19 ديسمبر، 2024 1:15 ص

ضمان الحريات وبناء مجتمع مدني سليم

ضمان الحريات وبناء مجتمع مدني سليم

لقد عانى الشعب العراقي بمختلف شرائحه شتى انواع الظلم والاضطهاد إبان العهد الدكتاتوري وبالأخص انعدام الحريات ومصادرة الرأي الاخر وإرغام الجميع على السير في الطريق الذي اختطه الحزب الحاكم، ولكن مع ذلك لم تخل الساحة العراقية من المعارضة الداخلية السرية ممن وضعوا ارواحهم على اكفهم دون خشية من العواقب، وكثيرا منهم بات من سكان المقابر الجماعية، حيث ان الحرية ليست طريقا معبدا بالزهور والرياحين وان ثمنها غال في ظل نظام دكتاتوري. نعم ثمنها السجون والمعتقلات والتعذيب والتشريد وأعلى ثمن لها هو الاستشهاد في سبيل المبادئ والوطن.
وعليه وبعد سقوط النظام علينا معرفة معنى الحرية ووضع الضوابط والأطر الصحيحة لها، تبدأ بتوعية المواطن بمعنى “المواطنة الصالحة” حيث ان العراق وطن لكل العراقيين بغض النظر عن الجنس او القومية او المذهب وطنا لجميع اطياف الشعب العراقي.
فكل من عاش فيه له الحق في التمتع بخيراته اي له حق يكفله له القانون وهو التساوي بالحقوق وفي نفس الوقت عليه واجبات يجب القيام بها، وأولى تلك الواجبات هو الدفاع عن الوطن وشعبه وكذلك المحافظة على ثرواته بما في ذلك المال العام والثروات الطبيعية حيث انها هي ملك لكل عراقي حاليا وملك للاجيال القادمة فهي بحكم الأمانة في اعناق الجميع وعليهم عدم خيانة هذه الأمانة او التفريط بها او عدم السماح للغير ان يستحوذ عليها وكذلك المال العام لان المال العام هو ملك للشعب، فعلى كل عراقي المحافظة عليه وصيانته لانه عائد له مثل اثاث بيته لذا فان تعميق شعور المواطنة لدى كل عراقي حيث انه اذا شعر الفرد بمواطنته العراقية يكون قد عرف انه له حقوق وعليه واجبات، فعند ذلك سنضع الخطوة الاولى في طريق الحرية ونفهم كيف نتصرف في الحدود المسموح بها في مفهوم الحرية لان الحرية لا تعني الفوضوية لان الحرية لها حدود وحرية الفرد تقف عند حرية الفرد الاخر اي تقف عند حرية الآخرين ودون المساس بحرية الآخرين، ونحن كمجتمع عراقي لدينا ثوابت معينة اعتاد عليها الجميع وعلينا احترام تلك الثوابت، فالاسلام دين الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي وكذلك الأديان الاخرى لكافة الطوائف المتآخية في العراق لذلك لا يحق لأحد باسم الحرية الطعن في هذه المعتقدات الدينية بحجة حرية الرأي وكذلك على سبيل المثال (الشرف) فهو من الامور الاخلاقية المتوارثة في العراق، فمن غير المقبول باسم الحرية الدعوة الى (الاباحية).
الان بعد ان أوضحنا بإيجاز معنى الحرية علينا ولوج الطريق المؤدي لحكم الشعب الا وهو الديمقراطية، الديمقراطية هي حكم الشعب والسلطة الشعبية، ومفهومها يتركز في مبدأ السيادة الشعبية وأساسها الحرية والتخويل، وعلينا في العراق ان نهيئ اجواء مناسبة كي نصل الى الديمقراطية، ومن اولى تلك الاجواء ان يكون المواطن حرا في اختياره، وعلى المواطن احترام الرأي الاخر والتعامل يكون بكل شفافية وبعيدا عن الانفعالات العاطفية، وايمان الجميع بمبدأ تداول السلطة بالطرق السلمية، وتعاون الجميع في القضاء على الأمية والجهل، وكذلك التسامح الديني بين مختلف الطوائف ورفع الارهاب الفكري الذي يمارس من قبل بعض الجهات السياسية واعادة الثقة بين جميع مكونات الشعب العراقي وإشعار الجميع بان التهميش لاي فئة عرقية غير وارد في ظل النظام الجديد وذلك بموجب نصوص يتضمنها الدستور تحفظ للجميع حقوقهم، وان المحكمة الدستورية هي الفيصل العادل لضمان تلك الحقوق اذا ما انتهكت من قبل السلطة الحاكمة.
بعد ان أوضحنا اللبنات الاساسية لبناء مجتمع مدني حر نود ان نوجز ما هو المجتمع المدني ومؤسساته لكون هذا التعبير في ظل الديمقراطية يتردد في كل مكان، وان النظام السابق قد حول المجتمع المدني الى مجتمع عسكري في كافة نواحي الحياة من الطفل الصغير الى الشيخ المسن، وبعد سقوط النظام عادت الحياة لمؤسسات المجتمع المدني والمقصود بها الاحزاب والجمعيات والاتحادات والمنظمات الجماهيرية اي المؤسسات غير الحكومية التطوعية التي هدفها خدمة الصالح العام. اذاً فمؤسسات المجتمع المدني هي الركائز الاساسية لبناء اي مجتمع مدني مستقر، فمتى ما كانت هذه الركائز معافاة وسليمة نكون بنينا مجتمعا مدنيا سليما عند ذلك تنمى الحريات وتزدهر في ظل هذا المجتمع المدني السليم، ولكن هذه الحريات يجب ان تكون لها ضمانات لحمايتها واستمرار ديمومتها، وهذه الضمانات هي:
اولا، وجود دستور دائم يضمن الحريات العامة والخاصة.
ثانيا، وجود محكمة دستورية عليا كسلطة رقابية على القوانين الصادرة من السلطة التشريعية، ومدى انسجامها مع احكام الدستور.
ثالثا، وجود صحافة حرة غير مسيسة تكون عينا رقابية على اداء السلطة التنفيذية.
رابعا، وجود برلمان منتخب ديمقراطيا وممثلا حقيقيا للشعب.
خامسا، وجود نص دستوري يحمي مؤسسات المجتمع المدني من هيمنة السلطة التنفيذية عليها، وان تكون مستقلة في اتخاذ قرارها كي تشكل رقابة شعبية وذلك بقوتها الجماهيرية.