22 ديسمبر، 2024 10:26 م
أُصيب بوباء كوفيد-19 منذ كانون الأول سنة 201‪9 حسب إحصاء  وكالة «رويترز» لغاية الخميس الماضي نهاية آذار 2021‪ ما يزيد على 124 مليوناً و52 ألف نسمة  في 210‪دول  اعتماداً على بيانات وزارات الصحة والمسؤولين الحكوميين ، ووصل إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس إلى مليوني و865 ألف و437 حالة ،لكنَّ  هذا لم يمنع الناس من التفكير في السعادة، والسعي في تحصيلها .
يتنازل بعضهم عن هذا المطلب ـ ربَّما لكثرة العقبات التي يواجهها ـ ويحاول دفع الألم بدلاً من الحصول على السعادة، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ تتواضع أمنياته، فيسعى إلى إيقاف الألم فقط، أو التقليل منه بدلاً من الاستسلام له !
وكل هذا عملٌ مشروعٌ لكل انسانٍ طبيعيٍّ يعيش على وجه الأرض.
يقول الشاعر الجزائري رياض بو حجيلة :
ماضٍ على الدرب لا أنأى.. ولا أصلُ
ما هدّني اليأس.. لكن هدّني الأملُ !
لكن ما السعادة ؟ التي يبحث الإنسان عنها طوال حياته، وتجتهد مراكز الأبحاث في وضع سلَّمٍ عالميّ لذلك؟
هناك دولٌ كبيرةٌ في المساحة، وعدد السكان لم تحصل على مرتبةٍ جيدةٍ في سلم السعادة،في حين حصلت دولٌ صغيرةٌ على رتبةٍ متقدمةٍ في السلم.
قرأتُ تقرير مؤشر السعادة العالمي الذي نُشر يوم السبت العشرين من شهر آذار  2021‪بالتزامن مع احتفال الأمم المتحدة باليوم الدولي للسعادة، وأسفر عن تربع فنلندا على قائمة الدول السعيدة للسنة الرابعة على التوالي بوصفها أسعد مكانٍ للعيش فيه في العالم، مع أنَّ درجة الحرارة فيها تنخفض في الشتاء إلى ما دون الصفر،
ولا تتجاوز عشر درجات مئوية في الصيف، ويكون مناخ فصلي الربيع والخريف بين الدرجتين !
أي أنَّه لا علاقة للمناخ بالسعادة !
لنتوقف قليلاً عند فنلندا التي يبلغ عدد سكّانها  5,537,994 نسمة وفقاً لإحصائيات بيانات الأمم المتّحدة التي أجريت في شهر آذار لعام 2020م، أي ما نسبته 0.07% من إجمالي عدد سكّان العالم، وتحتلّ فنلندا بذلك المرتبة 116 في قائمة دول العالم من حيث عدد السكّان.
تتبع الغالبية العُظمى من سكّان فنلندا الديانة اللوثرية، إذ تصل نسبتهم إلى 70% من إجمالي عدد السكّان، واللوثرية فرع من أكبر فروع البروتستانتية التي تنتسب إلى تعاليم الراهب والقسيس، وأُستاذ اللاهوت والمجدد الألماني مارتن لوثر ( 1483 م – 1546م)، في حين يتبع الديانة الأرثوذكسية الشرقية ما نسبته 1%، أمّا النسبة المتبقية من سكّان الدولة فيتبعون ديانات أخرى، وهي: الإسلام، والهندوسية، واليهودية.
يتحدث معظم الفنلنديين اللّغة الفنلندية وبنسبة تصل إلى نحو 87% من إجمالي عدد السكّان، ويتحدث نحو 5% منهم اللّغة السويدية، كما تتحدث نسبةٌ قليلةٌ منهم اللّغة السامية، أمّا اللّغات الأخرى في الدولة فهي: الروسية، والإستونية، والعربية، والصومالية، والإنجليزية، والكردية، والصينية، والألبانية، والفيتنامية، والفارسية.
نظام الحكم  في فنلندا جمهوري برلماني.
يبلغ معدل أعمار الرجال 79 سنة، وأعمار النساء 84 سنة، ويبلغ معدل إجمالي دخل الفرد 49 ألف دولار سنوياً، وهو الدخل الأعلى في العالم، والعملة الرسمية في فنلندا هي اليورو الذي يعادل 1.18دولار أمريكي.
لم يحل طائر السعادة جزافاً على فنلندا بل هناك جهودٌ كبيرةٌ بُذلت من الدولة الاسكندنافية الصغيرة التي حصلت على حكمٍ ذاتيّ من السويد مطلع القرن التاسع عشر، واستقلت عن روسيا سنة 191‪7م.
حققت هذه الدولة الباردة مستوىً من الرفاه، والتعليم الجيد جداً، والضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية،والعيش الرغيد؛ فالأم الفنلندية العاملة مثلاً تتمتع بإجازة أمومة تبلغ 18 أسبوعاً، ثمَّ تُمنح بعدها إجازة تبلغ 26 أسبوعاً تتقاسمها مع الأب الذي يُمنح هو الآخر إجازة أبوة !
