد . لا تجعلوا واحدهم يتلذذ بثأر ميّت منذ ألف وأربعمائة سنة . دعوهم يقرأون التأريخ ، لكن لا تجعلوا واحدهم ، يكره جاره ، وقد يقتله ، لأنه معجب بشخصية عمر بن الخطاب ، أو أنه ينزل ذراعيه المتشابكين من على بطنه ، ويسبلهما على جنبيه وقت الصلاة . دعوهم يختلفون ويتضاددون ويتجادلون بالتي هي أحسن ، بعدها سيتفاهمون ويتسالمون ويتعايشون ، ويقول بعضهم لبعض : لك فكرتك ومساندها ، ولي فكرتي وحججي ، وتبقى أنت أخي وانا أخوك الذي إن استنجدت به ساعة ضيق ، قال لك : يا عونك .
فعّلوا لافتة ” من أين لك هذا ” وأعيدوا أموال وبيوت ومنافع الناس ، من بطون الحرامية والحراميات ، فمن يأكل حق الناس ، فقد أكّلهُ الله ناراً في أمعائه . لا تشتروا الولاء بالفلوس ، لأن الأنصار من هذا النوع ، ستنقلب عليكم في أول هبّة معكوسة . تصالحوا وتسالموا وتحاببوا وتوائموا . لا تنصتوا لأمريكا الوغدة ، أُس وأساس البلاء ، لأنها تفضّل طاسة نفط على برميل ديمقراطية . دعوا الشيعي شيعياً ، والسنّي سنياً ، والصابئي صابئياً ، والمسيحي مسيحياً ، واليهودي يهودياً ، ولا تجعلوا الناس تبدّل ايماناتها تحت سلطة المال ، وسلطة السيف . تحاوروا بجميل الكلام ، وتعارضوا به ، وطوّلوا رقابكم ولتكن مثل رقبة بعير ، يسير فيها الكلام ويسيح طويلاً ، فيتنقّى ويتشذّب ، ويصير للسامع ، رحمة ونعمة ودواء وشفاء .
[email protected]