أن الدولة لا تقاس بقدرتها في امتلاك الإمكانيات العسكرية إنما في القدرة على الحكم والأداء الوظيفي الفعال. كما أن هناك بعض من المحللين ممن يربط هذه الظاهرة بالإرث الاستعماري ومخلفاته من مبادئ ثقافية وقواعد ديمقراطية تتناقض في كثير من الأحيان مع الخصوصية وهكذا أصبحت الدول الأكثر ضعفا وتخلفا والتي تعاني من الاضطرابات في جميع الميادين عاملا فعالا في تهديد استقرار العالم والمنطقة المتوسطية على حد سواء، حيث تؤدي الإدارة السيئة – الفساد، استغلال السلطة، المؤسسات الضعيفة أو عدم وجود محاسبة، والنزاع المدني- إلى تآكل الدول من الداخل وانهيار مؤسسات الدولة في بعض الأحيان، ويمكن ربط انهيار الدولة بتهديدات واضحة، مثل: الأمراض المستعصية، الجرائم المنظمة والنزاعات الإقليمية وما تخلفه من حروب انفصالية وإثنية. هذه الأخيرة التي تدفع بآلاف المشردين واللاجئين إلى الهجرة إلى مناطق أكثر أمنا. وهو ما يزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. تشكل الدول الضعيفة أو الفاشلة مصدر العديد من أخطر مشاكل العالم وأعقدها ومصدر التهديد الرئيس لأمننا اليوم. إذا أمعنّا النظر في شؤون السياسة والمجتمع في عالمنا العربي سوف نرى عمق وخطورة الأزمات التي تواجهها الدولة الوطنية اليوم، ومن كونها ترتبط في الأغلب الأعم , بضعف وعجز مؤسساتها عن الاضطلاع بواجباتها الأساسية، أو باحتمال انهيارها وتقطّع أوصالها. على رغم ذلك، لا يزال النقاش العربي حول أزمات الدولة بالغ المحدودية وضعيف الارتباط بالنقاش العالمي، سواء الأكاديمي أو السياسي.ومن المؤشرات التي تدل على فشل الدولة هي انهيار القانون والنظام، حيث تفقد مؤسسات الدولة احتكارها لشرعية استخدام العنف وتكون غير قادرة على حماية مواطنيها، أو أن هذه المؤسسات تُستخدم لقمع مواطنيها وإرهابهم,كذلك قدرة ضعيفة أو متلاشية على تلبية حاجات المواطنين ورغباتهم، وتوفير الخدمات العامة الأساسية، وضمان رفاه المواطنين أو دعم النشاط الاقتصادي الطبيعي,كذلك على المستوى الدولي، فقدان الكيان الذي يمثِّل الدولة خارج حدودها. أن مسألة الدولة في العصر الحديث أصبحت أكثر تعقيداً, ذلك أن الدولة القطرية والتي قامت كتتويج لحركات التحرر ضد الاستعمار أو كنتيجة لاتفاقيات دولية، لم تستطع أن تكتسب شرعية تضاهي مشروعية الدولة القومية الجامعة .أما في ما يتعلق بالأسس القانونية التي ينبغي أن تُبنى عليها الدولة الحديثة، فينبغي فصل الدين عن السياسة الذي رافق تأسيس الدولة الحديثة في أوروبا، يكاد يكون من دون موضوع في التجربة الإسلامية”. ويمكن القول إن الدولة في العالم الثالث متغربة وتقليدية في آن واحد. فهي استمدت في نموذج أجهزتها الإدارية والأمنية والعسكرية التجربة الغربية، وفي الوقت ذاته استخلصت من موروثها الثقافي فكرة جعل السلطة حكراً على الحاكم وحاشيته. أن الدولة في مجتمعاتنا العربية مُجَسَّدة في البوليس والجيش والمحاكم والسجون، وعدم احترام القوانين. لذا تمثل عبئاً ثقيلاً على حياة الناس، أو هكذا هي في وعيهم. ومقابل ضمور فكرة الدولة في وعي الناس، ثمة حضور متضخم لفكرة السلطة.
