28 ديسمبر، 2024 4:28 ص

اطلع الكثير من العراقيين على حديث معالي وزير المالية قبل أيام والذي عرض من خلاله المخاطر التي تتعرض لها البلاد بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي لم ترقى لمستوى المعالجات ، والتي جعلت الدولة تعتمد بشكل ( شبه ) كلي على إيرادات النفط لتمويل النفقات وأكبرها رواتب موظفي الدولة التي باتت تشكل عبئا كبيرا على كل الموازنات ، كما حذر معاليه من خطورة استمرار اعتماد البلد على مبيعات النفط باعتبار إن النفط ستتناقص قيمته الاقتصادية بعد سنوات بسبب التطور الذي يشهده العالم في استخدم مختلف الطاقات ، وفي معرض توقعاته فقد أشار بان الحكومة ربما ستكون غير قادرة على دفع رواتب الموظفين بعد 10 سنوات .
وحديث السيد الوزير ليس الأول وليس غريبا على مسامع العراقيين ، فمنذ توليه مسؤولية وزارة المالية كان يحذر ويحذر ، لدرجة انه اوجد مع فريقه ما تسمى ( الورقة البيضاء ) التي يرى إنها تستوعب كل المخاوف والتوقعات والتحذيرات بحلول تحتاج لزمن في التطبيق ، وروج لها كثيرا وتبناها مجلس الوزراء منهاجا بسلطاته التنفيذية في دورته او في المديات التي حددتها الورقة ، والحق يقال إن الورقة تضمنت جداول وأرقام وإحصاءات تشير جميعا لوجوب اعتماد وسائل مناسبة لإدارة الأموال ، ومن وحي هذه الورقة تم إعداد موازنة 2021 خصوصا ما يتعلق باعتماد الرقم التحفظي لأسعار برميل النفط او كمية الصادرات وفي تغيير تسعيرة الدولار ، ورغم إن اللجنة المالية بمجلس النواب غيرت الكثير من نصوص مشروع قانون الموازنة إلا إن النصوص التقشفية بقيت عاملة فيما يخص الإيرادات والنفقات والاستثمار من باب الاحتراز ، ومن اطلع على الحديث الأخير لمعالي وزير المالية يتساءل لماذا يتحدث عن الوضع المالي للجمهور وهو يعرضه في الكثير من جلسات مجلس الوزراء ومع السياسيين ، وماذا ينتظر من الشعب بهذه الخصوص فهل القصد هو إنشاء صندوق لمساعدة الدولة او أن يتوقف الموظفون عن استلام رواتبهم ، او أن يتم التخلي عن المطالبة بتحسين وتوسيع الخدمات ، وهي أسئلة غالبا ما يطرحها البعض ولم تجد إجابات لان المشكلات مشخصة وتتعاظم والاهم هي الحلول ، ومن الحلول التي اعتمدتها الحكومة الحالية الشروع بتطبيق الورقة البيضاء والتي لم تظهر آثارها وجدواها بمستوى حماستها في الترويج و التطبيق .
وابرز إجراءاتها هي تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار الذي مضت عليه سنة بالتمام والكمال ، وهذه الزيادة سببت الكثير من الأذى للفقراء ومحدودي ومعدومي الدخل وزادت من ثروات البعض ممن يمتلكون الدولار ، ورغم إن هذا الإجراء آسهم بزيادة الإيرادات وتغطية العجز في الموازنة وارتفاع احتياطي البنك المركزي ، لكنه احدث شروخا عديدة في التضخم وزيادة الأسعار ووضع القطاعات الإنتاجية في حالة إحراج نظرا لارتفاع تكاليف الإنتاج ، واضطر بعضها للتوقف لأنها لم تعد قادرة على مجاراة أسعار السلع المستوردة التي تمول من مبيعات الدولة من الدولار التي ارتفعت لتكون بحدود 200 مليون دولار كل يوم ، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتعويض الفئات الضعيفة والفقيرة من خلال زيادة رواتب الحماية الاجتماعية او زيادة عددهم لم تكن كافية لمعالجة فروقات الأسعار والتضخم بعد أن زادت نسبة التضخم لتقترب من 1000% ، فقد شهدت نسبة التضخم لشهر تشرين الأول الماضي ( 2021 ) ارتفاعا لتبلغ 6.4% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي ( 2020 ) الذي بلغ 0.6% أي بنسبة ارتفاع بلغت 966.67% ، وهذا التضخم لم تدفع او تعوض تكاليفه الحكومة كما هو معمول في بعض البلدان وإنما دفعه عموم الشعب واستفادت منه الحكومة لتنفخ الاحتياطيات والإيرادات بالقدر الذي تتفاخر به باستمرار ، فالفضل في ذلك يعود لفروق أسعار الصرف التي أهلكت الكثير ولزيادة سعر برميل النفط وكمية الصادرات ، رغم ما كان يجب أن يحصده الشعب من انتعاش لان ظروف كورونا فرضت ظروفا صعبة بانخفاض أسعار النفط والأمل كان بعودتها للتعويض .
