22 ديسمبر، 2024 11:25 م

ضبابية “الورقة البيضاء” بشأن القطاع النفطي

ضبابية “الورقة البيضاء” بشأن القطاع النفطي

بعد اطلاعي على وتقييم ما ورد في الورقة البيضاء بشان القطاع النفطي توصلت الى ان الورقة، في ضوء ما ورد في نص الهدف العام المشترك لقطاعي النفط والغاز، انطلقت من تشخيص خاطئ لواقع القطاع النفطي، ودعوتها لتبني منهجية غير معمول بها حصرا ، وطلبها الاسراع بتشريع قانون تجاوزته الاحداث لم يعد صالحا على الاطلاق، والى فصل كارثي في الهيكلية التنظيمية للقطاع النفطي، والى تبني نهج (خصخصة مبطنة ) يتعارض مع دور ومسؤولية الدولة في اوقات الازمات؛ كل هذا يدلل على ضبابية وسوء اسس الورقة البيضاء وبدلا من ان تكون ورقة اصلاح، تصبح “مانيفستو ثاني مُحَدَث” لإضعاف الاقتصاد العراقي وتعميق ازماته من خلال تفكيك القطاع النفطي.
قبل البدء في الخوض بموضوع هذه المداخلة اجد من الضروري الاشارة الى ما يلي:
لدي ملاحظات عديدة على ما ورد في “الورقة البيضاء” ولكنني، بحكم التخصص، سأركز على ما يتعلق بالقطاع النفطي، واتمنى من ذوي الاختصاص والخبرة العملية في القطاعات الاخرى المساهمة ببيان الراي؛
اضافة الى الورقة ذاتها (96 صفحة) هناك عدد من “الملاحق الفنية” للورقة سيتم اصدارها “بشكل منفصل”، دون ذكر عددها ومتى وكيف سيتم ذلك وما هي طريقة الحصول عليها؛
واخيرا توجد “خطة تنفيذ تفصيلية تشمل الاجراءات المطلوبة والجهة المعنية بالتنفيذ والجدول الزمني واليات المتابعة” سيتم اصدارها “بعد اقرار الورقة البيضاء اصوليا”؛ ومن الجدير بالذكر ان مجلس الوزراء أقر هذه الورقة بتاريخ 13 تشرين اول وصوت مجلس النواب على القانون الثاني للاقتراض يوم 12 تشرين ثاني؛ ولكن لحد الان لا يوجد ما يشير الى ” اقرار الورقة البيضاء اصوليا”. بتعبير اخر ان ما هو متوفر فعليا الان هو الورقة البيضاء فقط وبصيغتها (الاولية) الصادرة بتاريخ تشرين اول 2020.

تناولت الورقة البيضاء- الورقة- في المحور الثاني/ البند ثانيا/ الفقرة –ب- “قطاعا النفط والغاز”.
لفقرة “قطاعا النفط والغاز” مدخل يتكون من جملة واحدة تمثل، من الناحية الفعلية، الهدف العام المشترك لكلا القطاعين، قطاع النفط وقطاع الغاز!!، ثم الهدف القطاعي لكل منهما يتم تحقيقه من خلال قائمة من الفقرات (11 فقرة لقطاع النفط و 5 فقرات لقطاع الغاز) وهي مجرد عناوين تتسم بالعمومية والخلط بدون اية مؤشرات على الاطلاق ومعظمها، منهجيا وتحليليا، تتسم بالرغبوية Normative and wishful .
وعليه ستقتصر هذه المساهمة على تحليل الهدف العام المشترك، ولأغراض المقارنة والدقة سيتم عرض نص الهدف كما ورد في الورقة ثم تحليل وتقييم ما ورد فيه في ضوء الادلة والشواهد المتوفرة.
الهدف العام المشترك لقطاعي النفط والغاز
تنص الورقة على ما يلي: ( يهدف اصلاح القطاعين الى “زيادة فاعلية الاداء في القطاعين من خلال تطبيق منهجية تجارية ومعايير الحوكمة فيهما، والاسراع بتشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، وفصل مسارات العمل التنظيمي عن الاداري، والانتقال تدريجيا من نهج تقوده الدولة الى نهج قطاع خاص تشرف عليه وتراقبه الدولة”).
