صندوق النقد الدولي منظمة ذات طراز احتكاري
كتابة – اورلاند رويز
استاذ الاقتصاد الدولي– جامعة هافانا
اُنشأ صندوق النقد الدولي عند انعقاد مؤتمر (بريتون وودز) النقديوالمالي سنة 1944م، بهدف تشجيع التعاون النقدي الدولي، وتسهيلتطوير التجارة الدولية، والاسهام في صيانة مستوى استخدام المواردالمالية
، وتشجيع استقرار معدلات التبادل النقدي، وإزالة تخفيض قيمةالعملات لأغراض المنافسة، وإقامة نظام وحيد النمط لمعدلات القطع(النقدية)، مع الاسهام في إقامة نظام متعدد الأطراف للدفع، فيمايتعلق بالعمليات النقدية الجارية، وإزالة القيود عن عملات البلدانالاعضاء.إمّا الهدف الرئيس من انشاء صندوق النقد الدولي، فكان منأجل إيجاد شروط للقطع وحيدة النمط، خصوصاً بين البلدانالرأسمالية المتطورة التي كانت قد اضطرت أن تواجه اضطرابات نقديةخطيرة خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، دونما ألتفات الىمصالح البلدان النامية، إن تحليل أساليب عمل هذه المنظمة الدوليةذات الطراز الاحتكاري، يبيّنُ كيف إنّها تضمنُ مصالح الولاياتالمتحدة الامريكية في حقل النقد، فصندوق النقد الدولي، اعطى لهذهالدولة، امتيازاً استثنائياً جلياً، إذ اضفى على عملتها صفة العملةالمركزية للنظام، وبذلك، استطاعت هذه الدولة، بوصفها مركزاًللاحتياطي المالي، أن تعالج حالات عجز ميزان مدفوعاتها بواسطةعملتها هي بالذات، ومن جهة أخرى، منذ اُنشأ الصندوق، كانت أهمالحصص من نصيب البلدان الرأسمالية المتطورة، ولهذا الأمر أهميته،إذ إن عدد الأصوات التي يتمتعُ بها كل بلد، يتوقف على مقدار حصتهفي الصندوق، ومن الجدير بالأشارة، إنّ نظام الصندوق يديرهُ مجلسحُكّام مؤلف من حاكم ونائب حاكم عن كل بلد من البلدان الاعضاء،ومجلس مديرين تنفيذيين، تنتقي البلدان ذات الحصص الكبرى،خمسة منهم، ويعيّن الباقون على أساس التمثيل الجغرافي، ويشاركالمديرون التنفيذيون في معظم نشاطات الصندوق.
إنّ عدد الأصوات في داخل كل من هذه الهيئات، يتوقفُ على حجمالحصص، الأمر الذي يجعل مصالح الدول الرئيسية، وخصوصاًالولايات المتحدة، تنعكسُ مباشرة في نشاطاته، ومن الناحية المبدئية،يستوجب على صندوق النقد الدولي، أن يضع موارده تحت تصرفالبلدان الاعضاء، لأجل مواجهة حالات عجز ممكنة في ميزانمدفوعاتها، فاعطاء مثل هذه التسليفات يسمحُ بترسيخ سلطةالصندوق في المسائل النقدية والمالية الدولية، وتعديل السياسةالاقتصادية العامة للدول، فمن المقرر مثلاً، أن تضع البلدان الاعضاءالتي تطلبُ قروضاً بمشاركة الصندوق، تفاصيل السياسات التيستسلكها، للتخلص من صعوباتها المالية، والسياسات التي يقترحهاصندوق النقد الدولي، تشددُ على صون الاستقرار النقدي والمالي،والغاء