ومشكلة اعتماد الاقتصاد الريعي للبلاد ليست حديثة ولا حدثا طارئا وإنما هي قضية متوارثة وتزداد حجما كل عام مثل كرة الثلج ، ولم تواجه بإصلاحات حقيقية لا في زمن النظام البائد ولا لما بعد الاحتلال ، والمصيبة إن اغلب الأصوات تنادي بالإصلاح ولكن النتيجة واحدة وهي التعويل على الناتج المحلي المعتمد على النفط وتراجع اداء قطاعات الإنتاج ( العام ، المختلط ، الخاص ) ، لدرجة إنها باتت تتكرر وكأن القضية تشهد عقم وهي قضية ليست خافية لان اغلب العراقيين باتوا يفهمون بالاقتصاد وقد أصيبوا بأمراضه المزمنة ، ومعظم أسباب تلك الأمراض تحظى بتشجيع حكومي من خلال بيع الدولار لمن يشاء وغيرها من السياقات ، ولان الأمر لم يعد يتعلق بالحكومة الحالية بسبب حتمية انبثاق حكومة ما بعد الانتخابات ، فان المطلوب إنقاذ البلد من الوضع المزري الذي يعتمد على سياسات الاستيراد باعتماد المنتج المحلي باستراتيجيات للمعالجة وليس بقرارات محدودة المفعول ، وهي أحلام وشعارات لم تتحقق منذ عقود وسنوات ونخشى في حالة سريانها على حالها أن تتحول الدولة إلى معيل اجتماعي أكثر مما موجود عندما توزع إيراداتها بدون استحقاق من باب الترضيات ، وما نخشاه أن يضطرها ذلك يوما لإنشاء صندوق يقوم فيه الشعب بتمويل الحكومة بسبب تعاظم النفقات والالتزامات ، وهو إجراء حصل بالفعل عندما تم تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار فقد جنت الحكومة فوائده دون إن ينعكس ذلك على الجميع .
ومن باب المعلومة وليس بهدف تشجيع الاعتماد على النفط كمصدر أساس للإيرادات ، فان الرأي لبعض الخبراء إن النفط مثل الفحم يمرض و لا يموت ، وان التحول بالطاقة يعني باختصار تغيير نظم الطاقة بالتخلي عن استهلاك الطاقة الاحفورية والتوجه نحو الطاقة المتجددة ، وان الاستثمار الإضافي الكبير في التقنيات منخفضة الكربون يستدعي زيادة الاستثمار التراكمي في نظام الطاقة للسنوات 2015 – 2050 لتصل لنسبة 30 % بما يعادل 93 تريليون دولار وفقا للسياسات الحالية والى 120 تريليون دولار لكي ترتفع حصة الطاقة المتجددة من 15% عام 2015 إلى نحو الثلثين عام 2050 ، فيما تتوقع أوبك أن يستمر الطلب على النفط في الارتفاع حتى منتصف العقد المقبل ليصل إلى 108 ملايين برميل يوميا وبعد ذلك يستقر حتى 2045 .