22 ديسمبر، 2024 11:54 م

صورة تذكاريَّة في الجنة

صورة تذكاريَّة في الجنة

(صورة تذكاريَّة في الجنة)

والجملة القصيرة الموسومة بالحركة

  (إن وظيفة النص الشعري الكبرى هي أن يجعلنا نستعيد مواقف أحلامنا)على حد تعبير غاستون باشلار… بصفته مغامرة تكشف عن رؤى المنتج (الشاعر) التي تتضافر في نسجها عوامل(سايكولوجية ونفسية وإنسانية وروحية..) باقتناص اللحظة الشعورية الخالقة لحقلها الدلالي والمستفزة للذاكرة بما تحمله من معنى ..

و(صورة تذكارية في الجنة) المجموعة الشعرية بكل تشكلاتها النصية التي نسجت عوالمها أنامل المنتج (الشاعر) أيهم محمود العباد.. وأسهمت دار شهريار في نشره وانتشاره/2021.. كونها تتسم بوحدة موضوعية تؤطر تلافيف صورها المؤسسة لبنيتها والمحركة لإيقاعها النفسي والدلالي.. فضلا عن أنها تعبر عن الوجدان الذاتي والذاتي الجمعي قيمياً وفكرياً بتوظيف لغة موحية قائمة على الاستعارة والمجاز ضمن بلاغة الانزياح والخرق الجمالي المستجيب لأفق التجربة والمعبر عن جوهر الفكرة.. باعتماد البناء المشهدي المتكئ على الجمل القصيرة الموسومة بالتكثيف والإيجاز والاختزال مع اقتصاد لغوي .. ابتداءً من العنوان النص الموازيparatexte  والمفتاح الإجرائي في التعامل مع عوالم النص ببعديه الدلالي والرمزي.. والذي فرش روحه متوسطا اسم المنتج وجنسه ولوحة تجريدية (تستخلص الجوهر من الشكل الحقيقي) على حد تعبير عفيف بهنسي.. اعتمدت الأشكال والألوان والإيماءات الدالة على تشكيل الواقع بأساليب هندسية تكشف عن الحالة النفسية من خلال المساحات والأشكال..

……………………

……………………

 

سأحمل خشبتي وأمشي مثل المسيح

وأرسم بشهادتي

بشارة عودتك

يا عشائي الأخير / ص24

فالنص يقوم على الانزياح والدلالة.. المرتكزان على رؤية شعرية واعية لنسجها البنائي المحتضن لمضمونه الإنساني.. يصاحبها إيقاع مضاف منبثق من بين ثنايا النص المنفتحة على السردية الشعرية التي تصور الصراع النفسي الحاد الذي يتولد في الذات الإنسانية مما يبلور الوعي الشعري ويكشف عن الحالة الشعورية القادرة على تكثيف عناصرها وتشكلها تشكلا فنيا مؤثرا.. فضلا عن اعتماد المنتج (الشاعر) تقنيات فنية وأسلوبية كالتنقيط دلالة الحذف الكاشف عن الإحساس بكثافة الصمت واتساع مدياته التي تشي بحالة الامتلاء الشعري الذي يجرنا لقول النفري الصوفي (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة).. إضافة إلى انه يلعب دوره فاعلا ومتفاعلا في انزياح المعنى لإعادة إنتاجه واستحضاره من قبل المستهلك (المتلقي).. إضافة إلى تجلي تقنية التناص (سأحمل خشبتي وامشي مثل المسيح) و(العشاء الأخير).. كون النص القرآني من النماذج الثرية المختزنة في الوعي الجمعي..

نحن العراقيين لا شأن لنا غير الرثاء

لا قدر لدينا إلا الدموع

وأجمل حسناتنا

أننا ننتج خبزا مالحا.. وأنبياء لم يرسلهم الله قط

ولأن الفرح لا يزورنا إلا في أحلام اليقظة

قررنا أن نلتقط معه صورة تذكارية

نؤطرها بشريط أسود قاتم

ثم نحملها معنا إلى الجنة  / ص97

فالنص يعبر عن وهج اللحظة بسردية شعرية مكثفة العبارة تحمل قدرا من الرؤية السابحة بين عالمين: أولهما العالم الوجداني (الذاتي) وثانيهما العالم الحسي (الموضوعي).. من أجل تفعيل الصورة الشعرية بصفتها تركيب جمالي ونفسي تتشكل من التقاطات  المنتج (الشاعر) للمدركات الحسية التي تشكلها مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية لتحقيق مقولة تشيخوف (أن تجيد الكتابة.. أن تجيد الاختصار).. فيعطي المنتج (الشاعر) بعض التفسيرات المتسلطة على ذهنه… كي لا يستغرق الحلم ولا تنعزل ذاته عن العالم الخارجي.. مع تركيز على الانزياح اللغوي الكاشف عن عمق التجربة وبراعة التصوير وسعة الخيال.. بتوظيف تقنية التكثيف والإيجاز والاختزال الجملي مع قيامه على ما يسمى بـ (بناء المفارقة) ليحقق الدهشة الشعرية…      

(نثور مثل الأرض لكننا لا ننتج براكين قاتلة/ نختصم مثل المؤرخين لكننا لا نسقط في وهم الحقيقة/ نصمت مثل تمثالين لكننا لا نجرح طيننا الذي خلقنا منه/ ينام الجمهور ونحن على المسرح في حالة استعداد وفي عيوننا ألف كلمة لا تقال) / ص85..

فالبناء الشعري يتأسس على مثيرات التنسيق الفني الذي ينطلق من الفكرة بتوليف يقوم على النسج الجمالي لعوالم النص برؤية تحقق الإثارة واستفزاز ذاكرة المستهلك ونبشها من أجل استنطاق عوالمه والكشف عن أسراره وما خلف صوره وتشكيلاته ورموزه.. باعتماد رؤية تزاوج بين الأجناس الأدبية وما هو ذاتي وما هو موضوعي لخلق نص مفتوح باعتماد الحوار الدرامي وتصوير الذات في صراعاتها مع كينونتها..بتطويع اللغة في انزياحاتها عن مساراتها المألوفة كي يمنح النص جمالية وعمقا مضمونيا يستفز الذاكرة المستهلكة (المتلقية)… مع أنسنة الجمادات التي تستجيب لأفق التجربة وتعبر عن جوهر الفكرة..

وبذلك قدم الشاعر نصوصا جمالية جاذبة لاكتنازها بالوعي الذي هو وليد الرؤية الموضوعية إزاء الحركة الكونية.. عبر صور شعرية مؤسسة للبنية النصية والمحركة لإيقاعها النفسي والدلالي.