22 ديسمبر، 2024 8:31 م

صورة عراقية من زمن محتوى هابط

صورة عراقية من زمن محتوى هابط

أصبحنا نميل إلى توصيف الصورة التي رسمتها لنا أنامل الكابوي الأمريكي بعد إحتلال العراق بأن الشرف السياسي بات متعدداً كألوان الصورة، يُباع في السوق يشتريه سماسرة وتُجّار وأوغاد يجمعهم هدف واحد.

تعلمنا منهم الحكمة التي تقول “لكل زمان رجاله وللسياسة في عراقنا الحديث رجالها”، وفي الوطن رجال كذبوا ما صدقوا، عبثوا ما أصلحوا، إستسلموا لرومانوسكي ما رفضوا، يتوسلون المصائب لبلدهم، تقودهم سياسة الإنتقام وكأنهم يطلبونه ثأراً قديما ً، تغريهم السلطة إلى حد فقدان البصر والبصيرة، لايستطيعون مقاومة أنفسهم الأمّارة بسوء، فكيف تريدون منهم أن يقاوموا المحتل ربيب خيراتهم وملذاتهم؟ طموح مفرط إلى السلطة يُسكِر مُدمنهم لا مثيل له إلا في نظامنا السياسي التائه، حروبهم المستعرة من أجل السلطة والنفوذ لا نعلم كيف ومتى ستنتهي؟.

هو الشبّق السلطوي الذي ما أن يتجرّعه الداخل إلى عالمهم لن يغادره حتى لو أدى ذلك أن يضحي بصاحبته وبنيه وقبيلته التي تأويه، خصوصاً عندما ينغمسون في متاهات الإمتيازات والمنافع، ولنعترف أن للسلطة نشوة تعبث بالعقول وتفقد البصيرة عندما يكون ممتهنها يجمع بين المكر والخداع وفنون التضليل، ويبرع في الترويج لسلعة سياسية (بايرة) في بيئة سياسية فاسدة.

في الوطن أصبحت المبادئ السياسية والأخلاق تُساق في موكب جنائزي إلى مثواها الأخير وسط ترانيم إغتيال الفضيلة والحق والعدالة وشعارات بلهاء لاتغني ولاتسمن على مسامع الحاضرين يحيط بهم سكون مُطبِق تعزف فيه ألحان النصر للفساد والفاسدين التي تتلقى التهاني التبريكات.

لعبة السياسة بينهم أصبحت تختزل مصالح العباد، تحولت إلى بطون لا تشبع، وعيون لا تدمع، وقلوب لا تجزع تتحيّن أي فرصة للإنقضاض على ما تبقّى من أنقاض ليكون شعارهم إستباحة أي شيء وكل شيء دون خوف من ضمير أو قانون، حتى تلوّنت السياسة بكل أنواع المكر والخداع وتحولت إلى مفهوم أدى بالعراقيين للسير بحياتهم إلى عالم المجهول، ويزداد الأمر فوضى وإرباكاً كلما إقتربت مواعيد الإنتخابات، تطفو على السطح تحالفات وتكتلات مشوهة أو مشبوهة بوجهين لعملة واحدة لا تعدو كونها طبخة سياسية وقتية عبارة عن خليط هجين يحمل غرائبيات وعجائبيات شخوصهم.

المسرح السياسي العراقي هو من نوع المحتوى الهابط بممثليه وقصصه ولا يخرج عن مسرح المهرجين الذين يسعون إلى إضحاك المشاهدين بأي وسيلة، لكن المفارقة أن شدة التفاهة وإنحطاط خيوط الحبكة الدرامية وسوء الخطاب السياسي يجعل المشاهد في النهاية لا يجد ما يضحك عليه سوى على نفسه التي قبلت بمشاهدة هذا المحتوى الهابط من الدراما السياسية.

هو زمن العبثية السياسية والفوضى بأكسيرها العلقم الذي جعل الشعب يدفع ثمنها قرابين تتلوها قرابين مجاناً أو بالدفع المسبق بعد أن أصبحوا مجرد كائنات هائمة في حسابات السلطة.

هو زمن مأزوم يحمل الكثير من الشعارات والأقاويل وسخافات ما بعدها سخافات، وعود وآمال سرعان ما تتبخر لكنها برامج يتم تحديثها عند كل مناسبة وفق سيناريوهات مخطط لها يكون ضحيتها المواطن البسيط المغلوب على أمره.

إنها الصورة المشوهة بألوان الشرف السياسي المتعدد الجنسيات الذي أوجدته لنا راعية الديمقراطية والتي يتقزز النظر إليها.