23 ديسمبر، 2024 6:07 ص

طائرات سومر ومطارات العقل

طائرات سومر ومطارات العقل

لم يكترث العراقيون كثيرا لمحرقة اطفال اليرموك، ولا لسرقة مليارات الدولارات من اموالهم واموال ابنائهم، ولا لهدم دولتهم وتمزيق هويتهم، مثلما فعلوا بعد ان أنباهم العراف فنجان ان اجدادهم السومريين كانوا اول رواد فضاء في كوكب الارض، وأخذوا يبحثون في القديم من المخبوء والمعلن وينشرون ما حصلوا عليه في مواقع التواصل الاجتماعي وكانت اندر النتائج هي العثور على فرشة اسنان قيل انها تعود لاحد اجداد الوزير القمقم الجعفري وهي مصنوعة من الحلفاء كما يعتقد، كانت ضمن حطام احدى طائرات كيش التي تحطمت بسبب خلل فني لم تعرف طبيعته بعد، وربما ستكشف لنا الايام القادمة طلاسم كثيرة كان وزير النقل فنجان قد احتفظ بها مؤمنا بالمثل القائل ( المعلومة البيضاء تنفع في الايام السوداء) والوزير فنجان واحد من المثقفين والمؤرشفين الموسومين بالرصانة وكان حكيما وواقعيا وذكيا في كتاباته عن بعض الشخصيات والحوادث والاحداث التي لعبت دورا في تاريخ العراق وخاصة البصرة والموانيء باعتباره قرصانا سومريا سابقا، الا انه بعد الاستيزار، وبعد لقائه بشلة المعتوهين الحاكمة، وجد شيئا لم ينتبه اليه العراقيون سابقا، وهو ان كل الزمرة الحاكمة العراقية بسياسييها ورجال دينها ودنياها عبارة عن نماذج متأخرة للزواحف التي نسج جيناتها السومريون، فاعتقد انهم ليسوا سوى دليل اكيد على صحة نظريته التي لم يتمكن من ايصالها بالكامل الى العقل العراقي المتدبر والمتنور والمؤمن بامكانية الاصلاح والليالي الملاح، واذا كان بعض مهلوسي الغرب يعتقدون وينشرون الاخبار بان اوباما وهلاري كلنتون هما من الزواحف السومرية، فان الاولى بالعراقيين كما يرى الوزير فنجان ان يصدقوا ان الوزير الجعفري ومفكر حزب الدعوة عباس البياتي والى جانبهم الباقري النجفي واخرين ، هم ايضا من العاهات والزواحف السومرية، الا ان الوزير اصيب بصدمة قوية بسبب عدم تفاعل العراقيين مع افكاره ونظريته وانهم رفضوها جملة وتفصيلا بسرعة ودون تدبر ، واشعلوا مواقع التواصل بالنكات والتحشيشات الساخرة والمسفهة لكل ما اتى به من استدلالات ومصادر وارشفات عن حقيقة وجود الزواحف وحضارتها القديمة، مع ان الزواحف هم من يحكمون العراق الان وهم من يسرقون امواله وهم من يشعلون الحروب ويستبحون الدماء والحرمات..عتب الوزير على العراقيين كبير جدا، وراح مع كل اتصال ياتيه من رفاقه وزملائه قبل الاستيزار، او من الزواحف بعد الاستيزار، يؤكد لهم ان كل ماقاله صحيح ومنطقي ولديه ادلة لايعرفها الكثير من المؤرخين ( حسب تصريحه في الناصرية) تثبت صحة نظريته، وان العراقيين اصابهم الجهل الى حد انهم لم يتفكروا لحظة واحدة في ما اذا كان كلامه مقبولا ام لا، صحيحا وحقيقيا ام انه نسيج خيال انتجه كرسي وزارة لم يكن يحلم به او يصل اليه هو وغيره لولا قلة الخيل.. احد قادة التحالف الوطني وبعد ان اتصل بالوزير فنجان معاتبا على ما اثارته تصريحاته من ردود افعال لدى الجمهور، راح ينظر الى جسده في تواليت مجلس الوزراء ليتاكد من انه بشر سوي وليس من الزواحف الآشرة التي اشار اليها فنجان، فقد ملأ فنجان اذان هذا المتصل بقائمة اسماء لمؤرخين ومنظرين لم يسمع بهم من قبل ولم يقرا لهم طبعا سابقا، فتاريخ السومريين لايدرس في الحوزة ولا في دهاليز السياسة..يرى الوزير فنجان ان مشكلة العراقيين هي تسفيههم لكل فعل وقول يرد من اي مسؤول، فقد سفهوا قبله الجعفري، وعبعوب في الزرق ورق، وسفهوا الفهداوي في الكيزر، وسفهوا عمار الحكيم وعلاوي والنجيفي والعبادي والجبوري والقنفة، واخرين كثيرين قبله، معيبا على الجماهير تعجلها وعدم اشغال عقلها واثارة الاسئلة، ويرى ايضا ان تصريحه عن السومريين، لو كان قد صدر عن المرجعية او رجل دين مهم من الزواحف فان رد فعل العراقيين لن يكون كما هو الان؟.. 