يتضمن النص اعلاه جملة من الاجراءات التي يجب اتخاذها لزيادة فاعلية الاداء واصلاح القطاعين، وان تحليل هذا النص يقود الى الملاحظات التالية:
اولا: تنطلق الورقة من تشخيص غير دقيق ان لم يكن خاطئ ًمن ناحية الواقع الفعلي للقطاع النفطي في العراق؛ حيث لا يوجد قطاع للنفط وقطاع اخر للغاز، وان ما هو موجود هو القطاع النفطي فقط. كذلك ان جميع الغاز الطبيعي المنتج حاليا، باستثناء حقل غاز السيبة، هو من الغاز المصاحب. وكما هو معروف بين المعنيين والمختصين ان القطاع النفطي يتكون من ثلاثة قطاعات جزئية: قطاع الاستكشاف والتطوير والانتاج (وهذا ما يطلق عليه في ادبيات الصناعة النفطية (Upstream)، القطاع الذي يشمل مختلف المنشآت السطحية من انابيب وخزانات ومحطات الضخ وغيرها (وهذا ما يطلق عليه في ادبيات الصناعة النفطية (Midstream)، اما القطاع الثالث فيتعلق بالتصفية والصناعات البتروكيماوية وتصنيع الغاز (وهذا ما يطلق عليه في ادبيات الصناعة النفطية Downstream).
لكل من هذه القطاعات الجزئية خصوصية متميزة في طبيعة نشاطاته وهيكليته والاطر القانونية الحاكمة والمنظمة له وغير ذلك. كما لابد من التأكيد ان الصناعات البتروكيماوية في العراق لا تقع ضمن مهام وزارة النفط، بل ضمن مهام ونشاطات وزارة الصناعة والمعادن.
عندما تنطلق الورقة من تشخيصات خاطئة او غير دقيقة فهذا يقلل من امكانيات تنفيذ او نجاح الاصلاحات التي تدعو الورقة لها؛ فما بني على خطأ يكون خطأ!!

ثانيا: يهدف الاصلاح حسب النص اعلاه الى (زيادة فاعلية الاداء في القطاعين من خلال تطبيق منهجية تجارية ومعايير الحوكمة فيهما). يثير هذا النص الكثير من التساؤلات التي نورد الاهم منها.
لم يتم تحديد نوعية وقيمة مؤشر “زيادة فاعلية الاداء” وكيفية قياسه واساس القياس وما هو الحد الادنى المقبول او الذي تهدف الورقة اليه وهل يسري على كلا القطاعين وعلى القطاعات الجزئية … وغير ذلك. ان الاكتفاء بهذه العمومية غير القابلة للقياس والتحقق يقلل من جدية الورقة في “زيادة فاعلية الاداء”؛
تحصر الورقة زيادة فاعلية الاداء بتطبيق منهجية تجارية ومعايير الحوكمة. تتعمق هنا مشكلة الورقة في فهم وتشخيص العوامل والظروف ومتطلبات “زيادة فاعلية الاداء”؛ فهناك ما يتعلق براس المال البشري، ومنها ما يتعلق بالجوانب الهيكلية والتنظيمية واساليب العمل، ومنها ما يتعلق بتبني التكنولوجيا الحديثة والملائمة، وهناك ما يتعلق بالعوامل الاجتماعية والسياسية وغير ذلك من العديد من العوامل المؤثرة على كفاءة وانتاجية الاداء. وعليه فانه من الخطأ الكبير حصر “زيادة فاعلية الاداء” بتطبيق منهجية تجارية ومعايير الحوكمة (غير المحددة بالورقة). وفي هذا المجال اجد من الضروري ذكر شرطين مهمين يتم عادة الاستشهاد بهما في التحليل الاقتصادي وكذلك القانوني؛ وهما شرط “الضرورة” وشرط “الكفاية” الذي يتضمنهما التعبير المشهورNecessary but not sufficient condition اي ان تطبيق منهجية تجارية ومعايير الحوكمة Governance شرط ضروري ولكنه غير كافٍ لزيادة فاعلية الاداء، كما يتضح ادناه؛
بالتاكيد ان تطبيق منهجية تجارية شيء مهم وضروري ولكنه، وبالتاكيد ايضا، ان هذا التطبيق غير ولن يكون كافيا وخاصة في القطاع النفطي. فعلى مستوى المشروع يتم عادة اعداد دراسات تفصيلية تتعلق بالجدوى الاقتصادية والفنية وقد تسبقها اعداد التصميم الهندسي الاوليFEED ؛ وتعتمد هذه الدراسات على متغيرات عديدة من ضمنها المعايير التجارية. كذلك قد تكون هناك اعتبارات استراتيجية او متطلبات الامن الاقتصادي الوطني التي يتم بموجبها تبني المشروع بغض النظر عن المنهجية التجارية وخاصة ان كانت هذه الاخيرة تركز على اعتبارات الربح والخسارة وفي الامد القصير. وفي حالة المشاريع طويلة الامد، كما هي عليه الحال في مشاريع تطوير الحقول البترولية، يتم التقييم من خلال استخدام منهجية “النمذجة المالية- Fiscal Modelling” التي تغطي عدد كبير من المتغيرات والحالات للوصول الى الحالة المثلى Optimal. وقد ساد الاتجاه خلال السنوات الاخيرة لدى شركات النفط الدولية ومكاتب الخبرة والاستشارة المتخصصة الاهتمام بتطوير نماذج خوارزمية Algorithm يمكنها وبسرعة من معالجة عدد هائل (مئات او آلاف) العوامل والحالات من اجل المساعدة في التوصل الى قرار الاستثمار النهائي Final Investment Decision… الخ. هكذا يتم ، ويجب ان يتم، تقيم المشاريع وخاصة مشاريع القطاع النفطي، وليس الاقتصار على منهجية تجارية مبسطة لا تصلح مطلقا لمثل هكذا مشاريع.