مراقبة الأسعار والقيود على المستوردات والمدفوعات للخارج،إمّا الموارد التي يتصرفُ بها الصندوق لاعطاء القروض، فتتأتى منالحصص التي تدفعها الدول الاعضاء، وتعتبرُ الأهمية الاقتصاديةلكل بلد، أساساً لتحديد قيمة حصصه، استناداً الى المؤشرات التالية: أهمية الدخل الوطني، حجم الاحتياطات، المشاركة في التجارة الدولية،وهذا ما يعكسُ جيداً حقيقة طابع صندوق النقد الدولي، بقدر ماتتحدد الحصص، تبعاً لدرجة التطور التي بلغها كل بلد، وبما إنّهُ منالواضح، إن حصة كل بلد حسب هذه المؤشرات، تخضعُ للتقلباتالمالية الدولية، فأن الصندوق يقومُ كل خمس سنوات بإعادة نظر عامّةفي الحصص، ولقد اعربت بعض البلدان النامية لمرات عدّة عن عدمموافقتها على الحصة الصغيرة العائدة لها في عمليات التصويت،وحاولت أن تزيد مساهمتها بُغية الحصول على صفة تمثيلية، ووزنأكثر أهمية في اتخاذ القرارات، داخل المؤسسات النقدية والماليةالدولية، وخسرت الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، شيئاً منموقعها داخل الصندوق الدولي، وتتجلى هذه الخسارة في تدنيمشاركتها في عمليات التصويت، داخل المؤسسة، وفي المواقف التيتتخذها الدول الاعضاء، والتي غالباً ما تتعارض مع مصالح الولاياتالمتحدة، بيد إن الولايات المتحدة ما برحت تحافظُ على نفوذها داخلإطار صندوق النقد الدولي، وأن تكن مضطرة لأن تأخذ مصالح الدولالرأسمالية المتطورة الأخرى بعين الاعتبار، لكن بالامكان الجزم، معذلك، بأن ميزان القوى في حقل العلاقات النقدية والمالية قد تغير بعضالشيء، وينبغي الأشارةُ أيضاً الى إن البلدان النامية، ابدت اهتماماًمتزايداً بالقضايا النقدية الدولية، فدافعت عن مصالحها، وهي تشاركُمشاركة نشيطة في المناقشات، خصوصاً حينما طالت الأزمةُ النقديةالعالمية اقتصادياتها بصورة جدّية.
أساليب عمل الصندوق
عملاً بالمادة الثامنة من الاتفاقية التأسيسية لصندوق النقد الدولي،تتعهدُ الدول الاعضاء بإزالة القيود عن المدفوعات الجارية، وتدابيرالقطع التميزية ومعدلات هذه القطع المتعددة، وعليه، فان تسليفاتالصندوق تُعطى كلما تأكد من تعاون البلد لأجل الخلاص منصعوباته، ولا تُعطى إلّا اذا تعهد هذا البلد، بالغاء أو تخفيف القيودعلى التجارة أو على المدفوعات، إنّ العديد من البلدان النامية، لاتراعي أحكام المادة الثامنة، إذ انها تستعملُ القيود على العملاتالأجنبية، كسبيل لمراقبة عمليات القطع النقدية، وهذه أداة لتشجيعاستعمال العملات الأجنبية التي يمتلكها البلد استعمالاً عقلانياً، ويرادُمن ذلك اعطاء الاولوية للتوظيفات، لا للاستهلاك غير المنتج، وتحاشيهروب الرساميل، واستبدال بعض المنتجات التصديرية، والحصولعلى توازن ميزان المدفوعات.