وعليه تُوصف الدولة في البلاد العربية ما قبل الحقبة الكولونيالية في علم الاجتماع السياسي، بالدولة التقليدية، وأحياناً بالدولة التسلطية ، إنها الدولة القائمة بسلطتها على الشرعية الدينية. فالدولة الوطنية لم توفر لنفسها الحد الأدنى من الأسباب التي تساعدها على التخفيف من وطأة أزمتها. ان حقيقة تأسيس الدولة القطرية في المنطقة العربية كان مع التمدد الغربي والتغلغل الاستعماري. أن بناء الدولة حالة سياسية فرضتها طبيعة الأنماط الاقتصادية والسياسية الجديدة التي بات العالم يخضع لها مع تمدد للاقتصاديات الرأسمالية خارج إطار القارة الأوروبية. توجد محاولات عديدة للولايات المتحدة الأميركية للتدخل في الوطن العربي بأساليب مختلفة، إما لغرض الاستقرار أو لإثارة الفوضى والتدخل العسكري الصريح وفرض الحصار الاقتصادي والسياسي وإصدار التهديدات. وهذا أدى في الغالب إلى توتر الأجواء الإقليمية، وإضافة مشاكل جديدة إلى التعقيدات التي تواجهها الدولة العربية، خصوصا الصومال والسودان ولبنان واليمن والعراق. إذ تشهد أدبيات التاريخ السياسي المعاصر في المنطقة العربية خصوصاً، والشرق الأوسط عموماً على ان الدور الخارجي في نشأة الدولة العربية والإسلامية وتطورها، يفوق في تأثيره على نشأة الدولة في أي مكان آخر من العالم، ربما باستثناء أفريقيا. ان تطور التدخلات الخارجية في الوطن العربي سواء على الصعيد الاستعماري الدولي أو إنشاء الكيان الصهيوني، تمخض عن أزمات الدولة في الوطن العربي اليوم. فالأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية أثرت مباشرة على مكانة الدولة وقوتها في المجتمع، مما أدى إلى دخول عدد كبير من الدول العربية في دائرة مفرغة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومن بروز التنظيمات التي تميل إلى العنف والخروج على القانون. الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن نظام اللامركزية السياسية و الإدارية يمثل أهم مقومات الدولة الديمقراطية ولا يترسخ ويزدهر النظام الديمقراطي إلا في ظل دولة لامركزية وهناك العديد من النماذج والكثير من التجارب الناجحة سواء عربية أو في دول أسيا وأفريقيا وأوروبا والأمريكيتين يمكننا الاستفادة منها في إعداد أنموذجا خاصا يتناسب مع واقعنا الاقتصادي والاجتماعي ويعزز وحدتنا وتلاحمنا الوطني ويرسي قواعد النظام السياسي ألتعددي ويوفر المناخ المناسب لقيام دولة ديمقراطية تواكب التطور الحضاري وتراعي المتغيرات الدولية والإقليمية. وهناك بعض النماذج الناجحة التي كان لها أثر إيجابي على تطور وتقدم الدول التي اعتمدت هذا النظام وتعميق أواصر المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع وتسريع خطوات التنمية المتوازنة في جميع أقاليم الدولة واندفاع المجتمع بكل فئاته للمشاركة الفاعلة في النشاطات التنموية والعمل على زيادة الدخل السنوي للدولة وتحسين المستوى المعيشي لجميع السكان. إن النظام الاتحادي هو النظام الأفضل لأقطارنا العربية لكونه ينسجم مع البنية الاجتماعية للسكان المتشبعة بثقافة المجتمعات البدوية التي تفاخر بالانتماء للكيانات الصغيرة المتمثلة بالعشيرة والقبيلة. إن الدراسة المقارنة للدول الحديثة تدلل على أن استمرارها معقود لا على نشوئها بأيدي أبنائها أو بفعل التدخل الخارجي، بل على قدرتها على أداء وظائفها,مثل قدرة الدولة على القهر وضبط أنشطة مواطنيها. وعلى المستوى الخارجي قدرة الدولة على الدفاع عن حدودها، مستغلة قواتها المسلحة لتدفع عنها هجوم الدول المعتدية عليها أو الطالبة لاحتلالها. وفي عالم ما بعد عام 1945، الذي قامت فيه الأمم المتحدة والقانون الدولي بالاعتراف الشرعي بل والفعلي بالحدود المخططة حاليا، أصبح مهما للغاية أن تستخدم الدولة قوتها للتحكم في شعبها ، ولاستمرار الدولة ينبغي بناء بنيتها التحتية، التي تتمثل بتوفير الحكومة للخدمات وسلطة الحكم عبر عدد من المؤسسات التي تنتشر من العاصمة للسكان ككل. وقياس القوة والقدرة المؤسسية مسألة مرهونة بتوفير الخدمات للأهالي و تنفيذ القانون، وتوفير الكهرباء والمياه. غير أن من الصعوبة بمكان قياس شرعية الحكومة ، أو قدرتها على أن تجعل الشعب يراها شرعية. وبقدر اعتماد المواطنين في حياتهم اليومية على مؤسسات الدولة، يرون وجودها داخل المجتمع مسألة ضرورية. وقد تكون معطيات الجغرافية السياسية ومشاركة بعض الدول لسواحل البحر أو ألعزله في المحيطات أوالمشاركة بنهر كعامل تعاون وتفاهم ثم استقرار الدول في إقليم معين، وقد تكون الأيدلوجيات المتشابه أو المتطابقة عامل توازن أيضا لدول مجاورة. والغريب أن هذه العوامل التي يمكننا حصرها بالاقتصادية ولأمنية والجغرافية ولايدلوجيه والقومية والتي تحمل في طيایا الإمكانية والمقدرة على إحداث التفاهم والتعاون والاستقرار بين دول الإقليم الواحد هي نفسها تملك القابلية على إحداث التنافس والصراع والصدام بين نفس الدول . ومن هنا نقول أن النظام الإقليمي المستقر هو ذلك النظام القائم على التفاهم والتعاون في إطار هذه العوامل للدولة مع دول الجوار أو الغريبة عنها. وأيضا يمكننا القول أن النظام الإقليمي الغير مستقر هو ذلك الوضع الناتج عن غياب التفاهم والتعاون والرغبة في تغيير المواقف تجاه أهداف قوة ومتانة النظام الاقليمي أو ضعفه تجاه النظام الدولي . النظام الإقليمي العربي مازال كما كان منذ نشأته نظاما للتفاعلات بين الدول المكونه له، بشكل يعطي هذه الدول الدور الأهم بلا منازع في تقرير مصير النظام أما المنظمات الإقليمية التي تمثل الإطار المؤسسي للنظام الإقليمي العربي، لا تقوم سوى بدور محدد في تحديد مسار الأحداث والتطورات في الإقليم العربي.