لا يخفى على مطلع ان زيارة لشخصية دينية وسياسية بحجم السيد مقتدى الصدر الى دولة بحجم السعودية لا يجري الاتفاق عليها بين يوم وليلة، بل تسبقها تحضيرات على مستويات عدة بين الطرفين، وتنسيق سعودي مع اطراف اخرى كالولايات المتحدة (حليفة السعودية التي سبق ان حاربها السيد مقتدى ولا يزال يجاهر بالعداء لها)، واسرائيل (حليفة السعودية والحساسة من اي شخصية ذات نفوذ سياسي اوعسكري في المنطقة).
يلاحظ المراقبون ان الزيارة تأتي بعد هزيمة داعش والحديث الامريكي الخليجي عن هذه المرحلة الجديدة التي فشلت فيها امريكا في دحر داعش، بل ظهرت ادلة على ضلوع امريكا والسعودية في زرع داعش في المنطقة وتمويلها وتسليحها.
وبعد سعي امريكي حثيث لتشكيل حلف سعودي اسرائيلي ضد ايران
كما يلاحظون ايضاً ان زيارة السيد مقتدى الصدر الى السعودية احيطت بالسرية في اغلب مقاطعها:-
• في مرحلة التمهيد، حيث لم يعلن عنها الا بعد البدء بتنفيذها
• لم يرشح شيء من المباحثات خلف الابواب المغلقة الا عناوين عامة
• لم تختتم الزيارة ببيان من السعودية او من السيد مقتدى يشرح طبيعة ما دار بينهما
• بعد عودة السيد مقتدى الى النجف تحاشى الحديث العلني عن الزيارة لا في خطاب ولا في مؤتمر صحفي
كل الذي ترشح بيانٌ من مكتب السيد مقتدى مكتوب بلغة دبلوماسية عالية وبدقّة تفوق دقّة السيد مقتدى في اختيار الفاظ الكثير من خطاباته المبثوثة في اليوتيوب، لكن السيد مقتدى نفسه لم يعقد مؤتمرا صحفيا ولم يتحدث في خطاب غير مكتوب يتحدث فيه للشعب عامة او لاتباعه خاصة ليشرح لنا ما دار ويزيل الغموض عن اسرار هذه الزيارة المثيرة للجدل.
كان المنتظر ان يقوم السيد مقتدى – وهو الذي لا يخشى احداً- ان يظهر امام الناس في خطاب غير مكتوب، او يواجه الصحفيين ليجيب عن اسئلتهم مباشرة على الهواء، او غير ذلك مما يفعله اي شخص مهم يقوم بزيارة مهمة الى دولة مهمة.
لقد جرت العادة بعد الزيارات للدول من قبل مسؤولين حكوميين كبار ان يصدر بيان مشترك يشرح ما جرى في المباحثات، كما يظهر الطرفان (الضيف والمضيف) في مؤتمر صحفي يجيبان على اسئلة الصحفيين، واذا عاد المسؤل الضيف الى بلده فانه يشرح للشعب مباشرة او للصحفيين او للحكومة (اذا كان عضوا فيها او رئيسا)، او للبرلمان….المهم ان الامر لا يبقى طي الكتمان الا في حالات معدودة منها: زيارات المخابرات التي تجري فيها حياكة المؤامرات، وزيارات الوفود العسكرية لعقد صفقات السلاح تمهيدا او استمرارا للحروب، او زيارات مسؤولي الانظمة الدكتاتورية أو الاحزاب الحديدية التي لا يجرؤ أحد ان يسأل رؤساءها عما يفعلون.
فلماذا يا ترى لم يكشف السيد مقتدى عن اسرار المباحثات على الملأ؟
صحيح ان الغالبية العظمى من اتباعه لا يهمهم ما دار ولا يحتاجون الى الاطلاع على ما يفعله السيد مقتدى باعتبار ان ما كل يفعله السيد هو الصحيح، وأن كل من يخالفه هو المخطئ (إن لم نقل اكثر من ذلك)، ولكن التيار لا يخلو من طبقة مثقفة ترصد وتحلل وتفكر ولكن بصوت هادئ مراعاة لاعتبارات نفهمها، لكن هذه الحالة قد لا تستمر مع الطبقة المثقفة النققفة التي تعتز بعقولها، وربما حتى مع الطبقة الغالبة من التيار التي لا تستسيغ الاتفاق بين مقتدى الصدر الشيعي المعادي لامريكا حامل لواء المهدي وبين محمد بن سلمان عميل امريكا الوهابي عدو المهدي، فهذه الطبقة لا يمكن ان تستمر في السكوت ضاربةً عرض الجدار بكل مخزون التراث المقدس الذي ورثته جيلاً بعد جيل قبل قبل ان يولد السيد مقتدى الصدر.
لابد اذاً ان يظهر السيد مقتدى ليوضح ماذا دار في المباحثات السرية مع السعوديين.
