صدام حسين قطع الأعناق والمالكي حجب الأرزاق عن الكرد، وعندما يكون الخيار ما بين الاثنين حتماً سيكون الحبل ارأف من مقصلة الجوع، ولم يتوقف هنا بل اكثر من ذلك رئيس اقليم كردستان عندما كان الخلاف بينهما راهب المشهد السياسي في العراق، قائلاً: ان رجل الولايتين يحاول من وراء ذلك قلقلة الجبل وتحريك الشارع الكردي نحو المطالبة بتغير النظام في الاقليم بعد ان تعجز ميزانية كردستان على اسكات تلك الاصوات، وربما ان ما اشتهاه زعيم دولة القانون ولم يجده على طاولة الرئاسة، تحقق ولكن عندما امسى بعيداً عن القصر.
ما يحدث في كردستان لا يمكن القول بانه اشتغال داخلي بدافعات هواء خارجية، فالامر مازال في بادئه لا يحتمل البت والجزم، لربما ان المشهد مرتبط في جزء منه بفصول اسدل عنها الستار مؤقتاً وليس كما يعتقد البعض ان الكتاب قد اختتم باربع سنوات من الاقتتال الذي راحت كلفته تقترب من عشرة الاف قتيل وركام ابنية والشروع بشكل رسمي باقتسام الجبل ما بين الطرفين المتقاتلين، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، بدلاً من تقسيمه الى “صخور ديمقراطية”.
رفعت اتفاقية واشنطن، السبابة من الزناد وأوقفت نزيف الدم الكردي، لمقتضيات المرحلة الظرفية لستراتيجية البيت الابيض آنذاك، التي دفعت باتجاه تبريد منطقة الشرق الاوسط برمتها واطفاء ما يشتعل منها، فيما لم ينتبه اللاعبون الرئيسون في “عاصمتي” الاقليم ان الاتفاق كان مثبتاً عليه من الاعلى فترة “انتهاء الصلاحية”، وعلى الطرفين قراءة الاطلس الكردستاني وتحديث بياناتهم بما ينسجم مع فيدرالية 2003 وصعود القوى المعارضة في انتخابات عام 2009.
تجاهل الأرقام واعتماد حسابات التوريث تعني انك ستغادر الحلم الكردستاني وما يتبقى منه سوف لا يكون اكثر من “أضغاث حرب”. البيشمركة عليها ان توقف عجلة (داعش) على ابوابها للاحتفاظ باكثر من 60 الف كيلو متر، مما يتطلب ان تكون له بوابة موصودة لتحطيم العجلة. نعم قد ترسم الحدود بالدم كما قالها مسعود البارزاني ولكن من الصعب تطويقه والسيطرة عليه في انتاج كرسي رئاسي في قصر كردستان بزي الابناء والاحفاد وادارة الظهر الى الارقام.
“لا صديق للكرد سوى الجبل”، لابد للابن ان يسحب مقولة والده الملا، من الارشيف ويعيد قراءتها بمعطيات غياب “مام” جلال وصرخات السليمانية. الهتافات لا يمكن ايقافها بمنع مرور الشركاء الى اربيل، بل انها تدفع بها ان تتحول الى ضجيج وابواق تحتمل اكثر من تفسير لتطويق القصر، فيما تبقى جغرافية دولة كردستان محاطة بكوابيس ممانعة الدول المجاورة. وتعثر ولادة اقليم بلباس دولة يعني انك اهدرت حق اكثر من 35 مليون حلم.