لا يخفى على القارئ إن الحقوق والحريات قد كفلها الدستور العراقي، ولئن حق العقاب على الطالح ، فان الحرية أحق بالصالح، وليس من المعقول أن نخرق ذلك عن طريق المخبر السري القديم الجديد الذي اطر المعلومات على الكذب والتأويل والافتراء في أغلب الإفادات، وكذلك شراء الكيد من أفواه الآخرين بدوافع شخصية وأحقاد فردية رخيصة أو ولاءات حزبية أو طائفية أفرزتها المرحلة ما بعد الاحتلال والجدير بالإشارة إن وجود (المخبر السري) في تطويق ورصد الجريمة وملاحقة مسببيها وإنقاذ الأبرياء قبل وقوع الشر تعد خدمة جليلة طالما أنجزت في هذا الإطار، إذ عليه أن يقف على مسافة البعد الإنساني والأخلاقي التي يفرضها الضمير الحي للحيلولة دون الانزلاق في مهاوي الكيد الظالم ، ويكون المخبر قد اشغل الكثير من رجال الآمن والقضاء وآخرين وهم يخوضون في قضايا لا أساس لها من الصدق، وفي ذلك مضيعة للوقت والجهد وتقصير على حساب قضايا ملحة، ناهيك عن تعدد الإضرار المعنوية والمادية التي تلحق بالمتهم وذويه (إضافة لتقييد حريته) من خلال توكيل بعض المحامين والمحاميات وأشباههم وآخرين من سماسرة الشدائد كما يسمون وما أكثرهم اليوم ومن ثم رفع اللافتة المعروفة على واجهة بيت المتهم البريء مكتوب عليها (الدار للبيع) بعد نفاذ مقتنيات العمر كلها( بجرة قلم لمخبر سري) ولكي نجعل من الحرية مثالاً حياً في المجتمع تلك التي طال انتظارها وحتى لا يطلق على العراق (بلد المخبرين السريين) فيكفي سكوتاً وصمتاً ولينال هذا المخبر البغيض من العقاب قضائياً على أفعاله كونه ممكن أن يحول أنسانا شريفاً مبدعاً إلى إرهابي بأخبار كيدي ومنهم من قادته وشاية المخبر السري إلى الموت ومنهم من امتد اثر التهلكة الكيدية إلى عائلته أو أصدقائه، ولو كانت في العراق مراكز متخصصة للأبحاث والدراسات النفسية لأمكن معرفة تأثيرات المخبر السري على جيلين أو أكثر من العراقيين الذين باتوا لا يثقون بأقرب المقربين لهم وهو ما نلمسه بشكل واضح من العلاقات السياسية والاجتماعية، ودولة القانون يبنيها رجال القضاء والقانون بتحقيق العدل النزيه الطيب الرحيم الكريم الشهم الشجاع الأمين الوطني ولا يبنيها المخبر السري الكذاب المفتري الجاسوس، الذي أصبح بفضل ازدياد نشاطه ودعمه ازدياد عدد الموقوفين والمحتجزين العراقيين وأصبح بطل هذا الظاهرة وصانعها والكائن المكلف بإملاء السجون والمعتقلات هو المخبر السري، وما تناقلته وكالات الإنباء وأجهزة الإعلام ،
وما كشفه مؤخرا مجلس القضاء الأعلى عن وجود اكثر من خمسمائة مخبر كاذب يعزز المخاطر الكبيرة لهذا الكائن البغيض، وما أظهرته وقائع دعاوى عديدة منظورة من القضاء العراقي بان الضجر الذي يصيب جار يمكن أن يدفعه المخبر أو المصدر للأخبار عن جاره بأنه إرهابي آو التلميذ الذي كره معلمه ان يبعث برسالة إلى الجهات الأمنية لاعتقال معلمه واتهامه بالإرهاب ومشاجرة بين صديقين كانت سبباً لاتهام الأخر بالمتاجرة بالسلاح ومخبر أدلى بإفادته واتهم شخصا بأنه(قناص بغداد) في حين ثبت إن هذا الشخص هو ضرير، وغيرها كثير مما يؤكد استشراء ظاهرة (المخبر السري وإخباره الكاذب) والوشاية الكيدية، ومن ابسط متطلبات العدالة محاسبة ومعاقبة كل من زج ببريء في السجن، فمن حق البريء مقاضاة من ظلمه ومن الحق والعدل حماية المجتمع من كائن افتقد الضمير .
