23 ديسمبر، 2024 5:11 ص

ضربات الجزاء الأفغانية ضد أمريكا تنتقل الى ملعب الشرق الأوسط روسيا تسترجع ثأرها وإيران تستعد

ضربات الجزاء الأفغانية ضد أمريكا تنتقل الى ملعب الشرق الأوسط روسيا تسترجع ثأرها وإيران تستعد

تتوجه الأنظار بشكل مركزي حول مظاهر وتداعيات احتدام الصراع الإيراني الأمريكي في عموم الشرق الأوسط الكبير، وينتظر كثيرون أن يفضي ذلك الأمر إلى اشتعال حرب بينهما، وفي مقدمتهم يفكر قادة جمهورية روسيا الاتحادية بقيادة القيصر الصاعد فلاديمير بوتين.
لا تنسى روسيا الاتحادية، خليفة الاتحاد السوفيتي السابق، يوما سقوط إمبراطوريتها السوفيتية السابقة، وهزيمتها العسكرية المذلة، بعد تدخلها في وحول المستنقع الأفغاني. وروسيا اليوم تعرف اكثر من غيرها دور الولايات المتحدة وحلفائها في هزيمتها بأفغانستان، وروسيا تتذكر دور المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي مولت بسخاء لا نظير له ما يسمى ” الجهاد الإسلامي في أفغانستان” ضد الغزو والوجود السوفياتي، وبما أمدته هذه الدول من المال والسلاح بإرسال عشرات الآلاف من المتطوعين العرب والمسلمين من شتى بقاع العالم، حتى حلت الهزيمة العسكرية المنكرة بالسوفييت، ومهدت تباعا وبسرعة غير متوقعة إلى سقوط الاتحاد السوفيتي بداية التسعينيات، بانفراط دول حلفائه في أوربا وآسيا وسقوط حلف وارشو، وانتهى الأمر إلى تفكك الاتحاد السوفيتي واختفائه من خارطة العالم، وظهور دولة روسيا الاتحادية بديلا عنه وعلى أنقاضه.
بعد أن استرجع الروس أنفاسهم تدريجيا في سنوات ما بعد التسعينيات ظل هاجسهم البعيد هو مواجهة الولايات المتحدة وتهديد مصالحها في المنطقة، عندما تتوفر الفرصة . ولم يغب عن الروس وقيادتهم الجديدة خلاصة الدرس الأفغاني القاسي، فكان ولا بد من العمل باستدراج الولايات المتحدة، بشكل ذكي وتدريجي، إلى التورط في التدخل والغزو وبنفس الأسلوب السوفيتي المتهور في أفغانستان في 25/12/1979 في فترة مملكة محمد ظاهر شاه، الأمر الذي أدى إلى اشتعال حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان لعشرة سنوات انتهت بانسحاب الاتحاد السوفيتي في 15/02/1989 وخسارة الحرب الافغانية وجرى التمهيد الى سقوط إمبراطورية السوفيت .
وهكذا لم ينسى الروس هزيمتهم أمام أمريكا وحلفائها، فاشتغلوا بصبر واستمرار وعلى قاعدة وداويها بالتي كانت هي الداء على توريط أمريكا في أية أزمة تشغلها وتضعفه. كانت الخطوة الأولى للروس تجاهل الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق 2003 ، واتسم الموقف الروسي، بشكل يوحي وكأن الروس يتجاهلون تماما ما يجري في العراق، وتصرفوا بعدم الاعتراض الفعلي على غزو العراق واحتلاله وتفكيك عناصر ومقومات دولته الوطنية، وبذلك ضمن القادة الروس الجدد أولى خطوات التوريط الأمريكي في المنطقة، ولا يستبعد التخطيط الروسي دورهم ألمخابراتي في إغراق الأمريكيين بجملة من الأحداث لإسقاط هيبتهم العسكرية، خاصة بعد ضربات المقاومة العراقية للأمريكيين، والعمل على تسهيل التدخل التدريجي الإيراني، بصيغة تعاون وتنسيق مع قوات الولايات المتحدة وإدارة الرئيس اوباما للمساعدة على الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق، مقابل تسليم أمريكي للعراق لأتباع حكومة إيران في العراق وحلفائها من قوى طائفية في العراق؛ وهو الأمر الذي سهل وبسرعة امتداد التدخل الإيراني نحو سوريا واليمن، إضافة إلى لبنان .