خلاصة القول يبدو ان الورقة اعتمدت منهجية اولية بسيطة لا تتناسب مع ما معمول به في الصناعة النفطية الدولية ولا حتى ما معمول به في العراق؛ وهذا يدلل على عدم اطلاع من اعد الورقة البيضاء على واقع القطاع النفطي العراقي ومنهجيات تقييم المشاريع المعتمدة ربما منذ عقود. وبهذا الخصوص انني أأكد اننا كنا نقوم منذ منتصف عقد سبعينات القرن الماضي باعداد دراسات الجدوى الاقتصادية والفنية للمشاريع في دائرة المكامن وتطوير الحقول في شركة النفط الوطنية العراقية وانني قمت، في حينها، باعداد دليل حول هذا الموضوع قامت الشركة في حينه باعتماده وتوزيعه.
ثالثا: تنص الورقة على “الاسراع بتشريع قانون النفط والغاز الاتحادي”
حول هذا الموضوع اود بيان ما يلي:
لم اجد في الورقة البيضاء ما يبرر تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي او الاسراع بتشريع هذا القانون على الاطلاق؛ علما ان المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي لم يتضمن الاشارة الى هذا القانون؛
منذ تاسيس الدولة العراقية ولغاية تاريخه لا يوجد اي قانون “موحد” للنفط والغاز، وما موجود هو مجموعة كبيرة من القوانين التي تعنى بجوانب مختلفة للقطاع النفطي الذي حقق نتائج مشهود لها لغاية نهايات عقد سبعينات القرن الماضي ؛
بعد احتلال العراق عام 2003 ظهرت الدعوة لتشريع “قانون النفط والغاز الاتحادي” تماشيا مع النظام السياسي الاتحادي الذي فرضه المحتل والذي اقره الدستور (عام 2005). لغاية تاريخه توجد على الاقل اربع مسودات متباينة لقانون النفط والغاز الاتحادي وقد تجاوزت الاحداث والتطورات والقوانين جميع تلك المسودات مما يجعلها جميعا غير قابلة للتشريع. يضاف الى ذلك قيام حكومة الاقليم باصدار قانون نفط خاص بها يتعارض مع الدستور ولم تحصل موافقة الحكومة الاتحادية عليه؛ فأي من تلك المسودات تريد الورقة البيضاء الاسراع في تشريعها!!؟؟
جميع تلك المسودات الاربع لقانون النفط والغاز الاتحادي لا تسري على نشاطات التصفية وصناعة الغاز وبقية الصناعات البتروكيماوية؛ فهل يعلم من اعد الورقة البيضاء بهذه الحقيقة، وهل اطلع على اي من المسودات الاربع للقانون قبل الاصرار على الاسراع بتشريعه!!؟؟
يستخلص مما تقدم يبدوا ان هناك نقص معرفي كبير بقانون النفط والغاز الاتحادي ولم تقدم الورقة البيضاء اي مبرر على الاطلاق، منطقيا او عمليا، للاسراع في تشريع هذا القانون. وانني ارى ان جميع المسودات السابقة اصبحت قديمة وغير ممكنة التشريع والتطبيق من جهة، وفي حالة الاصرار على تشريع مثل هذا القانون لا بد من تقديم مشروع قانون جديد يختلف جذريا وكليا عن تلك المسودات السابقة؛ وفي هذه الحالة فان تجربة حوالي خمسة عشر عاما مع المسودات الاربع تشير ان هذا الامر يتطلب جهود مكثفة ومعقدة ولمدة طويلة وقد لا تنجح في النهاية!
