هؤلاء الذين قضوا في انفجار الحسينية في مدينة الثورة (الصدر) ببغداد، ومعهم الذين أُصيبوا بحروق وجروح وكسور وانكسارات نفسية ستلازمهم دهراً أو حياتهم بأكملها، ومعهم الذين تهدّمت بيوتهم ومدارسهم، ومعهم الذين صدمهم الحادث على امتداد العراق، دماؤهم وأرواحهم ومعاناتهم في عنق الحكومة ورئيسها حيدر العبادي أكثر من غيرهما.
لا عذر للعبادي وحكومته، فكائناً من كان الذي حوّل حسينية الى مخزن للأسلحة والذخيرة فإنه يتحمّل مسؤولية مباشرة عن هذه الجريمة التي لا ينبغي أن تمرّ كما مرّت سائر الجرائم المماثلة، لكنّ رئيس الحكومة يتحمل مسؤولية أكبر، فهو المُختار من الهيئة المنتخبة من الشعب (مجلس النواب) ليكون”المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة”بحسب ما قضى به الدستور.
واقع أنّ مَنْ حوّل حسينية في حي سكني مزدحم بالسكان إلى كدس سلاح وذخيرة هو ميليشيا لا يغيّر في مسؤولية رئيس الوزراء وحكومته، فهما المسؤولان عن ضمان الأمن للسكان، وهما المسؤلان عن تنفيذ القانون وحفظ النظام العام. لو كانت الحكومة ورئيسها متقيّدين بواجباتهما الدستورية ما كانا قد سمحا بتشكيل الميليشيات وما كانا قد سمحا بوجود السلاح خارج أيدي القوات الحكومية المحكومة بالقانون والنظام، وما كان لأحد أن يتجرّأ على حيازة السلاح وتكديسه في حسينية بجوار مدرستين وسط حي سكني شعبي.
مرات عدة سمعنا فيها رئيس الوزراء يؤكد ويُعيد التأكيد بأنه لن يسمح بأن يكون السلاح خارج يد الدولة، ولم يحصل شيء، مثلما سمعناه مرات عدة يؤكد ويُعيد التأكيد بأنه سيشنّها حرباً ضد الفساد والفاسدين شبيهة بالحرب ضد داعش، ولم يحصل شيء كذلك.. والآن، بفضل تردّد رئيس الوزراء وعدم حزمه وحسمه، يتجرّأ الفاسدون على خوض انتخابات مجلس النواب، ويفوز بعضهم بالمال العام المسروق، ويتجرّأ الفاسدون أكثر بالانقلاب على العملية الانتخابية التي صمّموها بأنفسهم ورفضوا أيّ تعديل في قوانينها وإجراءاتها يجعل منها عملية نزيهة وشفافة وعادلة، ويسعون حالياً لتخريبها لأن الانتخابات الأخيرة لم تأتِ بالنتائج التي أنفقوا من المال الحرام في سبيلها.
أقصى ما فعله العبادي في مواجهة الجريمة السافرة هذه أنه أمر بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادث (!). التجربة علّمتنا أن تشكيل لجنة على هذا النحو يعني تسجيل القضية ضد مجهول.
العبادي كان في وسعه، لو أراد، أن يتّخذ من الحادث مناسبة ليطلب من الميلشيات حلّ نفسها أو تسليم أسلحتها الى الدولة، أو أقلّه إخراجها بعيداً عن المدن والمناطق الآهلة بالسكان.
الطريف أنّ السيد العبادي، برغم هذا كلّه، يسعى إلى ولاية ثانية..!