وبعد إن كانت تطلق مسميات ثنائية، على أيام الإسبوع، كُلاً حسب صفته، من جملة تلك المسميات(السبت الممدوح, والأحد يوم الدنيا, والاثنين المنحوس, والثلاثاء المبارك, والأربعاء المشؤوم, والخميس المحمود, والجمعة سيدة الأيام)، صار من محاسن الصدف، إن الحكومة العراقية، وحدت تلك المسميات والأسماء، تحت صفة وعنوان واحد، بدلاً من إن تتشعب الآراء بالأسماء والكنى، وصار مفهوم الأيام يعرف من كلمة “الدامي”، الصفة المروعة من الدماء والأجساد المتقطعة، والتي تلائم جميع الايام .
يومٍ جديد دامٍ! يزف سرباً من أرواح الطيور المهاجرة الى السماء، حيث الله يفترش الجنان لإستقبالها، تاركةً ورائها أجساد مقطعة،وأحشاء تملأ شوارع الكرادة، قلوب وأمعاء وأطراف الأطفال، مبعثرة في كل مكان، تبذل فرق الإسعاف والإغاثة،ما بوسعها للملمة الجسد الواحد، وإن كانت الأجناس مختلفة، قد يحمل النعش المشيع يد طفل شيعي ورأس طفل سني،وأحشاء ثالث مسيحي،لا فرق سيجتمعون عند الله بأجسادهم، وستذهب الأرواح سعيا الى الله، حاملة أجسادها المقطعة الدامية كما هي، وتقول له يا رب”بأي ذنب قتلنا فلان وفلان”؟
من الذي قتلهم؟من السبب بقتلهم؟هل ندين الإرهاب ونحمله مسؤولية ما حدث؟ولكن يبقى السؤال الأهم، من هو الإرهاب؟الذي فعل فعلته بأهلنا في الكرادة،وهل هو نفسه الذي أرهب مدينة الصدر من قبل؟ الشيء الغريب الذي أعقب ما حدث في الكرادة، هو إنه لم يتقاذف السياسيين التهم فيما بينهم! فلماذا يا ترى؟هل أحس الجميع بخطيئته هذه المرة؟ أم إنه لم تسنح الفرصة لإتهام الأخرين؟أم هو خجلا وحياءاً من الشعب، فتنة إتهام البعض للبعض، لم تعد قادرة على دفع الشبهة عن المقصرين.
بعد أنتصار الثورة الإسلامية في إيران، وإطاحة حكم الشاه،عاشت إيران فترة دموية مرعبة، لدرجة إن عمال النظافة في البلديات،يستيقضون يومياً على جمع جثث الأبرياء،من شوارع المدن الإيرانية،ضاق الإيرانيون ذرعاً من الإرهاب،الأمر الذي تطلب تعيين أحد قادة الثورة،مسؤولاً أمنياً بصلاحيات أكبر،عمل على أن لا يودع الارهابيين السجون،يأمر بإعدام الإرهابي وتعليق جثته في الشارع، وبدلا من أن يعمل العمال على اخلاء جثث الضحايا، صاروا ينظفون الأعمدة الكهربائية من جثث ألإرهابيين يومياً،الامر الذي قضي على الارهاب كلياً وخلال فترة(6 اشهر فقط).
من خلال ما قام به المسؤول الإيراني في بلده، نستطيع أن نشخص السبب الأول الذي يدعو الى الإرهاب في العراق،وهو وجود الإرهابيين في سجون الحكومة العراقية، مما يؤمن خروجهم بصفقات مشبوهة فيما بعد، ناهيك عن الإرهاب السياسي، الذي زرعته الحكومات السابقة في مفاصل الدولة، حيث تجد إن أغلب المتحكمين بقرار الأمن بالبلاد هم تيار إرهابي، كان يعمل تحت وصاية حزب البعث الصدامي، بالإضافة لذلك خلاف الشركاء السياسيين، والذي بات واضحاً بإنعكاساته على الشارع العراقي.
ما حصل في الكرادة مرهون بعدة أسباب،منذ أكثر من ثلاث سنوات، تحدثت الأوساط السياسية والحكومية، على صفقة شراء أجهزة كشف المتفجرات الفاشلة( السونار اليدوي)، فلماذا لم تسحب تلك الإجهزة من حينها؟ وعلى الشعب أن يدرك إن الحكومة قد إستهرت واستهزأت بالشعب العراقي من خلالها مرتين، الإولى عندما أتت بصفقة تلك الأجهزة الفاسدة، وأذهبت أموال الشعب ثمناً لها، والثانية عندما أبقت هذه الأجهزة الفاشلة في الخدمة، تحصد أرواح الابرياء يومياً، مع علمهم بعدم قابليتها على كشف المتفجرات.
إذا ما كانت صفقة أجهزة السونار مشبوهة، وعلى أثرها أزهقت أرواح الأبرياء، وأستعصمتم عن محاسبة المتورطين بها،لأنهم ينتمون لكتلة الحزب الحاكم، فلماذا لم يرتب أثر؟يجنب المدن العراقية دخول المتفجرات!وفق خطط أمنية ناجحة ومسؤولين أكفاء مهنياَ،لماذا المنظومة الأمنية دخلت نفق المحاصصة؟وهل كون رئيس اللجنة الأمنية البرلمانية من الكتلة (ص)؟ يحتم أن يكون رئيس لجنة الأمنية بالمحافظة وقائد الشرطة من نفس الكتلة! وأين دور هولاء في تفجير الكرادة؟ وبما إنهم يمثلون مسؤولية الأمن! فلابد أن يكونوا شركاء إرهاب بالجريمة النكراء.
وأخيرا؛ سجلنا خلال الأعوام السابقة لكل مدينة فاجعة، ولكل يوم دماء تنزف “من الأحد الدامي تباعاً الى السبت الدامي” وعصي الأجهزة الكاشفة، لازالت تسمح بدخول الموت الجماعي والدمار نحو الأبرياء العزل، الخطط الأمنية لا زالت بخندقها، والمسؤولين الأمنيين أنفسهم،يعيدون خارطة الفشل في حماية الشعب، لا جديد في العراق، إلا دماء الأبرياء، تتجدد كل يوم في شوارع المدن المدمرة بفتوى الإرهاب، خمسة أجهزة أمنية في بغداد،غير قادرة على حمايتها! لا نحتاج الى هكذا عدد كبيرمنها، بقدر ما نحتاج الى استبدال الوجوه الكالحة التي تديرها، والتي دمرت وقتلت الشعب بأيدٍ باردة ناعمة.