***
تشتد اهمية توضيح محتوى المحادثات السرية في ضوء عدة حقائق منها:
ليس في السعودية – عدا الحرمين الشريفين – الا المال، ومن يزورها يأتي بحثاً عن المال، سواء عن طريق الابتزاز (كما يفعل مسؤولو امريكا وبريطانيا وفرنسا) او الاستجداء (كما تفعل دول مهمة وذات سيادة مثل مصر و الباكستان والسودان والاردن، او كما تفعل المعارضات العميلة كالمعارضة السورية والليبية والعراقية، او التشكيلات العميلة للسعودية كجوقة عبدربه منصور هادي. فاين يقع تصنيف السيد مقتدى من هاتين المجموعتين من زوار الملكة؟
• من يزور السعودية يخرج بكيس مملوء او مشروع يؤدي الى ملء الكيس… فهل انتهت الزيارة بدون مبلغ ضخم يستحق التضحية بالكثير من الشعارات والقيم الدينية والوطنية والعائلية؟
• ان ولي العهد السعودي (الذي هو الملك الحقيقي) شاب يعيش احلام التربع على عرش اغنى مملكة في العالم دون ان يكون مسؤولا امام احد، مغرور بقدرته العسكرية وبغناه المالي وخضوع العالمين العربي والاسلامي لرغبته، ولا يشعر بالخضوع الا للولايات المتحدة التي تحميه…هذا الشاب كيف يتواضع للسيد مقتدى ويعترف له باخطاء السعودية ؟ هل هو تواضع وخلق رفيع وعودة الى الذات وصحوة ضمير من محمد بن سلمان عندما رأى السيد مقتدى واستمع الى حديثه الذي يمتلئ اليوتيوب بنماذج منه؟
• ان السعودية ليست جمعية خيرية تسعى لاصلاح ذات البين بين المسلمين او بين شرائح الشعب العراقي، بل هي دولة وظيفية عميلة امريكا في المنطقة وموضع قواعدها ومستودع طاقتها وممر اساطيلها وحافظة نقودها واداة تنفيذ مشاريعها…والشواهد على ذلك اكثر من ان تحصى. فهل سأل السيد مقتدى نفسه : ما هو المشروع الذي دخلت فيه زيارة السيد مقتدى في الاجندة السعودية؟
• ان هناك تصريحات سعودية سبقت الزيارة تحدثت عن نية السعودية سلخ شريحة من شيعة العراق وتوظيفها في مشروعها لمواجهة ايران كما فعلت مع عمائم شيعية سابقا في لبنان والعراق لا داعي لتعداد اسمائها، ويعتبر تصريح ثامر السبهان في تغريدته على تويتر صريحاً لكل من يفهم في الكشف عن معالم المشروع السعودي لشيعة العراق ضد ايران، او على الاقل لشق الصف الشيعي اذا لم يتحقق اكثر من ذلك
• اذا كان هدف السعودية التقارب مع شيعة العراق فلماذا لم توجه الدعوة الى مرجع له وزنه في مرجعية النجف، او الى احد ممثلي السيد السيستاني مثلا؟ اليس هذا ابلغ في الاثر اذا كان الهدف هو التقارب مع شيعة العراق وحفظ السلم الاهلي؟ على الاقل سيكون اعتراف محمد بن سلمان امام السيد السيستاني (او امام ممثله) بخطأ السعودية في التعامل مع شيعة العراق اكثر لياقة من اعترافه امام السيد مقتدى بذلك
• ترحيب امريكا بهذه الزيارة (وهي تعرف عداء السيد مقتدى لها) يثير اكثر من علامة استفهام، هل امريكا غبية الى هذا الحد؟.
• كرر التيار الصدري سابقا رفضه لتدخل دول الجوار في الشأن العراقي، فهل تأتي هذه الزيارة في اطار رفض تدخل الدول في الشان العراقي؟ هل طلب من السعودية مثلاً ان تكف عن التدخل وتكف غيرها عنه؟
اتفق السيد مقتدى مع السعودية على فتح قنصلية سعودية في النجف! ولا يخفى ان السعودية حليف قوي لاسرائيل ولها علاقات متطورة وتسعى الى فتح الطرق لها في العالم العربي، فيكيف يضمن السيد مقتدى ان لا تكون القنصلية السعودية في النجف غطاءً للنشاط الاسرائيلي في عاصمة الشيعة؟ اليس هذا حلم اسرائيل بعد تحقق حلمها في اربيل على يد البرزاني؟
كما طالب السيد مقتدى بفتح منفذ حدودي للسعودية على النجف….. كيف يضمن السير مقتدى عدم مرور الارهابيين والمفخخات والسلاح والمال السياسي منه الى النجف؟
لهذه الاسباب يشعر كل عراقي بالقلق من كتمان ماجرى في المباحثات السرية بين السيد مقتدى الصدر والمسؤولين السعوديين، ولا يبدد هذه المخاوف صدرو بيان مقتضب من مكتبه او موضوع يكتبه السيد مقتدى باسم مستعار على موقعه.
اذا ظهر السيد مقتدى في مؤتمر صحفي يبث مباشرة على الهواء ويحضره صحفيون اجانب فسيثبت للعالم اجمع انه لم يكن لديه شيء يخفيه لا عن شعبه ولا عن النخبة المثقفة في تياره
السيد مقتدى لا تنقصه الشجاعة لعقد هكذا مؤتمر، فهل يفعلها؟