وفي سوريا كانت روسيا تهيأ مسرح العمليات خطوة بخطوة، لجر أمريكا نحو التورط في بلاد الشام بحجة مكافحة الإرهاب بعد ظهور داعش واحتلالها لمدن في سوريا والعراق، وكانت في مقابلها تتواجد قوات روسية وعناصر وقوات إيران ومليشياتها القادمة من أفغانستان وباكستان ومن العراق ، إضافة إلى حزب الله اللبناني وعناصر الحرس الثوري الإيراني، وكذلك أذرع من داعش وفصائل مسلحة ظهرت هنا وهناك بمختلف المسميات و العناوين ، وكلها لم تكن بعيدة عن الدعم الإيراني وخلفه الروسي وحتى الصيني ولو عن بعد .
كانت تهيئة الدور الإيراني على مسرح الأحداث يتجسد في تمكين حلفاء إيران ومليشياتها بالتسليح والخبرات والمعلومات ، ذلك لم يكن بعيدا عن التدخل الروسي ورصده الخفي والحرص المتدرج للوصول الروسي إلى سواحل وموانئ المياه الدافئة في البحر المتوسط ، مستغلا الظرف السوري، والتواجد الإيراني واستفحاله وتواجده كقوة إقليمية باتت تفرض على الأمريكيين يوما بعد يوم التعامل معها بجدية ، ووصل الأمر في بعض المحطات والتقاطعات للاستعداد الإيراني إلى رفع صوته القديم الجديد في شعارات ” مقاومة الشيطان الأكبر”، باستفزاز الأمريكيين ومزاحمتهم على النفوذ والسلطة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وقد تم ذلك بدعم وتسليح روسي واضح وبتمكين إيران من امتلاك الصواريخ الباليستية بشتى قدراتها القريبة والبعيدة، وقبلها كان الدعم الخفي وحتى العلني في تطوير وحماية المشروع النووي الإيراني.
وبعد فترة اللعب المشترك الإيراني الأمريكي لسنوات الاحتلال العشرة الأولى ، أدت خلال مفصل تاريخي خلال فترة اوباما إلى إجبار الولايات المتحدة للتعاون الكامل مع إيران وحلفائها في حكم العراق وفي قضايا تتعلق في شؤون دول ظلت مضطربة، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وساحات أخرى.
وبصعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت الساحة الشرق أوسطية تهدد وجود الولايات المتحدة فكان لا بد من دفع المواجهة الإيرانية الأمريكية من جديد بتغذية خفية لروسيا وكوريا الشمالية وحتى الصين التي لازالت تنظر إلى الأحداث عن كثب، حالمة هي الأخرى بسقوط الإمبراطورية الأمريكية أو تراجعها وانكفاءها بعيدا عن قيادة منفردة لها عبر العالم.
وبإشغال السعودية في حرب اليمن وظهور متصاعد لأذرع إيران المسلحة والمهيكلة بمليشيات وفيالق تابعة لإدارة لحرس الثوري الإيراني توزعت في العديد من دول المنطقة وتصاعد نغمة الخطاب الثوروي المرتبط بالتصلب الإيراني والاختلافات حول ملفات دولية، في مقدمتها الملف النووي والتسلح الصاروخي، كان على روسيا ودول أخرى طامعة في الحضور والتواجد في الشرق الأوسط إعادة تطبيق الدرس الأفغاني في الشرق الأوسط، ولكن باتجاه معاكس تماما، إي محاولات استهداف واستفزاز لأمريكا الترامبية وصقورها وتهديد مصالح حلفائها، ودفع إدارة ترامب القلقة، دائما للتورط في حرب جديدة او المغامرة بغزو مباشر في المنطقة، بحجة الصدام مع إيران، رغم إدراك وحذر إدارة ترامب من السقوط في فخ شبيه بالفخ الأفغاني، حتى بات الكثير من الأمريكيين يدرك يوما بعد يوم إن الوضع والتصعيد لا يمكن تداركه بالاكتفاء بالتهديدات أو التلويح باستعمال القوة أو المقاطعة الاقتصادية لتأديب إيران والحد من سلوكها الإرهابي وتدخلاتها العنيفة في شؤون أغلب دول المنطقة واستمرار الاحتكاك المستفز للأمريكيين عن طريق أدواتها وأذرعها المنتشرة هنا وهناك . وبات غالب الأمريكيين يعرفون يوما بعد يوم بان الخطاب الأمريكي الحالي تجاه نظام طهران وتحذيراته باتت لا يجدي منها نفعا وسمعا، طالما ان قواعده وقواته العسكرية على مرمى حجر من معسكرات وسلاح المليشيات في العراق وسوريا وجميع دول الخليج، وهو أمر بالغ الخطورة في مدى تداعياته ومنظوره القريب والبعيد .