إنّ أهداف صندوق النقد الدولي المتمثلة في الغاء التمييز في عملياتالقطع النقدية، واستقرار معدلاتها، ازال حالات تخفيض قيمة النقدلأغراض المزاحمة، وهي ذات أهمية أساسية في الحفاظ على سيرعمل النظام النقدي الدولي.. على إن تطبيق مبادئه على البلدان النامية،يتعارضُ مع مستلزمات تطور هذه البلدان، فبرنامج تأمين الاستقرارالنقدي والمالي الموضوع من قبله، يرمي الى مراقبة سياسة التسليفالتي يعتمدها البنك المركزي، والسياسة الضريبية، وسياسات نظاممعدلات القطع النقدية، ويشترط الصندوق بوجهٍ عام، مشاركة البلد فيتذليل صعوباته عن طريق سياسة، تقوم على تجميد الأجور، والحد مننمو التسليف والعجز الحكومي، واتخاذ اجراءات تهدف الى مكافحةهذه المظاهر المعتبرة أسباباً أولى للتضخم النقدي، واطلاق حريةالاستيراد والمدفوعات في حقل العلاقات الخارجية، والصندوق غالباً ماينصح بتخفيض قيمة عملة البلد، وتشدد ترتيبات صندوق النقد الدوليبصورة خاصة على اعتماد مبادئ حرية المبادرة، لأجل تصحيح حالاتالخلل بواسطة آليات السوق الضابطة، وخصوصاً على تشجيعالتوظيفات الوطنية والأجنبية، فهي توصي بخلق مناخ مؤات للتوظيفاتالاجنبية، الأمر الذي يُظهر بكل وضوح، أي مصالحٍ يدافعُ صندوقالنقد الدولي عنها بالفعل، إن النتائج السلبية لبرامج صندوق النقدالدولي تظهرُ بسرعة، خاصة ما يتعلق بتخفيض الطلب على التسليفوالنشاط التسليفي، ونظراً الى اطلاق حرية التجارة والمدفوعات، لايتحقق تعادل بين ازدياد المستوردات ومفاعيل تخفيض قيمة النقد،ويستتبعُ الغاء الرقابة على الأسعار، إعادة توزيع الموارد التي تأتيبالنتيجة لمصلحة البرجوازية، ويكون السعي بالتالي لمكافحة عجزالموازنة عن طريق تخفيض برامج غير منتجة، كنفقات الخدمةالاجتماعية والتربية والصحة، وإن برامج تأمين الاستقرار هذه، ما عداحالات نادرة، تشلّ النمو الاقتصادي، وتستتبعُ ارتفاعاً في نسبةالبطالة وانخفاظاً في مستوى الأجور الفعلية، وهذا كلّه يسهم فياحتدام التناقضات الاجتماعية في البلد الذي يعملُ بتوصيات صندوقالنقد الدولي.
إنّ أساليب عمل صندوق النقد الدولي، تسهمُ في أخِر الأمر فيالحفاظ على وضع اقتصادي جيد للنظام الاقتصادي في الدولالرأسمالية، فلن يُقبل أي تغيير لنماذج التجارة الدولية، يمكن أنيتعارض مع مصالح هذه الدول، ولا يسمح بأي تعديل للسياسة المتبعة،حيال التوظيفات الخاصة الأجنبية أو لانتظام تأدية خدمة الدين، وإنأهمية الكمية لتسليفات صندوق النقد الدولي ضعيفة، فحالات العجزفي الحسابات الجارية لدى البلدان النامية غير المنتجة للنفط، قدازدادت أكثر من ثلاثة أضعاف، بينما نسبة مساعدة صندوق النقدالدولي، ارتفعت الى (كذا%) من قيمة العجز، ومعلوم إن التمويل منجانب هيئات أخرى، خصوصاً المصارف الخاصة أو وكالات التمويلالدولية، كالبنك الدولي وفروعه، مشروطٌ باتفاقٍ مُسبق مع الصندوقبوجهٍ عام، ومع ذلك، فإن البلدان النامية في كل الاحوال، تلجأ الىصندوق النقد الدولي ، حينما تجد وضعها في حقل الدفع، هشاً بنوعٍخاص، لأن هذه البلدان تتحاشى بتوجهها الى المصارف الدوليةالخاصة، وهذا ما يعطي تعريفاً جيدّاً للسياسات التسليفية التييفرضها الصندوق، وما يترتبُ عليها من نتائج ضارة باقتصاديات هذهالبلدان، ولقد أثرت الشروط المفروضة من جانب صندوق النقد الدولي،مجادلات وانتقادات جدّية من جانب البلدان النامية، وكان لذلك وقعهداخل الصندوق حيثُ أخذ البعض من البلدان النامية يسمع كلاماً عنتكييف سياسات الصندوق مع ضرورات البلدان النامية، الأمر الذي لايغيّر عملياً من الوضع إلّا قليلاً، وتطالب البلدان النامية بتسهيلمنفعيتها من موارد الصندوق عن طريق التخفيف من قساوة شروطالاستخدام التي ينبغي أن تؤخذ في الاعتبار على نحوً أفضل،ضرورات التنمية الاقتصادية والوضع الاقتصادي والاجتماعي القائمفي هذه البلدان.