العقل وإشغاله اذن هي مشكلتنا في التعامل مع الاحداث، ولعل افضل عنوان لهذه المقاربة هي( موت العقل العراقي) الذي تحدى بمسيرته عبر الاف السنين كل ما يمكن ان يقترب من نقد العقل للالماني (كانط)، أو محاولات بعض العرب الذين جهدوا في تحليل ازمة العقل العربي، فبين برهان غليون الذي دافع عن العقل في ( اغتيال العقل )، الى  البحث عن معاييره واساسيات بنائه لدى محمد عابد الجابري ومحمد اراكون ، الى المدرسة الفرنسية الحديثة، والى عقل الحداثة وعقل مابعد الحداثة، واخيرا  صدمة العقل لدى الوزير فنجان الحمامي، فالعقل العراقي وفق حسابات المنطق خارج منظومة البحث والاستدلال، ووفق قياسات المدرسة القديمة التي ترى ان العقل هو مجموع المباديء الصلبة المنظمة للمعرفة كمبدأ عدم التناقض، ومبدأ السببة ومبدأ الغائية، وان نشاطه ينحسر بالتجريد والتحليل والتركيب والاستقراء ومن ثم الاستنتاج ، فانه لم يتجرد ولم يحلل ولم يركب ولم يستقريء ومن ثم يستنتج كيف يمكن لمحمد الدراجي ومحمد الكربولي ومحمد تميم ان يكونوا وزراء في عصر العلم والتكنلوجيا والجينات والاتصالات، ولم يفعل ذلك أيضا ليسأل نفسه كيف يمكن لشخصية تعاني من الجنون والهلوسة ان يكون مرة رئيس وزراء ومرة وزير خارجية، وكيف يمكن لشخص يؤمن ويحلم بنظرية النقل العمودي في بلد لايمتلك بناية من 30 طابق ان يكون رئيس وزراء.. العقل العراقي واستنادا الى تاريخية او حركية العقل ذاته، كان قد سقط من الرأس ليستقر في القلب، فاختلط لديه الفكر بالعاطفة، فالجمهور يهجم غاضبا على من يمثل دور الشمر حين تنتهي القصة بقتل الحسين، ويتبرك بـ ( تفلة السيد) لان فيها الرزق والشفاء، ويعيش اوهام القبيلة في عصر الاتصال واختصار الزمن، وهو ايضا ذات العقل الذي يدعي ان السومريين كانوا يجوبون الفضاء بمركبات دون ان يسأل نفسه سؤالا واحدا بسيطا: اذا كانوا يمتلكون كل هذه التكنلوجيا فلم كانوا يكتبون على الواح من الطين؟.. هذا السؤال يحطم اول مبادئ العقل، وهو عدم التناقض، العقل العراقي ايها الوزير فنجان، لايعرف ثقافة السؤال، لان السؤال لغير الله مذلة[email protected]