وان جرت الظروف على هذا المنوال فعلى الرئيس دونالد ترامب أن يعيد كامل حساباته بشأن تقديرات الحرب او الاكتفاء بإجراء ضربة عسكرية محدودة الأهداف وتقدير كلفتها البشرية والمادية ونتائجها الإقليمية والدولية؛ خصوصا إن الروس، وقبلهم الإيرانيون يتمنون حدوث تلك الحرب قبل اكتمال تحضيراتها وجهوزيتها الكاملة من قبل أمريكا وحلفائها المحليين من دول الخليج .
وان أماني الإيرانيين تنحصر، كما يبدو، بالمغامرة الساذجة في محاولات إشعال مناوشات صدامات وافتعال تحرشات معينة من قبل أذرعها المليشياوية بدول عربية معينة يتواجدون قرب مناطق تواجد القواعد الأمريكية أو خليجية، ويعتقدون ان تلك الأفعال المنعزلة تؤدي إلى تحريك وضع حرب برية تقليدية على النمط الأفغاني لإغراق الولايات المتحدة بنفس السيناريو الذي اسقط الاتحاد السوفيتي.
ان المغامرة الإيرانية في محاولات الاستفزاز للولايات المتحدة تتجه نحو تبني سياسة الانتحار والسير نحو حافة الهاوية وهي تدفع المجتمع الأوربي يوما بعد يوم الى الاصطفاف مع الموقف الأمريكي والابتعاد عن الوساطة وقبول الأطروحات الإيرانية وتجاوزاتها في المنطقة وخاصة في التهديد لوقف تدفق شريان الطاقة عبر مضيق هرمز والخليج العربي.
إن الدواعش ومليشيات إيران في المنطقة يشكلون قاعدة ومتطوعي هذه الحرب المطلوبة ضد الولايات المتحدة، في حين تستبعد القيادة الأمريكية والبنتاغون مثل هذا السيناريو المرسوم في ذهن الإيرانيين في تفجير حرب عصابات تعتمد على الكر والفر على الأرض كقصف القواعد الأمريكية وأساطيل البحر وكذلك مهاجمة السفن التجارية وخطوط الملاحة والمنشئات البترولية الواقعة على الخليج العربي وحتى قصف الموانئ الخليجية.
ويبدو ان الحرب في ذهن القادة الأمريكيين ستكون حرب الأجواء والطيران المكثف والقصف الصاروخي عن بعد ، وتعطيل قدرات الخصم الكترونيا والإجهاز على قواعده الصاروخية وقدراته النووية، وهي قضية باتت مسلم بها وستبقى مثل هذه الحرب تحت السيطرة الأمريكية المطلقة وهو الخيار الوحيد الذي يفكر به ترامب إذا ما اضطر لحفظ ماء الوجه العسكري الأمريكي وقرر الهجوم بعد تأمين انسحاب أساطيله في عمق البحار القريبة والابتعاد عن تناول القصف الإيراني وأيادي أتباعه ومليشياته .
ربما يبدو أن الوضع العسكري الأمريكي في خيار صعب من ناحية الوقت والتوقيت وسرعة تصاعد الأحداث؛ خصوصا أن الطرف الإيراني بات يستفزه بالتصريحات تارة وفي أفعال استفزاز معينة غايتها دفع الأمريكيين نحو ردود فعل سريعة تستجيب لانفعالات وخصائص شخصية الرئيس ترامب المركبة والمعقدة، كما أن الوضع الأوربي الشعبي والرسمي ودول حلف الناتو لا يبدو عليها أنها مستعدة لقبول الحرب وليست بكامل الجهوزية والاستعداد لخوض حرب برية أو حتى جوية وصاروخية شاملة، رغم اعتماد البعض على فرضية قائمة وواضحة لدى القيادة الامريكية التي تنتهج وسائط الحرب الحديثة ، وترى بإمكانية شن هجومات ضاربة تنجز عن بعد بواسطة الصواريخ البعيدة المدى التي تكتفي بانتقاء ضرب أهداف عسكرية واستراتيجية إيرانية محددة وبهجومات سريعة جدا، لتقليل الخسائر المتوقعة عن أي رد فعل إيراني ومباغت او غير متوقع .