إصلاح أساليب عمل صندوق النقد الدولي
معلوم إن نظام بريتون وودز تأسس على الذهب وعلى الدولارالامريكي، القابل للتحويل بحرية الى الذهب، وقد ظلت عملة امريكاالعنصر الرئيس للدفع والاحتياطي، وكانت سائر الحكومات تحصرُتقلبات أسعار القطع لعملاتها بواحد بالمائة بالنسبة الى الدولارالامريكي، وإن وجود أسعار قطع ثابتة قد شكّل دون أي شك، إحدىمزايا النظام الرئيسية التي اتاحت الحد من عدم الاطمئنان القائم فيالعلاقات الاقتصادية الدولية، ومن جهة ثانية، فإن حرية تحويل الدولارالى ذهب، قد ضمنت الوظائف النقدية لهذه العملة، وحيال عدماستقرار الدولار، تركت الدول الرأسمالية الاوروبية الرئيسية واليابانعملاتها في حالة تذبذبٍ، بالنسبة إليه، وهو قرار يتعارض مع اتفاقيةتأسيس صندوق النقد الدولي، فيما يتعلق بأنظمة القطع، كما إنّ عدمقابلية الدولار الامريكي للتحويل الى ذهب، وتكرار تخفيض قيمته،وتحديد معدلات للقطع متذبذبة بين عملات البلدان الرأسمالية المتطورة،وهي من مميزات الأزمات النقدية التي يشهدها عالمنا الراهن، تطرحُمشكلات عديدة امام الاقتصاديات المتخلفة أو النامية، فتدني القيمةالشرائية للدولار الامريكي، بالنسبة لسائر العملات المستعملة فيالأسواق الدولية، معناه تدني قيمة احتياطات البلدان النامية التيتتألفُ بصورة أساسية من الدولارات، وإن تحديد معدلات القطع يؤلّف– بقدر ما تحدد العلاقات بين الأسعار الخارجية والداخلية – عاملاًحيوي الأهمية في سيرورة التطور، فالمُعدّل المنخفض القيمة يشجعالصادرات، ولكنهُ يزيد من كُلفة وصعوبة الحصول على منتجاتأجنبية، ويمكن أن تكون له تأثيراتٌ تضخمية، إمّا المعدل المرتفع القيمة،فهو على العكس، يؤلّفُ عائقاً في وجه الصادرات، ويمكن أن يستتبعركوداً، ثمّ إن اعتماد معدلات قطع متذبذبة أمرٌ يفترضُ من جهة ثانية،ازدياد الاطمئنان الى الأسعار، وهذا يعرقلُ التجارة ومشاريعالتوظيف في أي بلد، ومثل عدم الاستقرار هذا ، ترفٌ لا تستطيعُالبلدان النامية أن تتمتع به، وعلى إثر تدهور الدولار في بعضالاحيان…
اعتُمِدت من جملة ما اعتُمِد من وسائل لتحديد معدلات القطع، طريقةالقياس على عملاق بضعة بلدان متطورة، وعلى حقوق السحبالخاصة، ومجموعة من المؤشرات الاقتصادية، إن جميع البلدان الناميةتقريباً تحتفظ بمعدلات للقطع، مرتبطة بالدولار الامريكي والى حدبالفرنك الفرنسي، فمعدلات القطع عندها تكون بذلك مرتبطة بالتقلباتغير القابلة للتوقع التي تنتابُ كلاً من هذه العملاتن وهدف هذا النوعمن الارتباط ، هو استقرار العلاقات مع البلدان صاحبة العملة المعنية،وهو يعكسُ ويسهمُ في تقوية التبعية للبلدان المتقدمة.