23 ديسمبر، 2024 3:45 ص

صيامكم.. دم وبارود.. وكأس من معين

صيامكم.. دم وبارود.. وكأس من معين

يتناول بيده جهاز تحكم التلفاز, ليتابع أخبار القتال, يحفظ كلمة أو أثنتين عن أبرز مجريات الأحداث, حتى يعرف بماذا سيجيب, عندما تجري معه أحدى الفضائيات لقاءا تسأله فيه عن العمليات العسكرية, بعد ذلك ينهض بتثاقل ليرتدي بزته الأنيقة حتى يلبي دعوة على الأفطار, مع بعض حاشيته وأصدقائه, وبعد تصريح أو أثنين أصبح بطل, كيف ولماذا ومتى لانعرف؟ بطل من ورق, لا اكثر من ذلك ولا اقل هذا هو المشهد الأول.

يفترش الأرض, ويلتحف السماء التي تشبه قطعة من نار, بسبب حرارة الصيف يواجه أكثر من عدو, الأول معروف جاء من خلف الحدود ليستبيح الحرمات, والثاني العوز والفقر, الذي تركه حارسا لا يفارق بيته, أما الثالث فهو الساتر الذي يحمل في جعبته أكثر من سلاح, الحر والجوع , والعطش والتعب, وفراق الأهل والولد, ورغم ذلك يستقبل شهر رمضان, وهو مرابط على الجبهات, يصوم نهاره ويحمل سلاحه ليذود عن الوطن والعقيدة, بطل حقيقي من الجنود المجهولين, البعيدين كل البعد عن الفضائيات, والتصريحات والأستعراضات, وهذا هو المشهد الثاني.

في المشهد الأول فزاعات لا تضر ولاتنفع, قطيع من اللاهثين خلف كراسي زائلة, في المشهد الثاني رجال يرتشفون الصبر, ويحصدون النصر, ويجودون بالنفس والمال والولد, ليعيدوا كتابة التاريخ, الذي سيحفظ لهم صنيعهم, ويطرز صفحاتهم بحروف المجد.

تلك النخبة المرابطة على السواتر تعيد إلى الأذهان صورة الدين الصحيح, الذي جاء لحفظ كرامة الأنسان, بعد أن كان مجرد سلعة, تباع وتشترى في الأسواق, تلك هي الصورة التي تتجسد في أفعال الدو اعش, لدين مسخ مشوه الملامح والمباديء, صنع في مطابخ صهيونية, يفصلون قياساته وفتاواه كما تشتهي أنفسهم.

خوارج عصرهم, لا نعرف لأي دين ينتمون, فلم نسمع من قبل بدين يبيح حرق الأنسان حياً, وتقطيع الأوصال , وقذف الناس من أعلى المباني, وهم على قيد الحياة حتى قابيل القاتل الأول في العالم أبدى ندمه, وهام على وجهه عندما قتل أخاه وأكرمه بدفنه, أما هؤلاء عجزوا حتى أن يكونوا, ورثة القاتل الأول في العالم.

صائمون مرابطون, يقبلون بالقليل, بعيداً عن الموائد الزاخرة والقصور العامرة, قد غيرت الشمس الوانهم, وترك الجوع والتعب آثاره, على ملامح وجوههم, تغزو ثيابهم رائحة البارود, يلون أيامهم الدم , وينتقلون بين صبر وظفر, يترقبون نصر أوشهادة وكأس من معين.