23 ديسمبر، 2024 5:24 ص

ضياع الإمتيازات بتعدد التشريعات والإجتهادات الخاطئة ؟!

ضياع الإمتيازات بتعدد التشريعات والإجتهادات الخاطئة ؟!

القسم الرابع
لعل من المناسب بحث موضوع كيفية إلغاء التشريعات بالصيغة الأفضل التي توصلنا إليها في نهاية القسم الثالث ، لوجوب الإستناد في تحليل الأحداث المتأثرة بالتوجهات السياسية إلى وقائع تأريخ حصولها ، تيسيرا لفهم تفاصيل الدوافع المختلفة لموضوع كل تشريع ، وتحديد مساحة شمول فاعليته المستندة إلى التوجهات السائدة حين العمل بموجبه ، إذ ليس من البحث العلمي معالجة جزء من حالة الفشل والفساد ، إلا إذا كانت مساهمة في إحياء الجزء الآخر وانتشاره ، بسبب عدم الإختصاص أو عدم الكفاءة والخبرة العملية في تشخيص الخلل وإستحضار أدوات معالجته اللازمة . وزيادة في الإيضاح فقد وجدت المشرع غير آبه بحدود إستيعاب المتلقي للتشريعات وتفاصيلها ، سواء كان الآتي من بعده مشرعا أو باحثا أو موظفا تنفيذيا أو مواطنا راغبا في الإطلاع ، خاصة فيما يتطلب وجوب التمييز الدقيق بين النافذ أو الملغى من التشريعات ، بإستخدام عبارات ( ولا يعمل بأي نص يتعارض وأحكام هذا القانون ) أو ( ولا يعمل بما يتعارض وأحكام هذا القانون دلالة أو صراحة ) ، بدلا من الإشارة الواضحة والصريحة إلى رقم وتأريخ التشريع الذي تتعارض أحكامه مع نص القانون الجديد ، إلى الحد الذي وجدنا فيه إلغاء بعض التشريعات لمرتين ، مما يدل على عدم إلمام المشرع ذاته بكل ما يتعارض من النصوص القديمة مع أحكام التشريع الجديد ، الناسخ لما قبله من التشريعات النافذة وليست الملغاة ، إضافة إلى ما يقدمه الإلغاء الصريح من خدمة تشريعية ضامنة لحسن التنفيذ ، بدلا من ترك التطبيقات الجديدة أسيرة لإجتهادات متعددة وغير مؤسسة على سند متين ، وعليه لا نجد غير الإيضاح من البيان ، بأن إلغاء التشريعات قائم على ثلاث حالات هي :-

أولا- الإلغاء الصريح :- وهو ما يشار فيه إلى رقم وتأريخ التشريع القديم ، لتعارض أحكامه مع أحكام التشريع الجديد كلا أو جزءا ، مثل :-

1- الإلغاء المباشر :- تقرر بموجب القانون رقم (94) في 3/11/1986 ، إلغاء القانون رقم (33) لسنة 1985 ، القاضي بشطب قيمة أربع بواخر وبيعها .

2- الإلغاء ببديل تشريعي :- نص قانون المصرف الصناعي رقم (22) في4/7/1991، بموجب المادة (28) منه ، على أن ( يلغى قانون المصرف الصناعي رقم (62) لسنة 1961- المعدل ، وتبقى الأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجبه ، نافذة بما لا يتعارض وأحكام هذا القانون إلى حين صدور ما يحل محلها ) .

ثانيا- الإلغاء الحكمي :- وهو ما لا يشار إلى إلغاء التشريع القديم صراحة في التشريع الجديد ، وإنما يستدل عليه بإحلال أحكام التشريع الجديد محل أحكام التشريع القديم ، أو للتغير الحاصل في مضمون التشريع القديم بدلالة مضمون التشريع الجديد المخالف لسابقه ، مثل :-

1- يعتبر القرار المرقم (1168) في 29/10/1977 ، الخاص بإعتبار سنة رسوب المجاز دراسيا إجازة إعتيادية بدون راتب (ملغي حكما) ، بسبب تعديل أحكام المادة (50) من قانون الخدمة المدنية لأكثر من مرة ، وإحلال أحكامها محل أحكام أي قانون أو قرار يقضي بغير ذلك ، حيث كان آخر تعديل لها بموجب القانون رقم (14) في 11/8/2009 .

2- تقرر بموجب القرار المرقم (925) في 26/12/1988، إلغاء القيود التي تحد من دخول العربي أو الأجنبي إلى العراق الواردة في القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات ، وبذلك تعتبر جميع التشريعات السابقة للقرار المذكور (ملغية حكما) ، وكذلك الحال بالنسبة لقرارات فرض رسوم السفر على المواطنين العراقيين ، الملغاة بالقانون رقم (46) في26/8/2007.

