يقول الدكتور المفكر علي شريعتي رحمه الله {أن إنسان اليوم يحتاج الى معرفة علي لا الى حبه فالحب بلا معرفة لا قيمة له ولا وزن بل هو ملهاة مخدرة ومثبط يعطل الإنسان } فالضمير هو الحد الأعلى الذي يحكم أخلاقيات الإنسان لأنه يحكم على الفكر والنية وحتى على مشاعر القلب الداخلية ,الذي يفتقر لامتلاك الضمير يفتقر لهوية أن يكون إنسان يشعر ويتحسس لمعاناة الناس ,نحتاج لضمير علي الذي ثبت رغم كل المحن والمآسي التي أرادت أن تثني من عزيمته لم ولن تستطع فالصبر على الأذى من سفهاء زمانه كان يزداد عليه وتزداد معها معاول التشويه قساوةٍ وضراوةٍ..وهو يزداد إصرار على مواصلة المضي بطريق الحق الذي قل سالكيه ..رفض مغريات الدنيا الدنيئة وتحمل مشقتها وتقلبها عليه وهي ترسي بنعيمها لمن لا أصل له ولا حسب ولا نسب وفي رداً له {لكن ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق}..
دعونا نبتدأ من ضميره وقفةٌ مع ضمائرنا التي تأرجحت للبحث عن بوصلة تحدد من خلالها موقفها ,أن بيعة الغدير لعلي لا تعني المبايعة بالقلقة اللسان ..وإنما تعني مبايعة الحق والسراط المستقيم ..الحق الذي يجسد هوية الرجال وليس الباطل الذي يمثل الجانب المظلم ,المبايعة له هي المضي على نهجه وسلوكه وهذا لن يحدث الا بمعرفة من هو علي ؟؟علي الذي حير الكتاب والفلاسفة والشعراء والأدباء بحكمه وحكمته وبلاغت خطبه ,وإيثاره على نفسه في سبيل سلامة الرعية من الأذى وهو القائل { لقد علمتم أنى أحق بها من غيري،و والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة،التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه } تعساً لهذه الدنيا التي لم يرق لها أن ترتفع برمزاً عملاق معطاء لم يبخل عليها لا بعلمه ولا بسخائه ولا حتى بتضحيته ,إنما بحثت وفتشت عن الأقزام والزعاطيط لتلوذ بهم فشبيه الشيء من جذبٌ اليه,فقد سألني أحد الأصدقاء :لماذا تحتفلون بعيد الغدير ؟؟ كان يتوقع مني أن أجيبه عن التأريخ والغوص به ,فقلت له أن الاحتفال بعيد الغدير هو انعطافة مهمة في تاريخي كرجل فمنه استمد مقومات الفكر والمعرفة ,وفيه بناء لهويتي كإنسان .. يقف على مسافة واحد من الجميع أوليس هو القائل {وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه} فمن يريد الانتماء لعلي عليه أن يتقبل الآخر كما هو ..لا يقدحه ,ولا يجرح مشاعره ,يحترم الرأي والرأي الآخر بثقافته وطقوسه وشعائره ,المهم أن يكون أنساناً ,لأننا لم ولن نسمع أن اخبرنا التأريخ أن علي كان له خصوم بمستوى فكره ,بل جل خصومه كانوا من أراذل وزعاطيط القوم ,وهو القائل فرأيت أن اصبر على هذا احجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى …
علي ليس قناع يرتدى في الوجه أو جسراً يتخذه الوصوليين والانتهازيين الذين يستبدلون أقنعتهم حسب الحاجة والضرورة التي تفرضها عليهم المصالح الفئوية ,علي كان واضحاً في كل تصرفاته وسلوكه ,لم يخفي وجهاً تحت وجه ويخرجه عند حاكم أو مسؤول ما لنيل مغانم وهدية يريدها ,أتركوه وشأنه أنه عنوان للمبدئيين الذين يرفضون التخلي عن ثوابتهم ,ويعيشون حالة السمو في أخلاقهم ,من يحب علي عليه أن يستعد لمواجهة قاذورات المجتمع وهي ترميه بسهامها ..سهام الحقد والتطاول بحجج وأكاذيب مستترة بقناع الفضيلة لكنها تمارس في جوهرها الرذيلة ..