23 ديسمبر، 2024 2:21 م

ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً

ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً

لا محال أن حب الحياة مغروس في النفس الإنسانية ، فالإنسان دائم السعي في الحياة وكأنه سيعيش فيها مخلداً، ولكن في سعيه وبحثه عن الخلود فقد لا يحقق السعادة المنشودة، فالسعادة مفهوم معقد ومركب يتدخل فيه أكثر من عنصر مما يجعل منه مفهوماً واسعاً يطرح العديد من الأمور المرتبطة بالمجتمع والحياة والفرد والواجب والإرادة والقناعة.
كم هي جميلة الحياة ، عندما تستقيم العلاقات بين الأفراد على أسس من التعايش السليم، فلا غنى للمرء من أن يحيا بين أُناس يحبهم ويحبونه ،
وتبقى العلاقة مبنية على تقديم الصالح للمجتمع  بحب قائم على الاحترام المتبادل ، بل إن هذا من صفات الايمان بالحياة ، فالمؤمن يألَف ويؤلَف. لا تقاس حلاوة الإنسان بحلاوة اللسان، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب70 – 71]. فكم من كلمات لطاف حسان، يكمن بين حروفها سمّ الثّعبان، فنحن في زمن اختلط فيه الحابل بالنّابل . الحياة جميلة عندما تعيش فيها بإحساس طيب بإحساس حنون ومتفاهم و رحيم والكلمة الطيبة صدقة ،أ(( َلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25 ( سورة ابراهيم )
وعطف وترسيخ في بناء علاقة ، وعندما تعيش فيها بقلبِ صافٍ نقي، خالٍ من الحقد الحاسد ينضم اليك الكثير من الأحباب من دون تفريق .
الحياة تكون جميلة عندما تؤمن فيها ، أن بعد هذا الليل نهار يشرق بالنور، وان بعد هذا الظلام والقهر والقتل والفتن والدمار والخراب ، ارض خضراء زاهية وان ما عند الله خير منها وأجمل. حب الحياة شيء فطري عند كل إنسان، وهو يختلف باختلاف فهم الإنسان للحياة وإيمانه بقيمتها، ‏{‏‏وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}‏‏ الشورى اية  36
فالإنسان الطبيعي جُبِلَ على السعي لإشباع حاجاته المتعددة حتى تستقر له الحياة، ومنها حاجات مادية، وهذه من السهل أن يتغاضى عن الكمال فيها مثل الطعام الذي يكفيه منه القليل، والملبس الذي يكتفي منه بما يستر من عري، والمسكن الذي قد لا يتطلع أصلاً إلى حياة الترف والمغالاة في تأسيسه.
إن من عجائب هذا الزمان، محاولة المفسد أن يلبس ثوب المصلح، الرجل الذي عرف بالفساد وتاريخه معروف للجميع، الصغير والكبير كل يعرفه، وله مواقف سيئة في طريق الإصلاح، سواء كانت ظاهرة أم خفية بحسب ظنه هو، هذا الرجل يريد أن يلبس الآن ثوب المصلح، ويظهر نفسه أمام الناس أنه المصلح، وأنه يحب طريق الإصلاح  وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون  البقرة اية 11علينا الانتباه الى الفارق الدقيق بين “الصلاح” و”الإصلاح”؛ فـ”الصلاح” أصله من: “صَلُحَ يَصْلُحُ صَلاَحَاً فهو صالح” والمصدر صلاح، أما “الإصلاح” فأصله من: “أَصْلَحَ يُصْلِحُ إِصْلاَحَاً فهو مصلح”. و”صَلُحَ” هو فعل لازم، أما “أَصْلَحَ” فهو فعل متعد.
فالصالح يلزمه صلاحه لنفسه ، أما المصلح فهو صاحب دور مزدوج؛ يصلح نفسه، ويدعو غيره للصلاح ، فأثره الإصلاحي يتعدى نفسه إلى غيره. هناك فارقا واضحا بين الصالح والمصلح، وأن الصلاح هو بداية طبيعة ومنطقية للإصلاح، وأن الإصلاح لا يقوم بالأساس إلا على أكتاف أناس مصلحين، وأن هؤلاء المصلحين لن يصلوا إلى هذه الدرجة إلا إذا كانوا صالحين.
كثيرون هم من يحبون لعب دور المصلح الاجتماعي في محيطهم ولكنهم يفشلون،لانهم لا يتمتعون  بالشجاعة… قال علماء النفس”دوجلاس ماك آرثر”: “الشجاعة هي الخوف الذي يسود طويلاً”.. وقال “جورج باتون”: “لا آخذ الرأي من مخاوفي”.