أما تعاطي فنلندا مع جائحة كورونا، فوفقاً لجامعة جونز هوبكنز بولاية ماريلاند الأمريكية فإنَّ فنلندا  أفضل بكثير من معظم دول أوربا خلال مدة الوباء، واحتلت مرتبةً عاليةً جداً في معايير الثقة المتبادلة التي ساعدت على حماية الأرواح، وسبل العيش أثناء جائحة كورونا ، وسجلت نحو 70 ألف حالة إصابة، و 800 حالة وفاة، وهذا يُشير إلى أنَّ السعادة لا تعني السلامة من الوباء !
بحسب مؤشر السعادة الحالي، فإنَّ أسعد عشر دول حسب الترتيب هي:فنلندا، ثمَّ الدنمارك، ثمَّ سويسرا، ثمَّ إيسلندا، ثمَّ هولندا، ثمَّ النرويج، ثمَّ السويد، ثمَّ، لوكسمبورغ، ثمَّ نيوزيلندا، ثمَّ النمسا.
واحتلت استراليا المركز 12،والولايات المتحدة الأمريكية في المركز 14،  وبريطانيا في المركز 18، وجاءت الصين في المركز 84.
أما الدول العربية فتأتي السعودية في الصدارة عربياً ، وفي المرتبة 21 عالمياً،ثمَّ الإمارات ثانيةً  في المرتبة 27 عالمياً، ثمَّ البحرين في المرتبة الثالثة عربياً، والـ 35 على مستوى العالم، ثمَّ تحل المغرب رابعةً، وفي المرتبة 80 عالمياً، ثمَّ يحل العراق خامساً عربياً، وفي الترتيب 81 عالميا، ثمَّ تأتي تونس في المرتبة السادسة عربياً ، و82 عالمياً، واحتلت مصر المرتبة السابعة عربياً ، و87 عالمياً،وحلت الأردن في المرتبة الثامنة عربياً ، و93 عالمياً.
دوخّتكم بالأرقام، لكنها لابدَّ منها لمعرفة شيءٍ أقرب إلى الواقع،فلغة الأرقام تتحدث أفضل من لغة التوقعات، ولغة المقاهي !
أُطلق تقرير السعادة العالمي للمرة الأولى عام 2012، وهو عبارة عن مسحٍ سنويّ تجريه “شبكة حلول التنمية المستدامة” التابعة للأمم المتحدة.
وتقوم شركة البيانات الأمريكية “غالوب Gallup” بجمع البيانات بعد أن تطلب من أشخاصٍ يعيشون في 149 دولة تقيّيم درجة سعادتهم ،واقتصر الاستبيان هذه السنة على 95 دولة؛ بسبب جائحة كورونا ، و تتضمن معايير قياس السعادة عشرة أسئلة منها ما يتعلق بالدعم الاجتماعي الذي يشعر به المرء في حالة وقوع مشكلةٍ ما ، والحرية الشخصية باتخاذ القرارات، والناتج المحلي الإجمالي، ومتوسط الأعمار، والكرم، ومستويات الفساد.
وقد اعتمد تقرير هذه السنة على قياس تأثيرات جائحة «كورونا» على الدول،واستجابة المؤسسات الرسمية لتداعيات الجائحة، وطرق السيطرة عليها، ومواجهة تداعياتها الصحية، والاقتصادية، والنفسية، وقياس أثر الجائحة على بيئة العمل، وطبيعة العلاقات الاجتماعية، والصحة العقلية للأفراد، والثقة بالإجراءات الحكومية،ونسب البطالة، ونتائج عدم المساواة، وتفشي الوحدة.
أما الدول الأكثر تعاسة في العالم فهي – كما ورد في التقرير – أفغانستان، ثمَّ ليسوتو (في أقصى جنوب قارة أفريقيا)، ثمَّ بوتسوانا، ثمَّ رواندا ثمَّ زيمبابوي !
نتساءل بعد هذه الجولة مع عالم الأرقام :هل يمكن القول: إنَّ السعادة هي في توفر المال، والصحة، والأمن، والعيش الكريم ؟ هل هي في طريقة العيش ببساطة، واعتدال ؟
هذه الأشياء التي ذكرناها يمكن أن تكون من أسباب السعادة، لكنّها ليست السعادة !
ستظل السعاده  ذلك الطائر الذي يحلّق بعيداً عن الناس، وسيدرك المرء في مرحلةٍ ما من مراحل حياته أنَّ طريق السعادة ليس في امتلاك الأشياء بل هو في مقدار الانتفاع بها.
هل يمكن القول :إنَّ السعيد  هو الشخص الذي لا يطلب السعادة !

*نُشر في جريدة أوروك العدد (31) الصادر يوم الثلاثاء الموافق 2021/3/30 م، ص12