ثالثا- الإلغاء الضمني :- وهو إلغاء التشريع النافذ بسبب الغاء التشريعات التي يتضمنها بقصد تأكيد عدم فاعليتها مثل : القرار المرقم (1353) في 13/11/1985 ، المتضمن إعفاء الموظف المستقيل لغرض الدراسة من النفقات الدراسية ، وتطبيق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم (200) في 12/2/ 1984 ، القاضي بسجن الموظف المنقطع عن عمله بدون عذر مشروع لأكثر من ثلاثة أيام ، ولم يلتحق بوظيفته بعد إنتهاء مدة الإخطار الموجه إليه ، بسبب فصله من الدراسة لأي سبب كان ، وحيث ألغي القرار المرقم (200) في 12/2/1984 بموجب القرار المرقم (170) في 5/6/1991 ، كما ألغيت إجراءات توجيه الإخطار للموظف الذي لم يلتحق بعمله بعد إنقطاعه ، بموجب القانون رقم (1) في 23/1/1999 ، إضافة إلى إلغاء القرار المرقم (521) في 7/5/1983 ، القاضي بإستيفاء النفقات الدراسية من الموظف المستقيل لأي سبب كان بموجب القرار المرقم (171) في 5/6/1991 ، ومتابعة شؤون الدارسين وفقا للضوابط والتعليمات الخاصة بذلك ، مما أفرغ القرار المرقم (1353) في13/11/1985 من مضمونه الفاعل ومحتواه النافذ بشكل كامل ، حيث لم يعد ما يتخذ إستنادا إليه من الإجراءات ، مما يعني إعتباره ملغي ضمنا .

ودفعا للإشكالات المترتبة على إعتماد إلغاء التشريعات بصيغتي الإلغاء الحكمي أو الضمني ، في تحديد إستحقاقات المواطنين في جميع المجالات والحالات ، بسبب ضعف الثقافة القانونية من حيث التشريع أو التنفيذ ، نرى إعتماد صيغة الإلغاء الصريح القائم على الإشارة إلى رقم وتأريخ التشريع القديم ، لتعارض أحكامه مع أحكام التشريع الجديد كلا أو جزءا ، وكما هو موضح في البند (أولا) متقدم البيان . لثبوت أن التدرج التاريخي للتشريعات أساس وقاعدة بحثها ودراستها ، وتمكين الباحثين والدارسين من تتبع الناسخ والمنسوخ منها ، وتمييز المستخدم من الألفاظ فيها ، لغرض تحديد الاستحقاقات بموجبها ، بعيدا عن دمج الأسانيد القانونية المختلفة مع الاجتهادات غير المؤسسة على نص قانوني متين . والتي تعد من أركان المشاع والمعلن من حالات الفساد الإداري والمالي القائم منذ إحتلال الوطن العزيز سنة 2003 ولغاية الآن ؟!. وما أدراك بماهية المخفي منها ؟!. والتي لا تفسر إلا بقصد إيقاع الضرر بأحد طرفي معادلة المستفيدين ( الحكومة أو الموظف ) بالقدر المتحقق عند التنفيذ ، حين نعلم بنشر قانون التقاعد في 10/3/2014 ونفاذه بأثر رجعي إعتبارا من 1/1/2014 ، وقد سبقه التعديل الثاني لقانون الخدمة الجامعية النافذ إعتبارا من 3/2/2014 ، وتلك الفاصلة الزمنية في التشريع بين القانونين ، تتيح للمشرع إستخدام النص الصريح على إلغاء مكافأة الهيآت التعليمية والتدريسية ، المنصوص عليها في القانون رقم (12) لسنة 2012 وفي المادة (3/ ثالثا) من القانون رقم (1) لسنة 2014 ، بدلا من صيغة النص القابل للتأويل في ظل حضور الرؤية غير المهنية في منح الحقوق والإمتيازات ، إلى حين إزالة الغطاء عن تفسير إلغائهما في 17و25/3/2015 من قبل وزارة المالية وهيأة التقاعد الوطنية ، دون الإفصاح عن الأسباب الموجبة لذلك ، مع تسلم المحالون إلى التقاعد من أعضاء الهيئات التعليمية والتدريسية لمبلغ المكافأة موضوع الطعن خلال المدة من 1/1/2014 ولغاية 25/3/2015 ، وهم ودوائرهم لا يعلمون بذلك إلا بعد الإلغاء المفاجئ والقائم على الإجتهاد الخاطئ بعد مضي سنة وثلاثة أشهر على التشريع ؟!. بدليل عدم المطالبة بإسترداد المصروف منها خلافا لأحكام القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951- المعدل ، الذي قرر حماية الأموال العامة مدنيا وجنائيا ، كونها مخصصة للنفع العام ولا يجوز التصرف فيها على أساس النفع الخاص أو الحجر عليها ، أو تملكها بالتقادم بما يعني منع نقل ملكيتها إلى واضع اليد عليه ، وعدم جواز تبرير تملكها بسبب إنفاقها بعد تسلمها ، وإن كان ذلك عن طريق الخطأ في الإجراءات الإدارية التنفيذية . مع صمت المستفيدين وعدم إعتراضهم وقبولهم بمكافأة نهاية الخدمة الممنوحة بضعف المكافاة المهنية بملايين الدنانير ، خشية إلغاء الأكثر نفعا والأضعف سندا في قياسات الإستحقاق الأصيل ، ونحن في إنتظار الرأي القانوني السديد ، بوجوب إعادة النظر في التشريع ، على وفق غير ما تقدم من سوء التقدير ، إن كان هنالك من يسمع نداء إعلان الحرب على كورونا الفساد الإداري والمالي والتربوي ؟!. في تشريعات بعيدة عن رشوة العقول وإفساد الذمم ، بما لا يليق ومهنة إقرأ بالتعليم والتدريس ؟!