إن التنسيق الروسي الإيراني في كل مراحل التهيئة لساحة الشرق الأوسط لم يعد خافيا على المستوى السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري والأمني، ويبقى هدف روسيا القريب والبعيد أملا ، لم يتم الإفصاح عنه، سواء بالعمل على توريط الولايات المتحدة في التواجد في هذه المنطقة الساخنة من العالم وبذات الوقت تجري تهيئة مناخات وأجواء الرفض الإعلامي لهذا التواجد الأمريكي في المنطقة ويجري توفير امكانيات الدعم لإيران بشكل يجعلها توفر كميات الأسلحة والاعتدة لكل مليشياتها واذرعها المسلحة في مناطق الصدام المحتملة مع الأمريكيين، وخاصة في العراق وسوريا ، فأسلحة المليشيات واعتدتها تتطور من أسلحة خفيفة فمتوسطة إلى ثقيلة وصاروخية وكاتيوشا، كما هو حال حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وبعض فيالق الحرس الثوري وتوابعها فيلق بدر والعصائب في العراق، ومنها مليشيات أظهرت تجهيزات عسكرية اكبر في أسلحة حرب العصابات التقليدية.
لازالت روسيا هي الممون الرئيسي ضمن صفقات تجارية مع إيران، وحتى قذائفها الصاروخية وقذائفها من الهاون إلى الكاتيوشا فهي روسية الصنع، ربما تؤمن مستلزمات حرب العصابات المعروفة؛ إذا ما قررت إيران الشروع بها ومهاجمة الأمريكيين او حلفائهم. ان نفس ما جرى من تهيئة المستنقع الأفغاني لإسقاط الروس تعمل خلفه دول ومؤسسات دولية لإغراق الأمريكيين في حرب برية على أراضي الشرق الأوسط. وما التصريحات الإعلامية عن تنافس روسي إيراني في سوريا إلا جزء من نشر الغبار أمام واقع آخر ينتظر لحظة عمل قادمة .
ومثل هذا الخلاف سيبقى سطحيا، وربما يبدو أشبه بمناورة روسية إيرانية أو شكل من أشكال توزيع الأدوار بينهما للتمويه لا غير، ولن يصل الخلاف بينهما إلى صدام سواء في سوريا او غيرها.
الأسباب لبقاء وتطوير مثل هذا التحالف الروسي الإيراني كثيرة، تبدأ بعلاقة تاريخية عميقة بين الطرفين، انعكست بتنسيق وتعاضد لم تشبهما شائبة لعقود من الزمن سادتها التعبئة على مواجهة ما يسمى “العدو الغربي المشترك” ، وفي التعاون الخفي والمعلن بين الروس والإيرانيين للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المتخذة ضدهما، مروراً بتفهم موسكو لمصلحتها الاقليمية، كما لمصلحة إيران في التواجد في سوريا .
كما أن اشتداد التوتر الإيراني مع الأمريكيين يبقى في مصلحة وضع القوات الأمريكية المتواجدة شرق الفرات في منطقة الجزيرة السورية وفي صحراء الانبار قد يعتقد البعض إن مثل هذا الوضع يضغط على الأمريكيين ويجعلهم رهينة ضامنة لبقاء اليد الروسية مطلقة الفعل في التحكم بالوضع السوري ولضمان صفقة ما مع أمريكا تحفظ بقاء الروس في قواعدهم البحرية والجوية في سواحل سوريا على المتوسط.
هنالك جملة من الحقائق تكشف ان روسيا تتشارك مع إيران في تغيير طبيعة التواجد الديموغرافي لعناصر المليشيات القادمة من باكستان وأفغانستان وبإشراف إيراني مباشر، وهناك صمت للروس عن التغيير المذهبي الديموغرافي الجاري في مناطق نفوذهم في سوريا، وتتم عمليات نقل لملكية كثير من البيوت والأراضي الزراعية التي تركها السوريون الفارون من الحرب، إلى مرتزقة إيرانيين.
ان هناك مصلحة حقيقية للروس في الحفاظ على البعبع الإيراني ورعايته في الإقليم السوري والعراقي، لابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها من العرب ودول الغرب ايضا.
