17 نوفمبر، 2024 9:32 م
Search
Close this search box.

صوتك .. بطانيتك

عندما ألف أفلاطون كتابه الشهير ( الجمهورية ) الذي وضع فيه أسس بناء الدولة العادلة من خلال مناقشته لمفهوم العدالة ، طرح أفلاطون بين ثنايا كتابه مفهوماً مهماً وشرطاً أساسياً للقيادة عندما قال ان السلطة يجب ان تدفع للنائين عنها وليس للباحثين عنها او اللاهثين وراءها ، وفي ذلك حكمة كبيرة يجب علينا محاولة استيعابها ، فالذين ينأون بأنفسهم عن السلطة هم أشخاص لم تستطع بهرجة السلطان ان تعمي عيونهم ، ولم يبيعوا أنفسهم الى الدنيا لأنهم سلاطين أنفسهم من أصحاب الحكمة والضمير الحي والنفوس الأبية التي تبلغ بهم درجة من درجات الكمال ، اما اللاهثين وراء السلطة والحكم ، فهم من أصحاب النفوس الضعيفة الذين يشعرون بما فيهم من نقص فيحاولون تعويض ذلك بالتسلط على رقاب العباد والتحكم بمصائرهم ون وازع من ضمير او مخافة من مصير . ولان فكرة العدالة وتطبيقها تقض مضاجع الظالمين ، فقد كان لابد من محاربتها من أصحاب السلطة ، وكان أفلاطون الذي طرح فكرة العدالة هو أول الضحايا عندما قام احد طلابه ببيعه في سوق العبيد لأنه أراد ان يضع أسس الدولة العادلة .
كل ذلك استذكرته وأنا أرى اليوم تهافتا كبيرا من المرشحين الذين لا يملكون من المؤهلات الا الرغبة في التسلط والامتيازات ، والطمع بتقاسم ونهب ما تبقى من خيرات هذا البلد ، وما بين ليلة وضحاها وجد الفقراء أنفسهم محط اهتمام ، ووجدوا الدموع تذرف من اجلهم لأنهم الطبقة المظلومة في المجتمع ، مسلوبي الإرادة والحقوق ، وكما ان قاع البحر الذي فلقه الله لنبيه موسى وبني إسرائيل قد طلعت عليها الشمس مرة واحدة ولن تتكرر ، كذلك الأحياء الفقيرة تشرفت بزيارة المسؤولين والمرشحين للاطلاع على واقعها وتقديم الوعود بتوفير الخدمات لها في زيارات لن تتكرر أيضا ووعود لن تنفذ ، فهي وعود موقوتة الى حين إلقاء آخر ورقة في صناديق الاقتراع ، حينها على الفقراء ان يعودوا بهدوء الى ظلمات النسيان ، وان يجهزوا أصابعهم ليعضوها ندما على اختياراتهم ، وان يتحملوا البرد لسنوات حتى اقتراب الانتخابات القادمة ليزورهم احد المرشحين ويوزع عليهم بطانية تخفف عنهم شدة البرد ، وكأن الشعارات الانتخابية في العراق أصبحت ( صوتك بطانيتك ) ، فالبرامج الانتخابية والشعارات أصبحت جوفاء ومستهلكة ، ولا جديد يقدمه المرشح ، كأن الزمن قد توقف في العراق وتوفرت للشعب جميع الخدمات والبنى التحتية ، فلا أزمة كهرباء ولا ماء ولا أزمة سكن  ، الأمن مستتب ولا وجود للإرهاب ، لم تعد هناك بطالة بين الشباب ،  والأرامل والأيتام قد وجدوا الرعاية والدعم اللذان يضمنان لهم الحياة الكريمة . ان مستقبل العراق أصبح اليوم مرهونا بالشباب وإرادتهم في التغيير ، فشبابنا واع وأخطاء الأمس يجب الا تتكرر اليوم ، فلا مجال للندم ، ويجب ان تتوجه الجهود نحو البناء والإعمار ، علينا ان نصنع ربيعا سياسيا قبل ان يأتينا خريف العمر .  

أحدث المقالات