لقد اقترحتالبلدان النامية تدابير مختلفة الأنواع لمعالجة مشكلاتها المالية، كماازداد أهتمامها برفع أهمية مشاركتها في النظام النقدي الدولي، وقدبُحِثت هذه النقطة الأخيرة بشكلٍ واسع من قبل مجموعات من الخبراء،ونوقِشت في اجتماعات دولية، كثُرت فيها الانتقادات الموجهة الىالقواعد التي يراعيها صندوق النقد الدولي، والى نشاطاته، وعرضتضرورة قيام نظام مُعدّل، مبني على مبادئ تختلف عن تلك التي تخلقُتمييزاً في المعاملة لغير صالح أفقر اعضاء الأسرة الدولية، كانالأهتمام بإصلاح أساليب العمل النقدية الدولية، قد ظهر في تقريرٍعنوانه (المشكلات الدولية والبلدان النامية)، صنعتهُ مجموعةٌ منالخبراء، بناءاً على طلب مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والانماء،وقد جاء في هذا التقرير، إنّ الإصلاح يجب أن يضمن مصالح البلدانالنامية بمجموعها، كما اقترح اعتماد سياسات في التجارة والمساعدة،بُغية إزالة حالات الخلل البنيوية في الدفع، وفي الاجتماع الثالث لمؤتمرالأمم المتحدة للتجارة والانماء، قررت مجموعة الـ 77 (هيئة لتنسيقمواقف البلدان النامية تضمُ 119 بلداً (وقتئذ) من افريقيا واسياوامريكا اللاتينية واوروبا) ، انشاء مجموعة مشتركة بين الحكومات،مُكلّفة بضمان مصالحها في البحث عن حلولٍ لوضعها من الأزمة (وقتكتابة البحث)، وهكذا انشأت المجموعة المسماة مجموعة الـ 24 التيتضمُ ممثلين لامريكا اللاتينية واسيا وافريقيا على قدم المساواة، وتعملعلى مستويين: مستوى الوزراء ومستوى المساعدينن فالأولون هم وزراءالمالية أو الاقتصاد أو محافظو المصارف المركزية في بلدانهم، وهمالذين يضطلعون بالمسؤولية السياسية، والمساعدون هم موظفون كِبارفي هذه الإدارات، ويضطلعون بالمسؤولية التقنية، إن تأليف مجموعةالـ 24 ، يعودُ سببه بالدرجة الأولى الى الوضع السائد في الميدانالنقدي والمالي، حيثُ تطبّق الاتفاقات المعقودة بين عدد صغير منالدول الرأسمالية على جميع البلدان، فهذه الاتفاقات تُناقشُ عادةضمن إطار مجموعة العشرة فقط، هذه التي تضم ممثلين لأكبر البلدانالرأسمالية تطوراً.. ثمّ يُصدّق عليها صندوق النقد الدولي، حيثُ تحوزهذه الدول، عدداً غالباً من الأصوات، فالغاية من انشاء مجموعة الـ 24 ، كانت إيجاد قوّة مقابلة لمجموعة العشرة، الأمر الذي يظهر بكلوضوح في أهدافها المعلنة، إذ تسعى الى تقييم الاحداث في الحقلالنقدي، وكذلك المقررات التي يمكن ان يتخذها بلد أو مجموعة بلدانفي نطاق صندوق النقد الدولي، لقد اتاح انشاء مجموعة الـ 24،اتخاذ مواقف مشتركة وهو يعكسُ حالة نفسية جديدة عند البلدانالنامية حيال صندوق النقد الدولي، فأخذت هذه البلدان، تطالبُبمشاركة كاملة وفعلية في المفاوضات والمقررات حول المسائل النقديةالدولية، بالطبع ما يزال هنالك كثيرٌ مما يجب عمله لتأمين مشاركةأفضل من جانب البلدان النامية في المقررات النقدية، إذ إن المقرراتالهامة المتعلقة بالنظام الداخلي للصندوق، يجب أن تنال 85% منالأصوات، بينما امريكا وبلدان المجموعة الاقتصادية الاوروبية، تحوزُأكثر من 15% من الأصوات، وتتمتعُ بحقّ النقص، فهي بذلك تفرضُما يلائم مصالحها.. متى ما توصلت الى توحيد مقاييسها، ومن بينوجوه نشاط الصندوق الأكثر تعرضاً للانتقاد من جانب البلدان النامية،نجدُ ما سمي بعدم تناسق الموجبات التي تفرضها