ان الإخبار الكاذب الذي يدلي به المخبر السري، دائما مبالغ فيه وأحيانا مدفوع من بعض عناصر الأجهزة الأمنية او تيارات سياسية او دينية وغيرها، وهي ادعاءات مضللة لحقيقة ألحادث ويخفي كثيراً من جوانبه وتفاصيله الواقعية، وتكون ملفقة وغالبية مضمونها يتركز على ارتكاب أفعال وممارسات ينطبق عليها قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005 وأدناه أبرز صورها شيوعا:
أولا: أدعاء المخبر أو المصدر أو الأخبار الكاذب بوقوع عملية إرهابية مسلحة ضد الجيش أو الحرس أو الشرطة وزرع العبوات الناسفة وأن المخبر أو المصدر يزعم أنه يشتبه بالشخص المدعو( ) وهو المقصود بهذه الإفادة الكيدية المزعومة وهي عارية عن الصحة في معظمها ولا تستند إلى أدالة مادية ملموسة حقيقية وإنما على أدلة مصطنعة ولا نعتقد تنطلي على المحقق الكفء المخلص في عمله0
ثانيا: أدعاء المصدر او المخبر السري أنه شاهد الشيخ المدعو( ) يقوم بالسطو المسلح ومعه جماعة مسلحة تصل إلى أكثر من عشرة أشخاص وتصل أحيانا (50) وبأسمائهم الثلاثية وأنهم يقومون بالهجوم على المناطق ويمارسون عمليات التهجير أو القتل ويقومون بسرقة البيوت وحرقها وتزعم المصادر والمخبرين السريين أنهم تمكنوا من تشخيص احد المتهمين وهو المقصود في الأخبار الكاذب الذي يخلوا من أي دليل حقيقي وملموس أو حتى معنوي وللإخبار غاية غير مشروعة وعلى المحقق الكفء كشفها0
ثالثا: حادثة خطف عادية تنقلب إلى حادثة خطف بدوافع إرهابية، وان (فلان) شارك معهم آو تضخيم حجم الإصابات والإضرار الواقعة بصورة مخالفة للحقائق الموضوعية بغية إلحاق أفدح الخسائر بحق المشكو منه دون وجه مشروع كما حدث في (أبو غريب) حيث تكون المصادر جاهزة لكل حملة اعتقالات وتكون عملية لصق التهم حول تفجير مدارس ونصب عبوات جاهزة للذين تم اعتقالهم آو كحالة ادعاء المخبر أو المصدر بأخباره عن وقوع حادث بصورة معكوسة عن كيفية وقوعه وعن الأشخاص الفاعلين كما حدث في الحادثة المعروفة (جسر ألائمة) ونسبها إلى أشخاص مجرمين وليسوا إرهابيين تم اعتقالهم قبل حادثة جسر الأئمة بأكثر من (20)يوما وهذه الحالة وغيرها من اخطر الاتهامات الباطلة إلى تكلف ضحيتها أضرارا بالغة0
رابعا: ادعاء المخبر أو المصدر بأن هناك مجموعة مسلحة قامت بالخطف والتهجير وتفجير البيوت وان الدار الفلانية الموجودة في المنطقة الفلانية هي مكان إيواء هذه العصابة الإرهابية ويزودون الأجهزة الأمنية باسم صاحب الدار وهو المقصود ويطلبون باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة 0
خامسا: الاخبارات الكاذبة بأن الدار الفلانية هي مخبأ لأسلحة ممنوعة وتحتوي على مجموعة من المسلحين يقومون بزرع العبوات الناسفة وتصنيعها، وفي حادثة وقعت حول أخبار عن دار هي مكان لإيواء مسلحين عرب يستخدمون مياه معدنية تحتوي على مواد كيماوية وبعد قضاء المتهمين فترة طويلة بالتوقيف وفحص كافة عبوات المياه تبين إنها مياه معدنية وان الأشخاص الستة ومعهم صاحب المعمل أبرياء ويعملون في معمل لتعبئة المياه المعدنية، لذا فأن الأدلة الواردة ضد المتهم (أن كانت هناك أدلة) وهي معظمها قرائن بسيطة وإمارات مبنية على الاستنتاج المجرد الذي لا يكفي وحده لتكون بينة.
وكثير من مثل هذه الحالات وغيرها تحصل بصورة شكاوى كيدية وإخباريات كاذبة مضللة عن حقيقة وقوعها وفاعليها وإضرارها.
ملاحظة: {لمن يرغب تفصيل اكثر، هناك كتابين لكاتب المقالة عن المخبر السري موجودة في المكتبات}