18 ديسمبر، 2024 9:08 م

ضاعَ الخيط معَ العصفور … لا أخلاقَ ولا دستور

ضاعَ الخيط معَ العصفور … لا أخلاقَ ولا دستور

على ضوء الصراعات المستمرة :
يبدو أنّ العملية السياسية الجديدة بعد مرحلة سقوط نظام البعث في العراق ضاعتْ كما ضاع الخيط والعصفور ، ولم نجد لحدّ الآن من يستطيعُ مسك الخيط أو حتى طرفه من أجل الوصول الى حلول منطقية واقعية صحيحة في أجواء تسودها الفوضى وتتحكم ُبها الصراعات المصلحية والنفعية والفئوية الضيقة بعيداً عن هموم الوطن والمواطنين . ويبدو أن ذلك العصفور رغمَ صغر حجمه وضعف قدرته على الطيران استطاعَ أن يفلت مع الخيط المربوط برجله من قبضة الذين لا يفهمون أصول السياسة ولا يجيدون أداء أدوارهم بالشكل الديمقراطي الصحيح . وبضياعه فقد ضاع كل شيء في هذا البلد من الألف الى الياء . وحتى الدستور الذي هم كتبوه وفصلوه وفقاً لقياساتهم الذاتية – وليس لمصلحة الوطن – أصبحَ مُجرّد ( فزاعة ) لا احترام ولا هيبة لها . بل جعلوه أداة قابلة للتمدّد والتقلص وفقَا لحاجاتهم الآنية ولفرض ما يرونه ضروريا لهم ولمصالحهم الذاتية . كما أن ضياع العصفور أفقدهم حتى الأخلاق التي من المفترض أن تكون السمة الغالبة لمن يتسنمُ زمام الأمور في بلد يملك عمقا حضاريا عظيما . فلجأوا الى حلبات المصارعة الحرّة وأمام الملأ دون أن يحافظوا ولو على قطرة حياء في جباهم . وأصبحت هذه الحلبات مسارحَ لاظهار العضلات البيضاء والسمراء والصفراء ، وأماكن مُميزة للزعيق والنعيق والنهيق ، ومشاهد متكررة للحركات البهلوانية المدهشة والمضحكة . وعلى ضوء ما تقدم يطرحُ السؤال نفسه دائما : أين اختفى العصفور وهل سيجدونه يوماً ما ؟ وللاجابة على هذا السؤال لابدّ أولا أن نبحث عنهُ تحت الكراسي المنتشرة في ( كافتيريا البرلمان ) ، فهذا المكان الرومانسي الرائع أنسبُ مكان له بنفش ريشه والاستمتاع بأجواء فنطازية تمنحه حرية الحركة بين أقدام ( السادة أعضاء البرلمان ) حفظهم الله . وهو يعرف تماما أن فرصة المسك به بعيدة جدا عن أديلوجياتهم وتوجهاتهم وطموحاتهم ( الفردية والجماعية ) وعن ذكائهم وفطنتهم . وربّما البحث عنه في غرف ومكاتب أصحاب المقامات والفخامات لا فائدة منه طالما أن أحلامهم العريضة المفعمة ( باللؤلؤ والمرجان ) تحجبُ الرؤيا عنهم لمشاهدة عصفور صغير – لا حول ولا قوة له – يبحث عن مأوى آمن يحميه من صخب الصدامات العنيفة والمشاكسات غير الأخلاقية . ومن هنا يتضح وبلا أدنى شك أن الخيط السحري الرفيع المربوط برجل العملية السياسية الصحيحة لا يمكن المسك به ان لم تكن ثمة أجواء واضحة مشرقة صافية لا تعكرُ صفوها خفافيش الليل ولا غربان الدول الاقليمية ولا الحشرات الطائرة . وان مسك ذلك الخيط واعادة العملية السياسية الى حضنها الأمين يتطلب وجود ضمائر عراقية حية ، والى وجوهٍ لا ترتدي الأقنعة ، والى عيون ثاقبة الرؤى لا تضع النظارات الملونة عليها … والاّ سوفَ ينتحرُ العصفور وحينها سيسقط كلّ شيء وتضمحلُ الأخلاق وتتمزق القوانين والأعراف والدستور .