هذه المؤسسة علىالبلدان ذات الفائض ، أو ذات العجز في عملية ترتيب المدفوعاتالدولية، فعملية الترتيب هذه تتضمن الاجراءات الواجب اتخاذها كيتحصل البلدان، أكانت في حالة فائض أم في حالة عجز على توازنالمدفوعات، والنظام النقدي الحالي المعمول به، يجعلُ النتائج ازاء عدمالتوازن الدولي في المدفوعات، واحدة .. سواء أكان البلد ذا فائض أم ذا عجز. اذ ان صندوق النقد الدولي لا يلحظ سوى شروط يجبتطبيقها من جانب البلدان المدينة في حال اضطرارها الى استعمالوسائله التسليفية، لهذا تضطرُ البلدان النامية تحت ضغط صندوقالنقد الدولي الى رفع القيود عن التجارة والمدفوعات، بينما تستطيعُالرأسمالية المتطورة، أن تضع قيوداً على مستورداتها، وتعزيز القيودالقائمة من قبل، إنّ سياسات التقشف التي يفرضها صندوق النقدالدولي على البلدان النامية، هي سياسات غير عقلانية بالنسبة الىهذه البلدان، اذا نظرنا بعين الاعتبار الى كون نزعات العجز في هذهالبلدان، قد تفاقمت من جرّاء التضخم النقدي الدولي، والقيودالموضوعة على دخول صادراتها الى سوق البلدان الرأسمالية المتطورة،ولقد طُرِحت التدابير التالية، كحلولٍ ممكنة لعملية ترتيب أكثر تناسقاً:
1- امكانية اعتماد البلدان الصناعية ذات الفائض، سياسة ليبراليةللتجارة مع البلدان النامية عن طريق ازالة الحواجز الكمركية وافضليةفي معاملة المنتجات الآتية من هذه البلدان.
2- امكانية امتناع البلدان الصناعية ذات العجز عن فرض قيود علىمستورداتها او على خروج رساميلها نحو الاقتصاديات النامية.
كلذ هذه التدابير، كما نرى، تفترضُ ادخال تعديلات واسعة علىنشاطات صندوق النقد الدولي، ويبدو تطبيقها أمراً مشكوكاً فيه اذااعتبرنا إن هذه المؤسسة، تضمنُ مصالح مجموعة صغيرة من البلدانالرأسمالية المتطورة، وخصوصاً امريكا التي ما برحت تقوم بالدورالأهم في نظام التصويت المعتمد لدى الصندوق، إن القروض منالمصارف الدولية الخاصة، ستظلُ قائمة كشرّ لا بد منه، تلجأ إليهالبلدان الرأسمالية، تحت ضغط حاجاتها الماسة الى المال، وبسببعدم كفاية التمويل الرسمي بشروطٍ مفيدة، وحتى بسبب الممارساتالسلبية من جانب صندوق النقد الدولي، ويمكن أن نتوقع احتداماًللأزمة النقدية والمالية في البلدان الرأسمالية خلال السنوات القادمة ،سيّما بلدان الاتحاد الاوروبي، الأمر الذي سيتبعهُ اشتدادٌ فيمطالبها ازاء الآليات النقدية والمالية المفروضة من جانب البلدانالرأسمالية المتطورة، ومع ذلك، فلن يكون بالامكان اجراء إصلاححقيقي للنظام النقدي الدولي لما فيه مصلحة البلدان النامية ضمنإطار صندوق النقد الدولي، ويمكن الأشارة هنا الى إن هذا الوضع قديحملُ البلدان النامية على طرح مسألة انشاء نظام نقدي عالمي جديد،عادل وشامل.. الى جانب المنظمات والهيئات القائمة الآن، فمن الواجبعلينا اذاً، أن نعمل في جمع صفوفها، كي تكون مواقعها أقوى منأجل انشاء مؤسسات للتمويل الدولي من نوعٍ جديد.
–عن مجلة Tricontinental ، الطبعة الفرنسية العدد 79