اظهرت الصورة رئيس الوزراء العبادي مجتمعا مع محافظ البصرة ماجد النصراوي وملئ فلمه الابتسامة وهو يحتسي استكان الشاي ومن وراءه جيل من الحرس المبجل ضاحكا بالمعية لضحكة الساسة اعلى الله مقامهم…
الصورة جاءت على خلفية زيارة رئيس الوزراء للبصرة، بعد تهديد شركة لوك اويل بإيقاف عملها، ما دفعه الى حزم أمتعته والذهاب على وجه السرعة لحل تداعيات الازمة تلك، وهو ما يكشف ان صوت المتظاهرين وان علا الى الحد الذي فقدوا فيه شابا برصاص مليشيات شركائه لم يرقى الى الحد الذي يمثل استجابة بالحضور، او يعادل برميلا نفطيا تعتزم لوك اويل إيقاف استخراجه.
اما عن الإصلاحات التي باتت تشبه أحاديث كبار السن المصابين بالزهايمر، تعزف كل يوم ذات النغمة وتعيد تكرار الحديث ذاته وتنقل نفس الوعود وتتوعد وتزمجر وتصرخ، ثم لا يتمخض عن الجمل الا فأرا.. فالازمة التي بدأت على خلفية انعدام الكهرباء وتردي الخدمات لم تشهد اي معالجات واقعية، وكأنها كانت مفتاح لتصفية خصوم العبادي وشركاء العبادي رغم ان هؤلاء الشركاء يمثلون اصل المشكلة، ويتولون الوزارات الاكثر حساسية بالدولة والمسؤولة بشكل مباشر عن تردي الخدمات.
عمد العبادي الى ضرب الوجودات الهامشية التي تدخل مع كل حكومة على شكل مكملات جمالية، فيما اهمل اصل المشكلات، فهو لم يجرء بعد ان يحاسب وزير الكهرباء فضلا عن إقالته، لم يساءل وزير الخارجية عن اداء الوزارة المتعثر عن الانتكاسات الدولية التي نتعرض لها، عن الاهانات المتكررة بحق العراقيين في كل مكان، لم يساءل وزير المالية عن حجم التردي الفعلي في اداء الوزارة المالي، عن المبالغ المبتعثة الى الاقليم، لم يساءل وزير النفط عن تراجع قطاعه، لم يصغي لاصوات المتظاهرين التي حملت عشرات الاشارات لفساد تلك الوزارة، لم يساءل وزير النقل عن منع دخول طائراتنا الى اوربا، عن فلاي بغداد وصفقات الفساد في تاكسي المطار، بل لم يرى سيادة الوزير حتى لافتات المتظاهرين التي رفعها المتظاهرون ظنا منهم ان سيادته يقرأ ويسمع دون ان يرتدي نظارات المحاصصة والحواشي، لم يسائلهم سيادة الرئيس لأنهم ببساطة ينتمون الى المجلس الاعلى والاكراد او جملة المؤتلفين معه، فيما اقتصرت اصلاحاته على وزير تركماني واخر مسيحي وزارة ثالثة للمرأة ورابعة جاءت بالمحاصصة لاهل البصرة وخامسة وسادسة…
التعويل على العبادي بوصفه المنقذ والمحرك، اشبه بمن يتأمل بسراب، لقد جرى خلال السنوات الماضية تجربة امكانات الرجل بوضوح وكان واضح الاداء، وحين جيء به بديلا عن المالكي كان الهدف وراء ذلك هو السيطرة على مركزية الموقع من قبل الشركاء الذين قاموا بالانقلاب على المالكي، وأرادوا منه ان يكون لعبة بأيديهم وهو ماكان فعلا حتى علا صوت المتظاهرين مطالبا بالحقوق، عند ذلك ظننا خطئا ان الرجل لم يكن ليأخذ فرصته في اثبات دوره وبيان مهاراته الفردية في لعب دور المنقذ بعد ان فوضته المرجعية امرأ كان يحلم به زعماء العراق من غازي الاول حتى غازي الياور ومن نوري السعيد حتى نوري المالكي.
كنت اتوقع ان اشاهد العبادي في البصرة يتجول بين سرادق المعتصمين، يشرب الشاي معهم لا مع خصمهم ماجد النصراوي، يضحك معهم لا ان يكركر مع خصمهم، كنت اتوقع ان يزور عائلة الفتي (منتظر الحلفي) الذي راح ضحية حزب النصراوي ومليشيات ابو كلل لا ان يكتفي بزيارة لوك اويل، كنت اتوقع ان يقف بهذه الجموع خطيبا فيطمأن غضبهم ويكون لهم خير حليف، لا ان يلعب على مشاعرهم آمنا شرهم ومتأملا صوتهم الحضاري الناطق بالعقلانية، لكنه بالتأكيد يقرأ بالمقلوب او قل لا يقرأ، فالامية الاجتماعية والجهل في قراءة الواقع اشد من امية القراءة والكتابة والجهل بموازين التكنولوجيا.
اهمل العبادي مطالب اهل البصرة مرات ومرات، الاولى عندما شكل حكومته فطالبه اهل البقرة الحلوب ان يجعل وزراء النفط والنقل منهم لامكانية ان ينظروا بعين العطف لتلك المحافظة، فجاء رده باستهزاء بان قال ان وزراء منظمة بدر من اهل البصرة، وحين طالبه اهل البصرة بان يضع حدا للنصراوي وجلاوزته ومليشياته، جاء رده ضاحكا بابتسامة عريضة مع استكان شاي قاسمها النصراوي. فهل لازال هناك من يتوقع ان تشهد حملة العبادي اصلاحات ام انه بالفعل “ذيب الجنت ازامط بيه طلع………”