23 ديسمبر، 2024 5:55 ص

صُنّاع المحتوى في ضيافة الرئيس

صُنّاع المحتوى في ضيافة الرئيس

لم أكن أعلم أن الرئيس ممكن أن يكون صانع مُحتوى، يرغب بأن يكون له معجبين ومتابعين في الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، أغلب الظن أن صُنّاع المحتوى لم يتخيلوا أن يكون رئيس الوزراء العراقي صانع مُحتوى.

في هذه الأيام التي إشتدت فيها قبضة العدالة والقانون على أصحاب المحتوى التافه والخادش للحياء والفاقد لأبسط معايير القيم الإجتماعية والأخلاقية، تذكرت حادثة مرّت على العراقيين في زمن حكومة الكاظمي عندما إستقبل أحد صُنّاع المحتوى التافه (يوتيوبر) عبارة عن صبي يبدو من إسلوب تعليمه أنه غارق في الجهالة والأميّة، لايُجيد من ترويج مُحتواه الهابط سوى ترديد كلمة “بايدن هيلب مي” بمعنى “ساعدني يا بايدن”، وقبلها كان يُردد “ترامب هيلب مي”، وبدل أن يستقبل رئيس وزراء العراق عوائل الشهداء والأرامل واليتامى وأصحاب المواهب تناقلت وسائل الإعلام لقطات مصوّرة وبزوايا متعددة من كاميرات الفريق الإعلامي للرئيس تُصوّر مشهد الكاظمي وهو يتأبط ذراع اليوتيوبر ويسيرون معاً في أروقة القصر الرئاسي وكأنهم زعماء لدولتين أو قادة دول منتصرين.

حاول الكاظمي أن يصنع مُحتوى ترويجي للشعب الغارق في الأزمات، ربما لإعتقاده الزائف أن ذلك سيُقربه من الفقراء والجياع حين كان العراقيين يمرون بأسوء مراحل حياتهم عندما إجتمعت عليهم جائحة كورونا وكوارثها وإضطرارهم إلى مُلازمة البيوت، وإنخفاض أسعار النفط إلى دون المتوقع بسبب هذه الجائحة وإنقطاع الأرزاق، وأخيراً سُخرية الرئيس من حياتهم بإستقباله أحد صُنّاع المحتوى الذي لايُجيد سوى النطق بكلمتين “هيلب مي”. لم يُدرك الرئيس أن فعلته ستثير إستياء الشعب وهم يشاهدونه يُجالس يوتيوبر بدل الإهتمام بشؤونهم وحياتهم وإحتياجاتهم، أخطأ من نَصَحهُ من جيوش المستشارين الذين يحيطون به بصواب فعله لإستقبال ذلك الصبي ربما لأن الرئيس نسي أن المجتمع العراقي تحكمه قيم وضوابط لايمكن التنازل عنها أو التفريط بها تحت أي مسمى أو عنوان من عناوين الديمقراطية الزائفة التي ألبسوا ثيابها الفضفاضة للعراقيين.

لا أجد من الشجاعة الخوض في تفاصيل حقبة زمنية غادرت مع من غادرها، ولاجدوى عن الحديث مع من ترك السلطة دون رجعة، لكنها حكاية مرّت على الذاكرة وأنا أتأمل الحملة التي تقودها الداخلية ويُتابعها القضاء لكسر شوكة من إستباح تقاليد المجتمع وإستهان بقيمه.

سأل أحد الخلفاء رجل..”كيف هي حال الدُنيا” فأجابه “يا أمير المؤمنين..الدُنيا أنت إن صلحتَ صلحوا..وإن فسدتَ فسدوا”.

بوصلة القضاء والداخلية التي توجهت إلى أصحاب المحتوى المُخل بالآداب يجب أن تتوجه إلى بعض الفضائيات العراقية ومُقدمات برامجها وما يرتدين من ملابس وتبرج وبهرجة خارج مُعدلات المقبول والمألوف، والخشية من تقليد الشباب والشابات لأولئك الذين يطّلون على العائلة العراقية من خلال ساعات البث الطويلة، والخوف من تحوّل هؤلاء  إلى قدوة للإقتداء بهم من قبل المُراهقين.

ظاهرة المحتوى التافه التي إنتشرت في العراق تشير بوضوح أن أصحابها قد أَمِنوا العِقاب فأساءوا الأدب.