رابعا: فصل مسارات العمل التنظيمي عن الاداري
ترى الورقة البيضاء ان الاصلاح في “قطاعي النفط والغاز” يتطلب فصل مسارات العمل التنظيمي عن الاداري.
حول هذا الفصل المقترح اود بيان الملاحظات التالية:
لم توضح الورقة من وما هي “مسارات العمل التنظيمي” و”مسارات العمل الاداري” في اي من القطاعين، وكيف يساهم الفصل بين هذين المسارين في اصلاح كلا القطاعين وما هي المؤشرات، الكمية او الوصفية، التي يمكن الاسترشاد بها لتقييم مدى نجاح او فشل هكذا اصلاح؛
من النواحي العملية التطبيقية والمعرفية التحليلية يمكن القول ان اي وحدة اقتصادية، سواء كانت انتاجية او خدمية، وفي اي قطاع ومهما كان حجمها فان استمرار نشاطها يعتمد على تكامل وتناسق ثلاثة متطلبات ( اي مسارات بلغة الورقة البيضاء) اساسية: الهيكل او الاطار التنظيمي وما يحكمه من ضوابط ؛ مستويات الادارة واتخاذ القرار؛ الجوانب التنفيذية والعملياتية. هذه المسارات الثلاثة ، التنظيمي والاداري والتنفيذي، مترابطة متكاملة يدعم بعضها بعضا ولا يعوض احدها الاخر (وهذا ما يطلق عليه في المنطق والتحليل الاقتصادي Mutually inclusive)؛
كلما اتسع وكبر حجم الوحدة وتعقد مجال نشاطاتها كلما انعكس ذلك على الاطر التنظيمية والاساليب الادارية والمهمات التنفيذية. فلو نظرنا الى وزارة النفط (التي تمثل كامل القطاع النفطي العراقي) او الى مركز الوزارة فقط وجميع تشكيلاته او الى اي من الشركات العامة والمعاهد المرتبطة بالوزارة نجد ثلاثية المسارات التنظيمي والاداري والتنفيذي في كل من تلك “الوحدات” وفي جميع التشكيلات ضمن تلك الوحدة.
في ضوء ما تقدم اجد ان دعوة الورقة البيضاء الى فصل مسارات العمل التنظيمي عن الاداري في القطاع النفطي ليست غير واضحة ومشوشة فقط، بل انها خاطئة ناقصة (لتجاهلها الجانب التنفيذي العملياتي) وانها خطرة للغاية كذلك (لأنها تدعو الى فصل العلاقة العضوية بين مسارات العمل التنظيمي والاداري) حيث تسبب الكثير من التخبط الذي تترتب عليه نتائج كارثية.

خامسا: الانتقال تدريجيا من نهج تقوده الدولة الى نهج قطاع خاص تشرف عليه وتراقبه الدولة
هذا هو اخر اهداف الورقة البيضاء، وهو بنظري اسوء واخطر الاهداف واكثرها عدم واقعية. ان الدعوة الى تحجيم دور الدولة لصالح القطاع الخاص معقد وشائك وتتباين بشأنه الطروحات الفكرية والسياسات المعتمدة الى حد كبير جدا على المستوى الدولي. وبالتاكيد ان هذا ليس المجال للخوض في هذه الطروحات او عرض وتقييم السياسات الاقتصادية، ولكن على قدر ما ورد في الورقة البيضاء اود ان ابين ما يلي:
جاءت توصية الورقة عامة لتشمل كل مرافق القطاع النفطي؛ وهذا بنظري يشكل تجاوزا على الدستور وعلى الاعتبارات الاستراتيجية ومتطلبات الامن الوطني الاقتصادي بسبب هيكلية الاقتصاد العراقي؛
تناقض الورقة ذاتها بذاتها؛ ففي الوقت الذي تشير فيه الورقة البيضاء الى” ان القطاع الخاص نشط اساسا في مجال الاقتصاد غير المنظم، وتمثل ذلك في الشركات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة..” فانها تدعو الى ان يتولى نهج القطاع الخاص الدور الفاعل في القطاع النفطي واقتصار دور الدولة على الاشراف والمراقبة!!!. وبسبب الضعف الهيكلي للقطاع الخاص العراقي سيكون البديل طبعا القطاع الخاص الاجنبي؛
لا يوجد على الاطلاق اعتراض على مساهمة القطاع الخاص المقتدر (ماليا وتقنيا وخبرة فعلية) عراقيا كان او اجنبيا، في مشاريع القطاع النفطي، وان الشواهد المادية على ذلك كثيرة وفي مختلف المشاريع النفطية. فالشركات الاجنبية (الخاصة او الحكومية) تساهم، بشكل او باخر، في جميع مشاريع تطوير الحقول سواء كان ذلك في حقول جولات التراخيص او تلك التي يتم تطويرها بالجهد الوطني، وشركة غاز البصرة عبارة عن مشروع مشترك تساهم فيه شركتين اجنبيتين بنسبة 49%، وتساهم الشركات اليابانية في تطوير مصفى البصرة، والامثلة الاخرى عديدة. ولكن المساهمة شيء والتحول الى نهج يقتصر بموجبه دور الدولة على “المراقبة والاشراف” شيء اخر: كارثي وغير واقعي وغير مسبوق لا في العراق ولا في اية دولة؛
يبدوا ان الورقة البيضاء تعيد ،بشكل مبطن، طرح نفس الافكار التي طرحت في السنوات الاولى بعد الاحتلال والتي كانت تدعو الى “خصخصة القطاع النفطي” بشكل مباشر او تدريجي او غير مباشر.