أن المصلح الاجتماعي هو ذاك الرجل الذي يتمتع بشخصية غاية في المرونة الواعية ، يتقبل الآخر بشكل لافت وغريب، يتقبل النقد ويتحمل الإيذاء النفسي والمعنوي والشخصي، عقليته تحمل الكثير من التفتح وقبول الآخر، لا يعى تلك المفاهيم القديمة التي ترتبط بالثأر والكرامة المفرطة والتكبر والغرور وحب الظهور، ولذا ينصح الإنسان الراغب في كونه مصلحا اجتماعيا بعدة نصائح، أهمها أن يحافظ على طبيعته، فلا يتكلف ولا يتحفظ ولا يتعامل بشكل فيه حب ظهور أو غير حقيقي، وغير نابع من القلب، فهي أكثر صفات المصلح الاجتماعي تأثيرا وتجعله مقربا من الجميع دون استثناء ،إن الإصلاح عملية شاملة واسعة، لا تحدها حدود، ولا تقف في وجهها سدود، إن مساحة الإصلاح مساحة عريضة واسعة، لا يمكن بأي حال من الأحوال، قصرها على جوانب معدودة،
 فلكي يصبح الشخص مصلحا اجتماعيا حقيقيا عليه بالتحلي ببعض المهارات واكتساب بعض الصفات كي يتمكن من أن يصبح مصلحا ناجحا يحبه الآخرون، ويطلبون مساعدته حين الحاجة بذلك أن المصلح الاجتماعي ، ‏{‏‏مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 160‏]‏،
ولذا ينصح الإنسان الراغب في ان يكون مصلحا اجتماعيا بعدة نصائح، أهمها أن يحافظ على طبيعته، فلا يتكلف ولا يتحفظ ولا يتعامل بشكل فيه حب ظهور أو غير حقيقي لانها مهماكان سوف لا يمضي بسهولة لان اي عمل لا ينبع من الضمير ومتى ما كانت بعيدة عن القلب يخرب المجتمع، وكل  صفات المصلح الاجتماعى الحقيقي دون رياء له تأثيراته وتجعله مقربا من الجميع دون استثناء.
الجلوس في الوسط للاصلاح يستوجب ان يكون المصلح يربط جاشه بعيداً عن التوتر مهما حدث، من صفاته الخلق الحسن والتواضع والجود والكرم وطيب وحسن وعدم السوء في الكلام، يتوسط بكلام طيب وأسلوب حسن ورفق وجود وشخصية مقبولة بين الناس، وتائييدهم له وتشجيعه بالقول والفعل، ومعونته بما يحتاج من الجاه والمال؛ فإن إصلاح ذات البين يعود على الجميع بالخير والمحبة والألفة،. قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114]
 كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع عامة ويزيد بما يسود فيه من الأحقاد والضغائن والجرائم والانتقام. الآية (25) مِن سورة النحل التي تقول: (ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلّونَهُمْ بغير علم ألا ساء ما يزرون)
* وعليه اكتساب المهارات ولدية الوسع من فنون المراوغة الذكية والردود المفحمة وسرعة البديهة ولباقة الكلام وحكمة القول والسداد في الراي، وليعمل بإيجابية مع الجميع، اصلاحه في الأسرة وفي محيط العمل والدراسة على أكمل وجه أولا وقبل أن يطمح فى أن يصبح مصلحا اجتماعيا، ليكن قادرا على حل مشكلاته بشكل إيجابي ومن ثم يمكنه السيطرة على مشكلات الاخرين وحلها، وليكن مفاوضاً جيداً ويرضي جميع الأطراف دون إجحاف، والمحافظ على صلة الحب بينه وبين الجميع وليظهر ذلك الحب ويعكسه على سلوكه وأفعاله، كي يكسب تأييدا وطاعة تذلل تلك العقبات.علينا نؤمن بأن الإصلاح بين المتخاصمين يعود على المجتمع كله بالعديد من الفوائد، من أهمها وحدة الصف، وتقوية الروابط الاجتماعية، وتآلف القلوب، وزرع المحبة بين الناس .
 العمر يمضي وتتسارع فيه الخطوات وتتسابق فيه نتائج الأفكار والسلوك، وهذا يتطلب منّا أن نكون متصالحين أولاً مع أنفسنا وبيئتنا ومجتمعنا الذي نعيش فيه. فالشخص السوي هو الذي يستطيع التسامح مع نفسه وأن يتحكم في سلوكه في كل وقت، وأن يتنازل عن لذّاته القوية في سبيل ثواب آجل أبعد أثراً وأكثر دواماً، فهو لديه قدرة على ضبط نفسه وإدراك عواقب الأمور لأنه بصراحة يستطيع أن يستحضر في ذهنه جميع النتائج التي يُحتمل أن تترتب على أفعاله مستقبلاً. فهو يستطيع بكل كفاءة أن يبني سلوكه وتصرفاته لحظة بلحظة. هو يصنعها ويرسمها على أساس ما يتوقعه من نجاح في المستقبل البعيد ويكون رئة للمجتمع.