يكاد يخلو الحديث الأجتماعي بين العراقيين من كل أشكال الطائفية والعرقية بل يصل الحد بالغالبية العظمى الى الأنزعاج وثورة الغضب النفسية من التعمق في تفاصيل ” هذه النكبة”، التي زرعها السياسيون ليحصدوا فترة اضافية من الحكم لا أكثر، خاصة وأن المزاج الشعبي في العراق يضيق ذرعا بمحاولات تجذير الفوارق على أسس غير منطقية.
وهذا لم يأت من فراغ لأسباب كثيرة من بينها أن كل عشائر العراق موزعة على الأخوة العراقية قبل المذهبية، وثانيا أن عامل الجغرافية و” غزوات ” الغرباء من عثمانيين وفارسيين هي التي أسست لهذه المفارقة التاريخية، وثالثا أن الخصومات العشائرية و البحث عن مصادر الرزق ربما هي السبب الأقوى في تنويع خارطة الأنتماءات الضيقة، فالذي سكن النجف ذهب الى خصوبة تراثية و من ذهب الى كركوك وجد مناخا أخر ” تعود عليه”، والحال ينطبق على كل أرض العراق.
و العراق يتميز عن الغير من دول المنطقة في عدم توزيع السكان على خارطة طائفية، حيث تتداخل الأحياء و الأزقة لتشكل خليطا منسجما من التقاليد والعادات وحتى الشعائر الدينية، بحيث يتقاسم الجميع الولاء لأهل آل البيت الاطهار، ويتقاسمون حتى مفردات العشق و اللون و ذوق ألاختيار لأنواع الملابس، ومن عاش في الأقسام الداخلية الطلابية وثكنات الجيش يتذكر ذلك جيدا، لذلك فان من ” سخريات القدر” أن يبحر السياسيون طائفيا و يرفض المواطن ترك قارب النجاة العراقي ، قناعة منه بأن الولاء الى الوطن هو أعمق من الطائفة والعشيرة والحزب و الجماعة.
حتى مراحل قريبة جدا لا يجروء العراقي على سؤال صديقه ومحبوبته عن القومية والمذهب، قناعة منه أن البيت الكبير هو العراق و طقوسه أعمق من الولاءات الطارئة، لذلك تنوعت المصاهرة و تعددت أشكال العمومة بعيدا عن العرق و حتى الدين، بدليل التزاوج بين المسيحيين والمسلمين بلا قيود أو هواجس، ما أسس لمواطنة عراقية حقيقية ظلت أعمق من تحزب السياسيين و ندمائهم العابثين.
وعندما أبتلي العراق بمحاصصات الأحتلال لم يسألوا المواطن عن وجهة نظره بل فرضوا عليه طقوسا لم يتعود عليها، ليبدأ الشحن السياسي المؤدلج خارج رحم العرىٌ بهدف التغطية على فشل جماهيري و مقبولية وطنية، خاصة وأن العراقي يكره بالفطرة الأحتلال و العملاء ولم يتعود التعايش مع أجوائهم و توجهاتهم، لتبقى الهوة عميقة بين طرفي معادلة غير متوازنة تسببت في شرخ ” مؤقت” في مزاج العراقين بدليل النفور الشعبي من افكار الحرب الأهلية والعرقية والطائفية، التي جمع السياسيون كل حطبها، فيما حملت أيادي العراقيين الماء الكافي لتحويلها الى ” زبد تأنف من رائحته أنوف العراقيين العالية”.
و لأننا جربنا كل المراهنات و خرجنا من مولدها بحب العراق و حرمة دمه و أخوته، فان الوقت قد حان لاسماع صوت الرفض المطلق لسياسة التطفل على وحدة البلاد والعباد، و اسماع السياسيين صوتا جديدا يقول أن طائفيتنا ” حزام ظهر ” للتكاتف الأخوي بحيث يكون الدين في مكانه العالي و الوطن للجميع بلا تفرقة، طائفية العراق مناطقية ومن يفكر بذلك بحاجة الى درس اضافي في ” محو أمية المراهنة على الأستثناء في التاريخ”، و من هنا لن يكون العراقيون طائفيين حتى لو تناخت من جديد كل معاول الغدر الأجنبية، ومنطقهم (عراقيون نحن ولدنا من رحم واحد و نبقى أخوة بلا مذهبية أو عرقية) .
والذي يرفض ذلك من السياسيين يتبصر من على تل الفشل في ذكاء الحرباء و سرعة جريان السحلية و عبقرية ” السعلوة “، طائفية العراق جغرافية كانت و ستبقى بعيدة عن العقائدية المسيسة و النعوش العاجية، فهل يتذكر سياسيو ” المراحل الأبتدائية”؟ .
ليس مهما فقد شيع العراقيون نعش الطائفية وبدأوا مهمة رفع البيت من القواعد على أسس وطنية والقادم من الأيام سيؤكد أنهم يتنفسون برئة موصولة بشرايين آل البيت ” ع” من الحسين الى العباس مرورا برحم سيدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الانسانية، و زوجة رفيق دربه علي الذي كرم الله وجهه وأصحابه العظماء من ابي بكر وعمر وعثمان الى اعتزازهم بجدهم الكيلاني فانهزمت أمام كبريائهم سيوف الجاهلية، التي يحاول البعض استنساخها بعد أكثر من 1400 سنة بخناجر غدر طائفية.
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]