وهكذا ، كما وظفت أمريكا في ثمانينيات القرن الماضي الحرب على الاتحاد السوفيتي بتمويل سعودي وتجنيد مجاميع مقاتلة من فيالق الجهاد الإسلامي في أفغانستان حيث دربتهم وسلحتهم وعبأتهم ضد التواجد السوفيتي في أفغانستان؛ فان روسيا اليوم تعيد نفس الكرة، انطلاقا من سوريا وحتى العراق عن طريق النفوذ الإيراني في مواجهة الضغوط الأميركية، وقد ظلت روسيا ساكتة تماما عن التوغل الإيراني في العراق ونفوذ الإيرانيين في لبنان واليمن.
ومن المنطق البراغماتي في مثل هذه الحالة السياسية أن ليس من مصلحة موسكو أن تخسر تحالفها مع طهران، وستبقى تلعب بورقة الملف السوري، ما دامت توظفه في صلب لعبة التنازع على النفوذ مع الغرب والولايات المتحدة حول قضايا تمس بؤر التوتر في العالم، مثل مشكلة القرم والأزمة مع أوكرانيا ومؤخراً في فنزويلا، وفي مواجهة تمدد الدروع الصاروخية الروسية ، والأهم في الاستراتيجيات الروسية هو قطع الطريق على كل من يفكر في مد خطوط الغاز وتصديره من الإقليم باتجاه أوروبا، و أنه ليس ثمة حافز عميق أو سبب لدى موسكو يدعو لإنهاء وجود طهران في سوريا، وإن كانت تسعى لتحجيمه وتطويعه احينا، فسيظل ذلك في نطاق صراع الإرادات حول المصالح في سوريا، وما نقل عن بعض الخلافات في سوريا فهي قضية مرتبطة بما تتطلبه العلاقة الروسية الإسرائيلية التي تخضع للمصالح المشتركة بين روسيا واسرائيل والتعايش بينهما على الأرض السورية وفي لبنان أيضا.
ولا يخفي مثل هذا الموقف البراغماتي الروسي الحالي على المراقبين فهو يستفيد بصورة كاملة من دروس حرب أفغانستان؛ لكون اغلب المتطوعين العرب والمسلمين قد تمت تعبئتهم ضد الاتحاد السوفيتي عبر منظمات إسلامية، شكلت تنظيمات الإخوان عبر أقطار الوطن العربي رأس الرمح في التعبئة الجهادية ضد ” الاتحاد السوفيتي الشيوعي الكافر”. كان المتطوعون غالبيتهم من العرب السنة؛ لهذا يتوجب الاحتياط الروسي في مواجهة الأمريكيين في حالة اشتداد الصراع والذهاب إلى الحرب الجهادية من جديد ضد أمريكا هذه المرة، حيث يتم توظيف أبناء العرب الشيعة، وتركز إيران على تجنيد أبناء المذهب الشيعي خصوصا المتواجدين والمتطوعين في تنظيمات المليشيات الطائفية العراقية والسورية وحتى الباكستانية والأفغانية واغلبها خاضعة للحرس الثوري الإيراني .
ولهذا فان مسرح العمليات في المناطق المرشحة للالتهاب تحفزها روسيا من وراء الستار وتقوم بها ايران بشكل مباشر بحجة وأخرى، منها ما تتحرك بما يسمى المقاومة ضد التواجد الأمريكي، ومثل هذا الشعار وتوقيته تحدوه حسابات طائفية ومذهبية باتت مفضوحة، وهي تظل واجهة التبشير لامتداد سلطة الإمبراطورية الفارسية التي تحلم بها قيادة ولاية الفقيه وليس الهدف هو الوجود الأمريكي بحد ذاته.
لا تخفي روسيا نيتها المستترة في دعم مثل هذا الاتجاه ؛ بحكم ارتباطات إيران ومصلحتها مع روسيا، وحاجة إيران أيضا إلى فتح خطوط ومصالحات واسعة مع قوى معارضة أخرى، ذات توجه إسلامي سني، وتتم بعض التوافقات وإجراء بعض التحالفات عبر علاقات سرية تقوم بها مصالح روسية، منها تدعو إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي، وهي قوى سبق أن تعاونت مع إيران في محاصصات سياسية شهدها العراق في اكثر من محطة، ومنهم بقايا الدواعش، وفلول من القاعدة ، ومليشيات القوى شبه العسكرية التي تمولها إيران في العراق وسوريا، وتلك المجموعات المدعومة من طهران والناشطة اليوم تحت عناوين طائفية متعددة امتدت حتى الى غير المسلمين كما هو الحال في الحشد الكلداني ومجموعات اخرى تجري تعبئتها والإعلان عنها بعناوين سياسية ومنظمات ” جهادية” في العراق.