من الصعب أن يتوقع أحد ما سيأتي به الغد إلى العراقيين، وإستحالة التنبؤ بالوضع السياسي لبلدهم حتى راح الظن ببعضهم لوصف الحالة مثل مناخ البلد المتقلب الذي يجمع فصوله الأربعة في يوم واحد، لكن الحقيقة المقبولة والمتفق عليها من جميع الأقطاب إن الوضع العراقي سيظل كما هو طالما ظلت الساحة أرضاً خصبة لتصفية الحسابات الدولية مع إستنتاج يوصلنا إن أي تغيير في النظام مرتبط بصراع الأقطاب أمريكا وحلفائها وبين روسيا والصين وثالثهما إيران.
لا نأتي بجديد في القول إن العراق لم يتحرر من الهيمنة الأمريكية ولايستطيع إيقاف التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية والتحكم في مصيره والسبب ليس في تلك الدول، وإنما فشل الدولة العراقية في التخطيط السياسي للبلد ووضعه بخانة المزايدات الدولية والسماح للآخرين بموطئ قدم على حساب سيادته جعل منه نظاماً ضعيفاً يعطي الدول تنازلات تصل إلى الهوية الوطنية والسيادة لمصالح نفعية للسلطة من أجل الحفاظ على كرسي الحكم، لذلك تعيش المنظومة السياسية في قلق دائم وخوف من المستقبل يبرر لها الوسيلة، فلازال سيناريو الإطاحة بحكومة عمران خان الباكستانية نموذجاً صارخاً يقترب من الواقع العراقي عندما تم الإطاحة به بعد زيارة قام بها لموسكو بدايات الحرب الروسية – الأوكرانية حيث حجب البرلمان الباكستاني الثقة عن حكومة خان في أبريل 2022 وصوّت لصالح شهباز شريف، أو إستذكار السيناريو الأفغاني في عودة طالبان إلى الحكم بعد سنوات القتال المريرة التي دارت رحاها بين الأمريكيين والأفغان.
تدرك الطبقة السياسية في العراق إن أمريكا تدعم النظام السياسي، مادام هذا النظام ملبياً لرغباتها ولعدم وجود بديل سياسي مقنع وخوفاً من فوضى عارمة قد تتخطى العراق إلى دول المنطقة، ولذلك تحاول هذه الكيانات السياسية أن تكون بيضة القبّان ومسك العصا من الوسط بين أمريكا حامي النظام، وإيران حامي رموزه في محاولة للتمسك بالسلطة، وتدرك جيداً إن من يريد تغيير النظام السياسي عليه أن ينفق 2 ترليون دولار ومئات القتلى من جنوده مرة أخرى في ظل توتر تعيشه المنطقة قد يهدد الأسواق النفطية، وتداعيات مايحدث في غزة، وتعلم باليقين أنه من الصعب المغامرة بإيجاد نظام سياسي بديل يجعل من العراق قوة لايستهان بها في المنطقة ثم من قال إن تلك الدول تريد هذا النموذج من العراق المستقر القوي الأمن.
بالمحصلة فإن العلاقات الدولية تُبنى على أساس المصالح لا المشاعر.
المشهد العراقي بات اليوم أكثر تعقيداً وغموضاً يرسم واقعاً ضبابياً في إرتباك واضح بين رغبة من يريد مغادرة آخر جندي أمريكي من العراق وبين منافع النظام السياسي ورغبته ببقاء الفاعل الأمريكي حامياً للنظام، ذلك النظام قد يمنح بعض الأحزاب والكتل السياسية التي تمتلك أجنحة سياسية بعض الإمتيازات لغض الطرف عن مطالبتها للجانب الأمريكي بالإنسحاب أو إشراكها ضمن منظومة السلطة، لتتحول من رافض للوجود الأمريكي إلى مستفيد من منافعه وذلك هو المشهد القائم في العراق.