تُحاصر كل مواطن عراقي يومياً؛ عشرات الخطابات والهتافات الرنانة والتحليلات السياسية والإشاعات، والتوقعات من سيء الى أسوء، وتستمر إدعاءات الساسة بمحاربة الفساد وطلب الإصلاح، والمواطن في حيرة من أمره في دوامة المناكفات ومن أين هي نقطة الإصلاحات.في أجواء مشحونة؛ يبقى العنوان الرئيسي للصحف، ومادة خبرية دسمة؛ تلك المليارات التي نهبت، وآثرها في إنتشار الإرهاب والمفخخات والتهجير.رغم شكوك معظم المواطنين بأرقام وتصريحات هيئة النزاهة، وحديثها عن ضرب الرؤوس الكبيرة؛ إلاّ أن الأرقام التي تخرج منها مقاربة للحقيقة، وفي آخر إحصائية أشارت الى إتهام 18 وزير حالي وسابق، و185 درجة خاصة من مدراء عامين وأعضاء هيئات مستقلة.يكشف التقرير عن أدلة فساد منظم، وسعي حميم لإدامة زخمه وتوجيه الأنظار بعيداً للإستمرار بإستنزاف الدولة؛ بثقوب متعدة لا يبان أثرها للأعيان، وتنتشر كأرضة تنخر أسس الدولة؛ الى أن يأتي اليوم الذي يتضح إنهيار كل شيء ولا سبيل للعلاج والترقيع.ماذكره التقرير وزراء أغلبهم في الدورات السابقة، وبعضهم لا يمكن إسترداد الأموال منهم؛ لتحويلها بحسابات وهمية، او حملهم جنسية آخرى وسفرهم خارج البلاد؛ في وقت أشار العبادي عن رضاه عن وزراءه وقدر نسبة إنجازهم 70% وإستعدادهم للإستقالة، وأن كان الرقم غير هذا فهو يتحمل جزء من المسؤولية، ومن هذا الرقم وأرقام هيئة النزاهة؛ يتبادر بالأذهان سؤال: لماذا طلب العبادي تبديل كابنته الوزارية وبدأ العلاج من الأعلى، ولم يلتفت لكم الفساد المطلوب إصلاحه، ومن المؤكد من وجود جهات مستفيدة من بقاء كم المفسدين في الدولة بصفة الوكالة؟!إن الإصلاحات باتت مطلباً شعبياً وشرعياً، ولم تعد شعار تُرفي ومزايدة، والجمهور يرى المعالجات لا ترتقي للأهمية والإلحاح، ومن حق الشعب التظاهر والإعتصام وكل ممارسة يكفلها الدستور، ومن واجب القوى السياسية للتعامل بحكمة، وتجنب إثارة التصعيد في ظرف سوء الواقع الأمني والإقتصادي، وعلى التحالف الوطني القيام بدوره الوطني، وإيجاد حلول سريعة لمواجهة الخطر الجدي في الشارع العراقي، والعودة الى دور حجر زاوية العملية السياسية.نهب المليارات مؤسسة كدولة؛ بدرجات خاصة بالوكالة، ولم تستطيع الهيئات محاسبة المفسدين من جهات معينة؛ أضافة لإتهام الهيئات بالولاءات.في ظروف عصيبة يعيشها العراق، وتحديات التجربة الديموقراطية، ولتوحيد الجهود لمقارعة الإرهاب، ودعم الإصلاحات التي طالب بها الجماهير والمرجعية، فمن الضروري الإحتكام للعقل والحكمة والحوار الإيجابي، وما يتطلب من جميع القوى الوقوف بمسؤولية، وضرورة إجتماع التحالف الوطني لتدارك الأمور، والقضاء على دولة عميقة تُدار بالوكالة، وتُعرقل كل المساعي الإصلاحية، وكيف لنا محاسبة الوزير ومن بالدرجة الخاصة؛ إذا كانت الشكوك حول هيئات الرقابة، ولماذا عجز العبادي عن ضرب رؤوس الفسادمع معرفته بمخططاتهم، التي كانت بشكل وعود مزورة في الإنتخابات، وإمتداد الى مؤسسات لا تُحاسب وزير أو مدير عام من حزبها، ولا ترفع شكوى وزير آخر في قضية نزاهة؟!