مثل هذا التوجه قد يخلق بيئة حاضنة ومشجعة للفساد والهدر. ومن اوضح الامثلة على ذلك: مصفي ميسان الاستثماري مع شركة ستارم المفلسة ماليا وغير المقتدرة فنيا وتقنيا والذي بعد سبع سنوات لا زال فعليا حبر على ورق؛ قرار وزير النفط الاسبق جبار لعيبي في تفكيك مستودع المفتية النفطي بدون اية موافقات اصولية او تهيئة البديل؛ القرار الاخير لوزير المالية الحالي ، د. علي علاوي (مهندس المانيفستو الاول والثاني!!) ، بشان بيع ممتلكات الدولة بدون ضوابط وبدون شفافية؛
وفيما يتعلق بدور الدولة يبدوا ان الورقة البيضاء لا زالت اسيرة ايديولوجية تحجيم دور الدولة/الحكومة رغم ان الشواهد التاريخية الحديثة تؤكد عكس ذلك خاصة في وقت الازمات الاقتصادية (2008 مثلا) والتهديد البايولوجي (ازمة كورونا الحالية مثلا) والبيئية (الكوارث الطبيعية المتكررة كالحرائق والاعاصير مثلا) (الامثلة الثلاثة كلها مأخوذة من تجربة الولايات المتحدة الامريكية- اكثر الدول تبنيا لأيديولوجية تحجيم دور الحكومة، ولكن لم يقتصر دور الدولة فيها وفي تلك الظروف على “الاشراف والمراقبة”). فكيف يمكن ان تتم الدعوة لتحجيم دور الدولة في العراق والبلد عاش ويعيش ازمات منذ عام 1980 ولغاية يومنا هذا!!!. وفي هذا المجال اود الاشارة الى تقرير 2020-21 للبنك الاوربي للاعمار والتنمية EBRD حول دور الدولة، حيث سلط الكثير من الضوء على هذا الموضوع تحليليا وتوثيقيا وتطبيقيا.

في ضوء ما تقدم عن ما ورد في الهدف العام للورقة يمكن القول ان الورقة البيضاء انطلقت من تشخيص خاطئ لواقع القطاع النفطي ودعوتها لتبني منهجية غير معمول بها، وطلب الاسراع بتشريع قانون تجاوزته الاحداث لم يعد صالحا، والى فصل كارثي في الهيكلية التنظيمية للقطاع، والى تبني نهج يتعارض مع دور ومسؤولية الدولة في اوقات الازمات؛ وكل هذا يدلل على ضبابية وسوء اسس الورقة البيضاء وبدلا من ان تكون ورقة اصلاح، تصبح “مانيفستو ثاني” لإضعاف الاقتصاد العراقي وتعميق ازماته.
والسؤال الان ، هل يحتمل ان تكون الورقة البيضاء قد عالجت جميع الملاحظات اعلاه عند طرح الاهداف التفصيلية لقطاعي النفط والغاز في “الملاحق الفنية” او في “خطة التنفيذ التفصيلية”؟
الاجابة تتوقف على توفير كل من “الملاحق الفنية” و”خطة التنفيذ التفصيلية” و “تفاصيل مشروعات القوانين المطلوب تعديلها” بعد اقرار “النسخة النهائية للورقة البيضاء أصوليا”!
لذا فأنني ادعو “خلية الطوارئ للإصلاح المالي”، وهي من اعدت الورقة، الاسرع في توفير كل من “الملاحق الفنية” و”خطة التنفيذ التفصيلية” و “تفاصيل مشروعات القوانين المطلوب تعديلها” لكي تتاح الفرصة للمعنيين بتقييم الورقة استنادا الى تلك الوثائق وما تتضمنه من بيانات ومعلومات.